ألقت المتغيرات السريعة التي تشهدها المنطقة العربية وهيمنة ثقافة الصورة ووسائل الاتصال الحديثة بظلالها على طباعة الكتاب العربي ونشره. فصناعة الكتاب العربي تعاني من مشكلات مزمنة ما يزيد من وطأة تداعيات الربيع العربي، ويؤدي بالتالي إلى انحسار النشر في عدد من البلدان العربية واقتصاره على موضوعات محددة، مثلما أكد مدير المبيعات في دار الشروق للنشر مصطفى الفرماوي. وقال الفرماوي إن وضع النشر اختلف كثيرا بعد ثورة 25 يناير وأصبح أقل من ذي قبل، مضيفا أن "التركيز أصبح خلال الفترات الماضية على بعض الكتب في مصر أو بعض الموضوعات التي تختص بالثورة أو بالإخوان لكن أقل بكثير" عما سبق. وأكد الفرماوي أن الانكماش الراهن في النشر أتى على حساب الازدهار الذي شهدته صناعة الكتاب في مصر خلال السنوات السابقة، مشيرا إلى أن "حركة النشر قبل الثورة كانت كبيرة بدليل أنه خلال السنوات الخمس الماضية تم تأسيس دور نشر جديدة يتراوح عددها بين عشرة و20 دار نشر، علاوة على أنه أصبح هناك ثقافة المكتبات". وأشار الفرماوي إلى أن الانترنت وظهور الكتب على شكل نسخ إلكترونية فضلا عن شبكات التواصل الاجتماعي أفادت الكتاب المطبوع أكثر مما أضرت به، حسب تعبيره. وأردف قائلا إنه "بقدر ما هناك قرصنة لبعض الكتب التي يتم تصويرها ثم تنزل على الإنترنت على شكل كتب PDF بدون حقوق، فإن ذلك يؤدي إلى رواج هذه الكتب". من جهة أخرى أشار مؤسس دار الجمل للنشر خالد المعالي إلى أن أهم المشكلات التي ترزح تحتها طباعة الكتاب العربي ونشره منذ نشأتها هي الناشر العربي نفسه، على حد تعبيره. وتابع أن "أغلب الناشرين العرب لا يفكرون بطريقة إيجابية، ليس هناك ناشرا يمكن أن يقدم كتبا أساسية ويغامر بالاصطدام بكل الحواجز الثقافية والاجتماعية والرقابية في العالم العربي". وقال المعالي إن الناشر ليس تاجرا يتقيد بقوانين السوق، كما أن "قضية العرض والطلب" لا وجود لها، مضيفا "نحن نقدم أشياء جديدة، نخترق عوالم، نزيح الغبار عن كنب قديمة، عن كتب حية لكنها تقريبا تركت جثثا تحت الغبار. جمهور القراء هو الضحية الأولى لجهل وجشع وتخلف عملية النشر كلها في البلدان العربية". وحدد المعالي عددا من أوجه الخلل في عمل الناشرين العرب منذ عصر النهضة، وقال إن "فترة النهضة اقتصرت على نشر كتب قليلة من التراث العربي، كتب مختارة وبقي انتشار الكتب الثقافية العربية على مجموعة مؤلفات الأغاني، تفسير الطبري، تاريخ الطبري إلى آخره". لكنه أضاف أن "هناك قوس قزح من الكتب العربية التي لم يهتم الناشر العربي بنشرها، وهناك الترجمة من اللغات الأخرى، نحن عادة لا نترجم على الأغلب من اللغة الأولى وإنما نترجم من لغة ثانية أو ثالثة. أيضا لا توجد لدينا فكرة ترجمة ونشر الأعمال الكاملة لمفكرين عالميين، نحن ننشر ترجمات مجتزأة". يبقى واقع النشر العربي بحاجة إلى خطط لدعم القدرات الذاتية لدور النشر والطباعة لتطوير أدائها والارتقاء بقدرتها على توفير الكتاب المفيد والمهم للقارئ العربي.