سلطت اجتماعات الربيع الاخيرة لصندوق النقد والبنك الدوليين التى عقدت فى واشنطن الضوء على تداعيات خطيرة للاحداث السياسية بدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا على الاقتصاد العالمى، مؤكدة ضرورة مراقبتها عن كثب لما تشكله تلك المنطقة أهمية كأحد أهم مصادر إنتاج النفط الرئيسية. وفي هذا الصدد دعا خبراء اقتصاد المجتمع الدولى لدعم الاستقرار السياسى فى المنطقة التي تشهد منذ نهاية العام الماضى 2010 توترات غير مسبوقة اطاحت ثورتان شعبيتان برئيسى تونس ومصر واندلعت مظاهرات احتجاج فى عدة دول تحولت الى نزاع مسلح فى ليبيا بينما سقط مئات القتلى والجرحى فى احتجاجات باليمن والبحرين وسوريا والاردن. واستبعد الخبراء احتمال تعافى اقتصاد المنطقة في الأمد القصير، مشيرين إلى ما ألقت به التوترات من تداعيات سلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية وبخاصة السياحة والاستثمار الاجنبى المباشر . ومن جانبه، توقع صندوق النقد الدولى أن يصل معدل النمو فى الشرق الاوسط الى 4.1% عام 2011، بانخفاض 0.5% من ال4.6% عن ما كان متوقعا فى يناير الماضى، قبيل اندلاع تلك الاحداث، مشيرا إلى أن نمو مصر وتونس سيكون اقل نموا بنسبة 1.0 و1.3% عام 2011 على التوالى. وحسبما ذكرت وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" أعرب مستثمرون فى المنطقة عن استيائهم مشيرين إلى ان ثقتهم بالسوق العربية قد احبطت ايضا بسبب حالة عدم اليقين المستقبلى ، حيث فضل الكثير من المستثمرين الانتظار والترقب مؤكدين أنه حتى اذا خرجت المنطقة من الاضطرابات، فان القلق على وضع الاستثمار سيستمر الى فترة من الوقت. ولا يكاد يمر يوما الآن إلا وتطالعنا الصحف والوكالات بمزيد من التقارير و التحليلات والدراسات التي تتوقع المزيد من التراجع والخسائر للاقتصادات العربية مع استمرار التوترات بالمنطقة ومنها:
مصر وفي مصر التى شهدت ثورة أطاحت بنظام الرئيس محمد حسنى مبارك، رشح عدد من الخبراء الاقتصاديين أن ترتفع خسائر الاقتصاد المصري إلى مئتي مليار حال استمرار التوترات السياسية والاحتجاجات الفئوية. وقال الخبراء المصريين في تقرير:" إن تلك الخسارة الفادحة جاءت في جميع المجالات سواء في سوق الأوراق المالية وارتفاع تكلفة السندات المصرية وغيرها من الخسائر المتوقع زيادتها في الأيام المقبلة أو في مجال السياحة بسبب مغادرة السياح مصر". وأوضح التقرير أن البورصة المصرية فقدت أسهمها منذ بداية بوادر الأزمة في الظهور ما يقرب من 90 مليار جنيه، حيث انخفضت القيمة السوقية للأسهم المصرية من 504 مليار جنيه إلى 420 مليار جنيه. وأضافوا أن إجمالي إيرادات مصر من قطاع السياحة المصرية 15 مليار دولار خلال العام الماضي بما يمثل 11% من الناتج المحلي بعد دخول 16 مليون سائح متوقعين تراجع تلك الحصيلة لأكثر من 57% وذلك بعد التنبيهات التي صدرت من جميع الدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية لرعياها بسرعة مغادرة الأراضي المصرية. وذكر الخبراء أن هذه الخسائر الفادحة جاءت في الوقت الذي تراجع فيه الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته منذ ما يزيد على ست سنوات أمام الدولار الأمريكي مما يضع الاقتصاد المصري أمام كارثة أخرى. ومن جانبه أكد وزير السياحة المصرى الدكتور منير فخرى عبد النور أن الاضطرابات السياسية ألحقت خسائر ضخمة بالقطاع السياحى فى مصر، مشيرا إلى أن مصر قد خسرت 3 ملايين زائر و3.2 مليار دولار.
