من الإشكاليات التي يقع فيها كثير من الناس قضية التعميم ، وذلك خطأ فادح كون المجتمعات الإنسانية تتصف بالتنوع ، فما هو مقبول لدى شخص يمكن عدم قبوله لدى شخص آخر ، فالقبول أو الرفض لأي قضية اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو حتى اقتصادية غالباً ما يرتبط بمستوى ثقافة الفرد وخبرته الاجتماعية وقناعاته الفكرية والعقائدية ، ومن تلك القضايا الفساد بصوره المختلفة السياسية والادارية والاجتماعية والثقافية . نتناول الفساد باعتباره أسوأ الإمراض الاجتماعية التي تهدد منظمومة المجتمع اليمني بمكوناته المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، ففي إدارة الدولة إن وجد الفساد دمر مفهوم الدولة ووظيفتها الاجتماعية ، وفي السياسة إن وجد الفساد تحول العمل السياسي إلى نخاسة وتآمر وعمالة ، وفي الاقتصاد إن وجد الفساد زاد الفقر والبطالة وتلاشت الطبقة الوسطى وساد الاحتكار ونهب الموارد ، وفي الثقافة إن وجد الفساد تحول التعليم والإعلام إلى أدوات تجهيل وتضليل ، وفي الخدمات الصحية إن ساد الفساد فيها تحولت إلى مسببات لتفاقم المرض وتدهور صحة المجتمع ، وفي الخدمات الأسرية مثل الماء والكهرباء والمحروقات إن ساد الفساد فيها تحولت إلى بؤس ومعاناة على السكان ، وقس عليها الجوانب المحتلفة من حياة الإنسان التي تتأثر بشكل مباشر بمظاهر الفساد. نورد تلك المفاهيم للفساد ، كون الفساد أصبح ظاهرة تتسع كل يوم لتغطي مختلف مجالات حياة الإنسان اليمني ، وذلك أثر بشكل مباشرفي حياة اليمنيين بمختلف شرائحهم الاجتماعية ، وخاصة ذوي الدخل المحدود والطبقات الاجتماعية التي لاتحميها القبيلة أو مراكز النفوذ. إن إشكالية الفساد في اليمن معقدة نتيجة شيوعها لدى العديد من فئات المجتمع وبالتالي لاتستند إلى بعد سياسي معين ، بمعنى أن ممارسي الفساد قد نجد منهم في الحزب الحاكم أو من المعارضة أو المستقلين ، كون الفساد يؤدي لمصلحة شخصية لمن يمارسه ، وبالتالي هناك طرفان الأول الموظف العام والثاني صاحب المصلحة ، ومن ثم لايشترط أن يكونا جميعاً أعضاء في الحزب الحاكم( المؤتمر الشعبي العام) ، لذلك نجد موظفين بمنتهى النزاهة يحتذى بهم وهم أعضاء في المؤتمر الشعبي العام ( وهؤلاء غالباً لا يُمكنوا من الإدارات الحيوية) ، وقد نجد موظفاً إنتهازياً ينتمي لحزب معارض ويشكل في نفس الوقت تحالفاً مع قوى الفساد التابعة للحزب الحاكم ، ويصبح فاسداً من الدرجة الأولى يصعب على شلة الفساد الحصول على نظير له في حزبهم ، ومن ثم هناك نماذج شهيرة من الفاسدين لا ينتمون إلى المؤتمرالشعبي العام بل أن قيادات مؤتمرية قد تحرص على بقاء هؤلاء خارج الكيان السياسي للحزب . ولكن قد يفهم البعض ما أشرنا اليه سابقاً على أنه تبرئة للمؤتمر الشعبي العام من ظاهرة الفساد ، وهو ما تررده قيادات المؤتمر في أكثر من مناسبة بقولهم في أحزاب المعارضة يوجد كبار الفاسدين ، نقول وبكل وضوح أن مسئولية مكافحة الفساد تقع وبشكل كامل على الحزب الحاكم ، لأن العديد من الأجهزة الضبطية من محاكم ونيابة وشرطة وجيش جميعها خاضعة لإدارة الحزب ، وبالتالي فالمسئولية الكلية للفساد المستشري يتحملها المؤتمر الشعبي لوحده ، لأن لديه من القوانين والنظم والإرادة الشعبية ما يعينه