في بيان صادر عن البيت الأبيض في الخامس والعشرين من الشهر الماضي قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن اليمن "يمتلك إمكانية العمل كنموذج لكيف يمكن أن تحدث عمليات الانتقال السلمي" للسلطة وإلى "الديمقراطية"، واعتبر مؤتمر "أصدقاء سوريا" الذي استضافته تونس مؤخرا أن هذا النموذج يصلح لحل الأزمة السورية "على الطريقة اليمنية"، وأيد برهان غليون رئيس مجلس المعارضة السورية في الخارج فكرة تطبيق هذا النموذج على الوضع في سوريا. وفي الثاني والعشرين من كانون الأول/ يناير الماضي اعتمدت جامعة الدول العربية "النموذج اليمني" أساسا لخطتها لحل سوري مماثل، تبنته الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وفشل كلاهما مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي اقترحته في تحويله إلى قرار لمجلس الأمن الدولي حتى الآن. إن الفشل في تطبيق "النموذج اليمني" على الحالة السورية قد لا يكون كافيا لإقناع أصحابه بفشله كنموذج يحتذى به عربيا، لكن نجاحه في تحقيق انتقال "سلمي" للسلطة اليمنية يخفي حقيقة فشله كنموذج في تحقيق الانتقال إلى "الديمقراطية" والتغيير والإصلاح في اليمن ذاتها، حيث تحول "الانتقال السلمي" للسلطة إلى "مرحلة انتقالية" تؤجل عمليا التغيير والإصلاح والديمقراطية لمدة سنتين، في الأقل، هي مدة الفترة الانتقالية. إن إصرار "شباب الثورة" على مواصلة "الثورة" خلال المرحلة الانتقالية يؤكد أيضا بأن "النموذج اليمني" قد "أجل" كذلك تحقيق أهداف الثورة اليمنية في التغيير والإصلاح. وهذه النتائج العملية الملموسة ل"النموذج اليمني" دليل واضح على أن الهدف منه هو الالتفاف على الضغط الشعبي من أجل "تغيير النظام" الحاكم، بتغيير عنوانه فحسب، وليس الهدف منه الديمقراطية أو التغيير أو الإصلاح، مما يذكر بأن هذا النموذج كان في الأصل اقتراحا لدول مجلس التعاون الخليجي، غير المعنية بالديمقراطية والتغيير والإصلاح، وهي استحقاقات ملحة أكثر مما هي في أي بلد عربي آخر لكنها مؤجلة إلى أجل غير مسمى، وغير المعنية بتغيير الأنظمة غير الديمقراطية بل بتغيير الأنظمة التي تتعارض سياساتها وعلاقاتها الخارجية مع تحالف هذه الدول مع الولاياتالمتحدةالأمريكية واستراتيجيتها الأمنية الإقليمية و"عملية السلام" التي ترعاها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطينالمحتلة، مما يفسر الدعم الأمريكي- الأوروبي ل"النموذج اليمني" الذي يتضح الآن أنه لم يكن يمنيا بينما لم يغير تطبيقه في اليمن سوى تغيير رأس الدولة، على الطريقة المصرية، حيث يجهد أصحاب "النموذج اليمني" من أجل تطبيقه في مصر أيضا للالتفاف على الحراك الشعبي وقطع الطريق على أي تغيير وإصلاح حقيقيين في مصر، مما يوضح بأن هذا النموذج قد تحول إلى نموذج للثورة المضادة يستبق أي تغيير ثوري فعلي من المؤكد أن أصحاب النموذج اليمني لن يسلموا منه. في الحادي والعشرين من الشهر الماضي كان لموقع "ستراتيجيك فوركاستينغ"، أو "ستراتفور"-- وهي من أبرز الشركات الاستخبارية الأمريكية وتسمى في الأوساط الأمريكية ب"الوجه المخصخص" لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي ايه"-- تقييم جاء فيه أن "اليمن يجرب الآن أي شيء إلا تغيير النظام" لأن "للولايات المتحدة والعربية السعودية تفاهما عاما متبادلا على أن محاولة تفكيك النظام ستخلق مشاكل أكثر مما يستحق الأمر... فلا الولاياتالمتحدة ولا العربية السعودية تريد أن تطلق انهيار دولة هشة اقتصاديا... لذلك تحتاج الولاياتالمتحدة إلى المبالغة في نجاحات الانتقال السياسي في اليمن". يوم الخميس الماضي نفى ديفيد إغناطيوس في الواشنطن بوست وجود "نموذج يمني يمكن نسخه بسهولة" لأن "كل قصة في الربيع العربي مختلفة" عن الأخرى، لكن أليس هذا هو بالضبط ما حاول ويحاول أصحاب هذا النموذج نسخه في سوريا ومصر وتونس؟