تونس وفي تونس خرج تقرير لوزارة التخطيط والتعاون الدولي يؤكد ان أثار "الزلزال السياسي" الذي شهدته تونس بداية 2011 كانت أشد وقعا على الاقتصاد الوطني من الأزمة المالية والاقتصادية التي شهدها العالم في الفترة 2007-2009. وأوضح التقرير أن الاحداث التي رافقت الإطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ألحقت حالة "اضطراب مباغت" بالاقتصاد التونسي. وأشارت الوزارة في تقرير لمرصد الظرف الاقتصادي التابع لها نشرته وكالة الأنباء التونسية الرسمية، إلى أن قطاع السياحة كان الأكثر تضررا إذ لم تتجاوز عائداته مع نهاية شهر فبراير الماضي 1.190 مليون دينار(843 ألف دولار) مسجلة بذلك تراجعا بنسبة 40 % مقارنة بنفس الفترة من 2010. وقد ساهم تراجع عائدات قطاع السياحة في استمرار انخفاض مدخرات تونس الصافية من النقد الأجنبي ،حيث تراجعت بنسبة 5.6 % خلال الشهرين الأولين من 2011 مقارنة مع نفس الفترة من 2010. ومن جهة أخرى،أظهر التقرير أن صادرات تونس شهدت "انهيارا" خلال شهر يناير الماضي، حيث تراجع حجمها بنسبة 20 % مقارنة بشهر ديسمبر 2010، مؤكدا أن عجز الميزان التجاري بالنسبة للشهرين الماضيين أستقر في حدود 871.7 مليون دينار (618.22 مليون دولار). كما أبرز التقرير أن تدفق الاستثمار الأجنبي سجل تراجعا خلال شهر يناير الماضي ليستقر في حدود 116.4 مليون دينار (82.55 مليون دولار)،مقابل 142.2 مليون دينار (100. 85 مليون دولار) خلال العام الماضي،أي بانخفاض قدره 22 %. كما كشف المكتب التنفيذي المؤقت للإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عن أن المؤسسات الاقتصادية التونسية تكبدت خسائر بقيمة 400 مليون دينار (283.68 مليون دولار) جراء أعمال الحرق والتخريب والنهب التي طالت خلال "الثورة" عددا من المؤسسات الاقتصادية وبسبب الإعتصامات والإضرابات عن العمل.
اليمن ففي ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية التي دخلت شهرها الثالث، واصل الاقتصاد اليمني إحصاء خسائره اليومية في قطاعات مختلفة والتي جاء على رأسها تراجع قيمة الريال اليمني إلى مستوى قياسي. ومن جانبه، أعلن وزير الصناعة والتجارة اليمني هشام شرف أمس الاثنين ان الأزمة السياسية الممتدة منذ ثلاثة اشهر كبدت اقتصاد البلاد خمسة مليارات دولار, حسبما افاد تقرير لصحيفة الحزب الحاكم. فى غضون ذلك, اصدر القطاع الخاص اليمني بيانا يوم الاثنين قال فيه ان خسائره خلال الأزمة السياسية وصلت الى نحو 1.5 مليار دولار، مضيفا ان العملة اليمنية وصلت الى ادنى مستوى لها يوم الاثنين منذ اندلاع الأزمة السياسية في منتصف فبراير الماضي بواقع 250 ريالا للدولار الواحد. وتشهد اليمن احتجاجات شعبية واسعة مدعومة من المعارضة منذ منتصف فبراير تطالب بتنحي فوري للرئيس علي عبد الله صالح.
عمان وفي مسقط توقعت مصادر اقتصادية أن تتجاوز خسائر السلطنة خلال الاحتجاجات بحوالى مليار دولار، في وقت أعلنت مجموعة من الفنادق أن الأشغال تراجعت بنسبة تراوح بين 30% و40%، بعد أن كانت تصل إلى 100% خلال موسم الشتاء الدافئ. كما أعلنت شركة المطاحن العمانية عن توقف الإنتاج بعد اعتصام موظفيها، إلا أنه يذكر أنه في عمان قد تم حل الأزمة نوعا ما بالاستجابة للمطالب، حيث أعلن السلطان قابوس بن سعيد عن آلاف الوظائف، والتي تمثلت في توظيف 50 ألف عماني في القطاعين العام والخاص، التحق بضعة آلاف منهم بالمؤسسات العسكرية، وآخرون بالمؤسسات الحكومية والشركات التي تسابقت لتأكيد دورها الوطني، إلا أن الاحتجاجات تواصلت في بعض المدن. وأقرت الحكومة العمانية، للمرة الأولى، مجموعة من الإصلاحات المتعلقة بمكافحة الفساد والبطالة، أبرزها منح الباحثين عن عمل رواتب شهرية قيمتها 150 ريالاً (الريال يساوي 2.6 دولار)، وإعطاؤهم ثلاث وظائف لاختيار واحدة منها، قبل قطع المعونة الشهرية عنهم. وأمنت وزارة الخدمة المدنية، بالتنسيق مع مختلف الوحدات الحكومية، 11 ألف وظيفة للمواطنين الباحثين عن عمل لحملة التخصصات الجامعية، بينها خمسة آلاف في قطاع التربية والتعليم، في خطوة لافتة لأن التعيين سيتم خلافاً لقواعد التوظيف المركزي، ومن خلال التنسيق مع وزارة القوى العاملة من أجل حصر أسماء الباحثين عن عمل من الجامعيين وتخصصاتهم، تماشياً مع قاعدة البيانات الموجودة في سجل القوى العاملة الوطنية. ورفعت مؤسسة خدمات الموانئ، الرواتب الأساسية للموظفين بنسب تتراوح بين 7.5% و20%، كما رفعت قيمة العلاوة السنوية، واستحدثت ومنحت "علاوة ميناء" لجميع العاملين في المؤسسة اعتباراً من نوفمبر/ تشرين ثاني 2010، وبدا صرف العلاوة السنوية بالقيمة الجديدة اعتباراً من الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي.