بعض القوى السياسية تظل محصورة في فكرها المنغلق والجامد الذي لايقبل التجديد، ولايؤمن بالتحديث ولايرى غيره في الوجود، ولايؤمن بحق الحياة لغيره، ومثل هذه القوى الجامدة لاتقبل الحوار ولاتريد للآخرين من قوى المجتمع التحاور والتشاور بقدر ما تريد الهلاك للجميع، ومن المؤسف أن بعضاً من الناس في هذه القوى التجهيلية يدرك حجم الخطأ الذي ترتكبه مثل هذه القوى، ورغم إدراكه لذلك وعواقبه وسوء منقلبه على الحياة الاجتماعية يصر على عدم قول الحقيقة ويكابر مكابرة شديدة ويجادل مجادلة عقيمة لاتفضي إلا إلى المزيد من الاختلاف وعدم القبول بالآخر. إن الوعي بأهمية الحوار قضية جوهرية في حياة الناس ولاينكر هذه الأهمية إلا من في رأسه وهم، لايقبله العقل، ولايتفق مع متطلبات الحياة الإنسانية ولاتقره الأديان السماوية ولا الأعراف الإنسانية، لأن الإنسان الطبيعي الذي خلقه الله في أحسن صورة ومنحه العقل فطري بطبعه، حواري بأصله، ميال إلى القبول بالآخر والتعايش معه على أساس أن التعاون والتبادل لمنافع الحياة ودرء المفاسد وجلب المصالح عملية حوارية تخلق التفاهم الذي يساهم في التواصل الإنساني. إن الغريب الذي نجده في المشهد السياسي اليمني هو حالة الإصرار غير الموضوعية التي تظهرها بعض القوى السياسية التي لاترى في الوجود غيرها ومادون ذلك لاوجود له، ولذلك ترفض الحوار وترى فيه بدعة تخلق القلق وتعزز الفوضى حسب منظور تلك القوى، بل وصل الأمر في اطروحات بعض الرموز التي تنطلق من عباءة تلك القوى إلى القول إن الحوار حالة عبثية لأن الحقيقة بيد أولئك دون سواهم، وهذا جهل بمفهوم الحياة. إن الحوار قيمة إنسانية حضارية وهو ضرورة من ضرورات الحياة، ولايقبل بغير ذلك إلا من لايؤمن بحق غيره في الحياة ولايقبل بالتعايش مع الغير، لأن مفهوم التعايش مع الغير يعني الحوار والتشاور والتعاون من أجل حياة تخلو من النزاع والاختلاف الذي يدمر الأرض ويهلك الحرث والنسل، والمجتمع اليمني حواري بطبعه ولن يقبل إلا بمنهج الحوار لأنه منهج رباني لابد له، بإذن الله.