على تنظيف مؤسسات الدولة من ظاهرة الفساد ، ولكن الحقيقة المؤكدة للأسف أن قيادات عليا في الحزب الحاكم أصبحت حامية للفساد والمفسدين ، وذلك لايخفى على أحد فإن ذهبت إلى الخارج وجدت مئات الطلاب الفاشلين يشغلون أهم المقاعد الدراسية في الجامعات العالمية من بعثهم اليست وزارة التعليم العالي التي يديرها قيادات مؤتمرية من اعلاها إلى اسفلها ، وبالتالي إن حصل بعض أبناء قيادات المعارضة والنافذين من خارج المؤتمر الشعبي مثلاً ، فيتمحل وزر ذلك المؤتمر وليس غيره ، وإن دخلت سفاراتنا وجد المراهقين من أبناء الذوات طلاباً ويشغلون درجات دبلوماسية هامة ، من مكنهم من ذلك اليست قيادات مؤتمرية في الخارجية والتعليم العالي؟؟؟، وإن عدت إلى الدخل وجدت الجامعات وقد تحولت أقسامها العلمية إلى خلايا استخباراتية وغابت عنها الكفاءات العلمية ،وإن دخلت إلى أي مؤسسة حكومية وسئلت عن مؤهلات قياداتها العليا ، وجدت مؤهلهم الأول لشغل الوظيفة الإنتماء أو الولاء المخابراتي والثاني الإنتماء للحزب الحاكم ، وبالتالي مما يؤسف له أصبح الوطني الحر الذي لايريد أن يكون مخبراً ولامنافقاً سياسياً مستبعداً وإن كان عضواً مؤتمرياً ، والعكس من توفر فيه الشرط الأول وكان فاسداً معتبراً ، قرّب وفُضّل وإن كان من حزبٍ معارض. أخيراً يمكننا القول أن ظاهرة الفساد بمفهومها الشامل كانت السبب الأول لثورة الشباب مطلع فبراير2011م ، وسوف تكون هي السبب المباشر لسقوط الحزب الحاكم ، لأن الحزب الحاكم ومنذ سبعة أشهر لثورة الشباب لم يبادر لمعالجة أي من مظاهر الفساد ، بل أصبح الفساد أشد وطأة وتحول الفاسدون إلى نهب أصول بعض المؤسسات ، ولايوجد من يحاسب أو يراقب ، لأن أقطاب الحزب الحاكم تركز جل جهودها للحفاظ على الحكم ولو لأشهر أو لأيام أو ساعات ،بينما بقاء الدولة بمكوناتها المادية والمعنوية تلك فضية أخرى ، لذا نجد غالبية أجهزة الدولة التنفيذية معطلة ، ولا تجد من يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، بل العكس من ذلك يجد بعض الفاسدين ومعدومي الضمير أن الوضع غير المستقر فرصة لسلب ونهب مقدرات الدولة ، وكأن اليمن لن تبقى إلى الغد . إن ذلك الوضع يضع القيادات الوطنية في المؤتمر الشعبي أمام خيار تأريخي بالغ الأهمية وسكوتهم يعين الفاسدين على فسادهم وغيهم ويشجعهم على مغامرة الحسم العسكري ، كما أن البلد ينهار كل يوم والمسئولية يتحملها الحزب الحاكم بكل مكوناته ، وأننا على ثقة كبيرة أن المؤتمر الشعبي يحوي نخبة من الشرفاء الإحرار وهم من ندعوهم إلى الإنحياز للوطن من إجل إنقاذ ما يمن إنقاذه ، فالوطن اليوم في أمس الحاجة إلى أبناءه الشرفاء ، لأن الشريحة الواسعة من أبناء الشعب زادت معاناتها ، والاقتصاد قادم على إنهيار وشيك ، ودور الدولة المجتمعي أصبح يتقلص من يوم إلى آخر ، ودفع البلد في اتجاه الصراع المسلح أصبح قاب قوسين أو أدنى ، والحرب إن اشتعلت لاسمح الله ، سيصبح وقودها وضحاياها أبناء الشعب اليمني دون تمييز ، فأدوات الحرب لاتبحث عن بطائق حزبية ولا مناطقية ولا تستاذن الضحية ، وما حدث في حرب الحصبة التي خسر فيها المتحاربين أقل من المدنيين العزل دليل على مخاطر الحرب وأهوالها، نرجوه تعالى أن يحفظ اليمن من كل مكروه ، إنه على ما يشاء قدير.