في مقابلة صحفية معه مؤخرا لخص مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، خصائص النموذج اليمني الذي يشرف على تنفيذه، ولا يمكن لأي مراقب أن يتفادى مقارنة هذه الخصائص بخصائص "النموذج اليمني" الذي يحاولون نسخه في سوريا. ففي اليمن، كما قال بن عمر، "هناك حوار مباشر بين الأطراف المتصارعة"، وفي سوريا يحرضون على عدم الحوار مباشرا كان أم غير مباشر. وفي اليمن دعا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014 إلى "تسوية سياسية" وطالب "جميع الأطراف بعدم استعمال العنف"، وفي سوريا يحرضون على التدخل العسكري الخارجي عربيا كان أم أجنبيا أم مشتركا وتحت مسميات شتى وبذرائع مختلفة، ويسلحون ويمولون ويوفرون الدعم اللوجستي للعنف ضد الدولة. وفي اليمن كان قرار مجلس الأمن الدولي "بالإجماع"، وفي سوريا لا يأبهون بأي إجماع دولي ويبحثون عن شرعية دولية موازية للأمم المتحدة وخارج إطارها لتسويغ تدخلهم فيها. وفي اليمن "أكدنا أن أصحاب القرار يجب أن يكونوا يمنيين"، وفي سوريا يحاولون دون كلل فرض "النموذج اليمني" أو "الليبي" أو "العراقي" أو غيره عليها بقرار "عربي" أو "دولي". وفي اليمن "كان هناك طرف دولي محايد مقبول من الطرفين"، ممثلا في الأممالمتحدة، وفي سوريا يحرمون دمشق من حقها في اختيار طرف دولي محايد تقبل به للتوسط، لا بل إنهم نجحوا في تحويل الجامعة العربية والأممالمتحدة المرشحتين للقيام بدور كهذا إلى طرفين في الصراع ضد سوريا. فهل حقا هو "النموذج اليمني" الذي يحاولون تطبيقه على الحالة السورية؟! وفي اليمن سوف يظل اليمنيون طوال سنتين- هي مدة الفترة الانتقالية- تحت وصاية الأممالمتحدة التي تشرف على تنفيذ "النموذج اليمني"، ومن التجربتين العراقية والليبية مع "إشراف الأممالمتحدة" لا يوجد ما يضمن أن تنتهي هذه الوصاية بنهاية العامين. وهي في الحالتين الليبية والعراقية وصاية غربية بقيادة أمريكية مدعومة من مجلس التعاون الخليجي تتستر بغطاء الأممالمتحدة. فهل هذا هو "النموذج" الذي يمكن أن يقبل به السوريون حقا؟! إن "النموذج اليمني" الذي يروج له الرئيس الأمريكي أوباما هو نموذج "نقل قسري" للسلطة مفروض من الخارج، حتى لو كان إخراجه "سلميا" و"ديمقراطيا"، لكنه بالتأكيد لم يكن نموذجا للتغيير والإصلاح، وإذا كانت الحكمة اليمنية اقتضت الانحناء أمام العاصفة، فإن الشعب العربي اليمني العريق في دفاعه عن حريته لن يستغرق وقتا طويلا قبل أن يمتلك سيادة قراره ليصنع نموذجه اليمني الوطني الذي يحقق أهداف حراكه الشعبي، فحرية القرار الوطني شرط مسبق لحرية المواطن، و"النموذج اليمني" الذي يجري التسويق له حاليا يفصل فصلا تعسفيا بين الحريتين. مؤخرا، في مقال له، كتب شادي حميد مدير الأبحاث في مركز معهد بروكينغز الأمريكي بالدوحة عن "نموذجين" عربيين للتغيير الديمقراطي، نموذج "إسقاط الرئيس في الجمهوريات" "تونس ومصر واليمن" ونموذج "الإصلاح الدستوري" في الملكيات العربية "المغرب والأردن". ولم يتطرق لا إلى النموذج الليبي الكارثي ولا إلى النموذج السوري الواعد الذي يجري التعتيم عليه ومحاولة وأده في المهد، وهو نموذج يعد بالإصلاح الدستوري وتغيير رأس الدولة معا، فلماذا يحلل لرأس دولة في الملكيات بأن يقوم بالإصلاح الدستوري دون أن يتغير ويحرم على رأس دولة جمهورية أن يقوم بالأمرين كليهما؟!.