بعد اطلالة لافتة في سي دي 'سلام' قبل سنتين، بدأت المغنية اللبنانية جانين دي تُعد لعملها الغنائي الثاني وتعد بمفاجآت من خلاله. فنانة دخلت دون مقدمات إذاعية أو تلفزيونية عالم الغناء فطرحت السؤال حولها. كما شكل إسمها مساحة لسؤال آخر. لجانين دي صوت يحمل هوية خاصة ويتميز بالنقاء. وإختياراتها تشي بإنسانة لديها ثقافة فنية وإنسانية جيدة. مع جانين دي كان هذا اللقاء التعارفي: في البداية كل من قرأ 'جانين دي' سأل عن سره؟ حمل السي دي إسم 'جانين دي 'على غلافه الأول، وعلى غلافه الثاني حمل إسم 'جانين داغر' وهو إسمي كاملاً كتب بالخط الكوفي. إعتمدت إسم 'جانين دي' لأن إسم داغر غير تسويقي، وجانين بمفرده ليس موسيقياً. جمعت على السي دي بين 'جانين دي ' التي تحمل تعبيراً غربياً، وبين جانين داغر على الغلاف الثاني بالخط الكوفي الشرقي. ويبقى أن المضمون جميعه شرقي وهو يعبر عن شخصيتي. كيف تراكم بداخلك مخزون الفن حتى قررت إطلاق موهبتك فجأة؟ أطلقت على السي دي عنوان 'سلام' بمعنى التحية واللقاء الأول مع الجمهور. ولأننا كنا في مرحلة سياسية وأمنية غير مستقرة قبل سنتين قرأها بعضهم على أنها دعوة للسلام الداخلي. يبقى أن المضمون الذي أردته هو التحية مني للجمهور العربي الذي لا يعرفني مطلقاً. فأنا لست آتية من إستديو الفن، أو ستار أكاديمي أو سوبر ستار. كما لم يسبق أن غنيت في أي مكان في لبنان. أتيت من نيويورك حيث كنت أعيش مع عائلتي فجأة إلى لبنان. حضرت لسنة ونصف وقدمت سي دي سلام. وأي منا عندما يدخل على أناس في مكان ما يلقي عليهم التحية ومن ثم يُعرّف عن نفسه. لماذا قررت خوض عالم الغناء؟ أنا فنانة لأني شخص يحب الحياة، ويحب الناس ويرغب بالتقرب منهم والتواصل معهم. والفنان شخص قادر على التواصل مع أكبر مجموعة من الناس. ولأنه شخص تلد معه أحاسيس مختلفة فهو كذلك مُعرض للتأثر بأي من الأمور التي تصادفه في الحياة. أترك نفسي للحياة. وأترك لتعبيري حريته، فكل يوم يختلف عما سبقه. ما هي دراساتك في عالم الفنون؟ حبي للموسيقى غير عادي وقد تعلمت العزف على الغيتار ودرست الفوكاليز، وإلى جانبها أرسم وأكتب. تعبيري من خلال الغناء بدأ في عمر ال16 سنة. وقبلها كنت أحيي حفلات المدرسة جميعها. عشت مع عائلتي في نيويورك، ومرة قصدنا مكاناً معروفاً يعزف فيه 'بيانيست' شهير، ويرتاده أناس مشهورون. يومها طلب مني الغناء فأديت أغنية 'Ne me quie pas' لجاك بريل. غنيت أمام جمهور يجهلني كلياً، ومن غنوا قبلي كانوا مشهورين في برودواي ولديهم أصوات جميلة جداً، ومع ذلك تركت أثراً كبيراً على الحضور بمن فيهم عازف البيانو الذي أشاد بأدائي. في تلك اللحظة بدأت اللحظة الحاسمة؟ ربما، لأنه في عمر ال16 سنة ليس سهلاً معرفة الطريق، خاصة وإني آتية من عائلة تحترم الفن لكن الإحتراف ليس بهذه السهولة في قاموسها. والدي رغب أن أكون في الفن كمنتجة وليس كفنانة لأنه يدرك المتاعب التي تواجه الفنان. لكني من الناس الذي يتحدون الصعوبات. درست المسرح الغنائي فكم تفيدك هذه الدراسة في عملك الفني؟ كثيراً جداً. كما أني في مرحلة التفكير بتأسيس مسرح في لبنان وهو من نوع المسرح الذي يُسمى في أوروبا Theatre de charme ، ولن يكون لي فقط، بل ستكون له إستضافات عالمية. أرغب بتأسيس هذا المسرح ليتمتع المتفرج اللبناني والعربي بما تمتعت بمشاهدته في مسارح نيويورك. والمشروع قيد الدرس. طموحاتك كبيرة فعلى ماذا تستندين؟ هل هي قدراتك فقط؟ لست أدري. ليس فقط إيماني بقدراتي. أستيقظ وأجد أن الفن فقط هو عملي ورغبتي، وأجد نفسي في ذلك غير مخيرة. في عالم الفن صعوبات فوق الخيال. والحمدلله أني منذ لحظة إطلاق عملي الغنائي وأنا أحظى بدعم رهيب من الإعلام. والحمدلله أن النقد كان دائماً إيجابياً. دعم الإعلام القوي قابله واقع معاكس من 'المصلحة' نفسها. تستثمرين في الفن الذي يبلع الكثير من المال قبل أن يبدأ العطاء؟ السنتان اللتان أمضيتهما في الفن أعطيتاني الكثير. وصلني الكثير من التقدير حتى من اليابان. كثيرون قالوا لي إنت من دفعنا لسماع الغناء العربي. يتحدثون عن تفاصيل كثيرة في الكليبات التي صورتها. هذا جيد جداً بالنسبة لي. كما أن العديدين إعتمدوا الخطة التي قدمت فيها ذاتي، من أسلوب التسويق إلى الفيديو كليب. وهذا ما يؤكد أني كنت في خط خاص ومستقل. وهل تتدخلين بالكليب؟ من المهم أن يتدخل الفنان في عمله المصور. مخرج الفيديو كليب يختلف عن مخرج الفيلم. ليس بالإمكان إعطاء الأول الصلاحية نفسها. لست في فيلم أؤدي كممثلة رؤية هذا المخرج. الكليب رؤية خاصة بي ودور المخرج تنفيذها. على المخرج أن ينفذ الإحساس الذي قدمته في الأغنية. ترتبطين بجذورك اللبنانية والعربية رغم العمر الذي أمضيته في نيويورك؟ إرتباطي شديد بلبنان. خلال وجودي في نيويورك كان إصراري شديداً على القدوم في كل صيف. تعلقي بوطني غير طبيعي وليس بإمكاني التعبير عن مدى هذا التعلق. أحب رائحة لبنان الذي تركته في عمر الست سنوات وعدت إليه في المرة الأولى وأنا في عمر ال15 سنة. كيف إحتفظت بلغتك العربية وكأنك درستها بشكل منهجي رغم كل سنوات الهجرة؟ تضحك وتقول: عشت في مصر لعمر 12 سنة، ومن ثم إنتقلنا إلى نيويورك، وقبل أربع سنوات عدت الى لبنان. لغتي هي هويتي التي لم ولن أتركها. ترفضين حفلات المطاعم والفنادق لكن حفلات 'الريسيتال' ليست رائجة كيف ستعبرين عن نفسك؟ هذا هو التحدي الذي أرغبه. وأطلب القدرة من الله للسير في هذا التحدي. أسعى للوصول إلى أسلوب جديد في تقديم الفن. ومن هنا كان حديثي عن Theatre de charme. فهو مكان سيضم مقهى وموسيقى جاز ومن ثم الإنتقال الى مسرح صغير يمكِّن المتلقي من التمتع بصوت الفنان. إذا تمكنا من تأمين هذه الكيفية للفنانين ومن خلال هذا المستوى قد ننجح في خلق طريق آخر لتلقي الفن تماماً كما هو موجود في الغرب. ماذا عن جديدك؟ بدأت الإعداد للسي دي الجديد وآمل أن يكون منجزاً في السنة المقبلة. في أغنياتي السابقة تعاونت مع محمد رفاعي، جان ماري رياشي، عادل عايش، جان صليبا، شريف تاج وأخرين. وفي السي دي الذي أعده ثمة تعاون على درجة من الأهمية مع سليم عساف. كذلك هناك تعاون مع سهام شعشاع. أما الفنان المصري الجديد إيهاب عبد الواحد والذي يتميز بإحساس عال جداً سيكون المفاجأة. إسمه جديد لكني على يقين بأنه سيحقق الكثير في مرحلة قصيرة. كما تعاونت مع عمرو مصطفى وآخرين. علمت بكتابتك لفيلم سينمائي ومسرحية. لماذا خوض الفن بكل أبوابه؟ أشهر الفنانين العالميين أمثال شارل أزنافور وجاك بريل وآخرين يكتبون ويلحنون. كذلك في عصرنا بيونسيه تكتب وتلحن وتمثل وهي تمتلك موهبة التعبير في أكثر من جانب فني. الفنان الذي يلحن ويكتب هو أكثر أهمية من سواه. الفنان الشامل هو الفنان الحقيقي. بعد نزول سي دي 'سلام' مباشرة جاءني إلهام الكتابة ودخلتها لفترة طويلة وأنجزت الفيلم بالكامل. وهل ستمثلين في هذا الفيلم؟ طبعاً. ومن سيتولى الإخراج؟ سيكون فيلماً لبنانياً فرنسياً. عالمنا العربي يتضمن كمية هائلة من المضامين التي يمكن تجسيدها في أفلام وتقديمها للغرب. كذلك لدينا كمية رهيبة من الإحساس، لكننا على صعيد الأسلوب نحاكي ذاتنا. يفترض أن نتعلم محاكاة الغرب. 'سلوم دوغ ميليونير' قصة هندية بإخراج وتنفيذ غربيين. هكذا نقرب قصصنا من الجمهور الغربي. من المهم كعرب أن لا نعمل فقط لمخاطبة ذاتنا. علينا واجب مخاطبة الغير.