رغم المعوقات التي يتم تصنيعها في واقع مرتبك ومنفعل إلا ان الحراك الكلي يسير باتجاه التغيير قد تبدو الأمور مرتبكة وقلقة لكنها تخط مسيرها بالاتجاهات التي لا محالة ستحقق الأهداف والامر بحاجة الى استيعاب الواقع لا القفز عليه بحرق مراحل قد لا تحرق وقد يؤدي حرقها إلى الفشل والاحباط.. التاريخ يصنع كل يوم رغم الضباب الكاتم لصوت الحرية والذي تنتجه قوى الماضي باسم المستقبل لخنق المستقبل .. مسارات الفعل الثورة تتخلق وفق سلسلة من التفاعلات التي تنتجها البيئة اليمنية وهو في الوقت ذاته مرتهن لها لكنه ينسج الأمل كل يوم رغم المعوقات والعقول المفخخة وأوهام التمرد التصفوي لتعميم الإرادة باسم الشعب. وقد تبدو الحركة الجماهيرية بتشكيلاتها المتنوعة في الساحات وخارجها مختلطة بالمدنس وبالاخطاء الماضوية بكل صوره إلا أن الواقع يتفاعل باستمرار خارج إرادة المتنازعين ويبحث عن ولادة جديدة لتجاوز ثقل التاريخ الكابح للتجاوز. ولادة التغيير عسيرة والقوة الناعمة هي القوة المفترض ان تحمي نفسها من الإغراق في منتجات العقل التقليدي الذي يولده عقل القبيلة ونزعات الاصوليات بشتى انواعها حتى تتمكن القوى الجديدة من الوصول الى فجر الحرية القادم. أن تفكيك بنية الماضي لا تصنع بفورة عاطفية غارقة في شعار ولن يغادرنا وحش الاستبداد ووتكشف حجب اعداء الحرية بعقل القطيع. كما ان نضال التغيير لتحريك بنية الواقع وتغيير الوعي المسيطر عمل طويل وشاق وروافده تنمو كل يوم في تشعبات واقعية مقلقة والامر طبيعي لان المسيرة في بيئة مظلمة إشكالية عويصة وهذه المعوقات التي تتعاظم لن تحاصر النور أنه يتفتق بروية وسكينة وسط الفوضى. لاحظوا أن الحلم ينمو في براثن النقائض ومن ركام الفوضى سيتولد مسار الحرية. المهم في الامر العقلنة في صناعة الفعل وتفكيك البنية الصلدة والجامدة لتراكمات الصراعات التاريخية وفك طلاسم تركيبة القوة الحالية وحذقها المسكون بالخداع والتدليس حتى تتمكن القوة الناعمة من فرض مجدها بلا حواجز وحتى تتمكن الطاقة الحيوية للفعل الثوري من تحديد معالم الحركة وطبيعة المشروع والمستقبل الذي يريد. ربما انسدادات الفعل لا يمكن حلها بحماسة متقدة وانما بالمراهنة على رزانة التحرك في الواقع كما هو دون الرضوخ له ولا تحويله الى خنجر قاتل للتحولات بل التعامل معه بواقعية نافية للاحباط وبما يحدث فيه نقلات لفتح اجواء ليتنفس النور ويكون قابل للحياة والتراكم وحده قد يحتاج الى وقت للوصول الى الكتلة الحرجة الكفيلة باحداث التغيير الجذري والشامل. وربما الفعل الثوري محاصر بالتناقضات وغياب الارادة الجمعية بفعل تداخل الماضي وفساده بالطهر المقدس وهذا الوضع قد يحتاج الى تفكيك معضلة الواقع بالتوافق وجر القوى المتنازعة الى خيار انجاز فعل سياسي حتى نغادر وضعية التفجر العنيف. وعلينا ان ندرك أن الفعل السياسي وبلغة السياسة العقلانية ليس نهاية المشوار ولا نقيض للفعل الثوري بل تكتيك ضرورة لابد منه وربما بداياته الاولى المنجزة للتغيير، المهم أن يكون فعل السياسة مدخلا إيجابيا لنقلة تسهل الحركة القادمة وتمكن القوى الجديدة من تجاوز قسوة النزاع الحالي وتهور الثأر الغارق في دنس التضحية بالارض والانسان. أنها مسيرة طويلة تتهادى في منحدرات خطيرة لكنها ستستمر وما لم ينجز في مرحلة الاختلاط المربك سينجز لاحقا بنقاء وطهارة وقداسة الحرية وعاشقيها المخلصين. أنه التاريخ فمن فورة عاطفية متقدة بالحماس سوف تبنى بنية تحتية لثورة تتفاعل مع الوقت لتصبح اعم واشمل. الروح الحرة مجد ينمو بقلق في حلم غارق في نقائضه فلتدع التيه المتملك للحلم حتى لا تغرق حركتها في قلق مرتبك فالتفاؤل والتحفز ضروري لتنقية مسار الفعل. لتكن القوى الجديدة منحازة للحرية وملتزمة بالعقل وقوانينه ولتبعث في حركتها روح الارادة الجمعية مع الشعب باخلاص ونقاء وطهر سريرة حتى تتمكن من خلق حركة قادرة على الانجاز، وحتى تكون قادرة على التفحص والاستقصاء وفك الطلاسم ورسم معالم واقعية للفعل الثوري، وحتى تتمكن من التحرر من عقل القطيع والرغبة الواهمة التائهة في فضاء طوبى خيالية، ومن المفترض ان تقود معركتها بحيوية واقعية منحازة للفرد وهذا قد يتطلب مواجهة وتحدي القداسة الزائفة، وكل ذلك من ضرورات جعل المسار الثوري معقلن ومنفعل مع طوبى المشروع الواقعي، الطاقة الحيوية للقوى الجديدة لابد ان تكون قادرة على تخليق طوبى المستقبل بدون تهور حتى يكون التفاعل عاصفة لتحرير الانكسار المتخبط بعقل القطيع. في الراهن وحدها السياسية بإمكانها إخضاع الإخفاق الذي يمتص إمكانيات التحول بحيث يتحول فعل السياسة الى نور متسامي لتبصير قافلة الحرية في طريقها الطويل، والواقع يؤكد أن تحريك فاعلية دور القوى السياسية سيمكن القوى الجديدة من نحت أشواقها بنضال أنساني حر تصنعه إرادة جمعية غائبة في ظل النزاع والانقسام الغير طبيعي، وهذا سوف يسهل لها في الفترة الانتقالية وما بعدها من رسم طموحات عصر جديد والصبر مفتاح الفرج. لا يمكن أن ينجز في بلد كاليمن الفعل الثوري كما تريده القوى الجديدة إلا بالنحت المستمر واللعب بذكاء قادر على تجاوز دهاء الوعي العشائري المتفشي في أرجاء البلاد!