قلت مرة للدكتور غازي الاغبري: أشعر بغياب القوة التأثيرية لمفهوم الردع عندما تعاقبون القضاة ووكلاء النيابة الذين يتجاوزون القانون ويسيئون إلى وظائفهم ولا تعلقون أسماءهم. رد وزير العدل بالقول: القانون نفسه يحول بيننا وبين إعلان الأسماء. * كلام الدكتور غازي فسّر ما كان يحتاج عندي إلى تفسير .. ولكن ..ما لهذه الطريقة أصبحت هي السائدة مع جميع المحكومين بعقوبات؛ أكانوا قضاة أم وكلاء نيابة أم حتى مواطنين يعملون في وظائف أخرى .. بل وأحياناً متهمون بقضايا إرهاب وتخريب وحرابة؟ * واضح أن وراء التستر على أسماء الكثيرين من المحكوم عليهم مراعاة ما يسمّى الاعتبار الاجتماعي؛ وهو اعتبار يؤدي مراعاته على هذا النحو -غير الموضوعي- إلى المزيد من الإساءة إلى هيبة الدولة. * لست قاضياً ولا مسؤولاً أمنياً ولكن كل الذين يشتغلون في أجهزة القضاء والأمن والنيابة وحتى الدهماء يعرفون أن إشهار اسم شخص محكوم عليه في قضية حرابة أو فساد مالي أو إرهاب أو أية جريمة أخرى هو ردع لجميع الذين قد تساورهم الرغبة في أن يسلكوا طريق الإجرام والإضرار بسكينة المجتمع وموارده وحقه في العيش تحت مظلّة قوانين نافذة تطبق على الجميع. * إن إشهار اسم مدانٍ في قضية هو أكبر ردع من حبسه أو تغريمه، والأصل أن يكون في العقوبة ردع المجرم وإيصال رسالة قوية لكل من تدفعه النزعات لأن يرتكب الجرائم مستبسطاًً قوة القانون، ساخراً من تنفيذه، معتبراً أن الحبس في الأخير للرجال مادام بعيداً عن الوقوع في فخ الفضيحة أمام المجتمع. * لقد تعب الناس وأرهقت البلاد من مجرمين صاروا أصحاب سوابق في كل أشكال الإجرام، ومع كل خروج يعودون إلى المجتمع وكأنهم لم يصنعوا شيئاً، بينما الأجهزة لا تعلن الأسماء، وإن أشارت إلى تفاصيل جريمة وقضية رأي عام فعلى طريقة قيام المدعو "ألف" بسرقة وقتل المواطن "د" وزوجته "ميم" وما إلى ذلك من الأساليب السامجة التي يظهر فيها التقدير الأهوج لمشاعر المجرم وأسرته على حساب المجتمع وهيبة الدولة. * أمّا الأدهى والأكثر مرارة فهو أن يكون بيننا وجاهات اجتماعية ومشايخ يستقبلون المجرم ويحولون بينه وبين قانون مرتعش، ومنفذين له أكثر ارتعاشاً دونما اعتبار.. أن من يؤوي مجرماً ويدافع عنه إنما هو شريك له ويستحق العقوبة. * إلى هنا ويكفي إظهار ضعف الدولة بينما هي في الحقيقة دولة قوية إن أرادت شهادة الكثير من الوقائع والتحديات.