لكل كتاب قصة كانت وراء إقدام الكاتب على تأليفه، وللكتاب الذي بين أيدينا قصة سبقت تأليفه، فعندما فكر مؤلفه في توثيق سيرة حياة مناضل فلسطيني لعب دورا لا ينكر في نضال شعبه ضد الاحتلال رفض ذلك القائد أن يُكتب عنه حرف واحد وهو على قيد الحياة. لم يكن أمام المؤلف من بد والحالة هذه إلا أن ينصاع لطلب ذلك المناضل حتى إذا ما كتبت للأخير الشهادة انبرى هو ليسطر سيرة ذاك المناضل الذي طالما ظلت تفاصيل حياته لغزا استعصى فك طلاسمه على العدو والصديق معا، وما أن فرغ من تأليفه حتى هُرع به إلى قبر صاحبه وفاء بوعد كان قد قطعه له وهو حي. تلك هي بداية قصة كتاب "الجعبري.. عبقرية المقاومة والتحرير" لنائب القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أحمد الجعبري الذي التقاه الصحفي حمادة حمادة بعد إتمامه "صفقة وفاء الأحرار" وتحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل جندي إسرائيلي. بدأت قصة صاحبنا الصحفي مع الكتاب عندما ألح على الجعبري -قبل استشهاد الأخير- بالموافقة على الإدلاء بتفاصيل عن كيفية إدارته صفقة الأسرى لكي يطلع الناس عليها. غير أن الجعبري رفض، وعاد الصحفي يلح عليه مرة ثانية مستأذنا هذه المرة أن يسمح له بكتابة سيرة حياته، فجاء رد القائد الجعبري أن "بإمكانك الكتابة عن ذلك بعد أنال الشهادة"، فقال الصحفي وكيف لي أن أطلعك على ما كتبت؟ فرد الأخير "اجلبها إلى قبري". كان هذا آخر لقاء جمع الصحفي بالقائد الحمساوي الذي اغتالته قوات الاحتلال في الرابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012. وبعد استشهاده شعر الصحفي بأن لهذا الرجل دَينا في رقبته، فراح يسطر سيرته بين دفتي كتاب وما أن أتمه حتى ذهب به إلى قبر صديقه ووضعه عليه، وقال "يا أبا محمد، ها أنا قد وفيت بعهدي". ثم ترك الكتاب على مصطبة القبر، وقرأ الفاتحة على روحه وغادر باكيا. هدف الكتاب ويهدف الكاتب -من خلال توثيق سيرة القائد الفلسطيني الشهيد أحمد الجعبري- إلى منح الأجيال الفلسطينية فرصة التعرف على نموذج للقائد المناضل المتواضع والمبدع والناجح في كل المجالات والمتلمس لهموم شعبه ودائم البحث عن سبل للحد من معاناته في كافة الساحات والميادين. يقول الصحفي حمادة للجزيرة نت إن كتابة سيرة حياة الشهيد الجعبري ستكون فاتحة خير للولوج إلى عوالم الكثير من الشخصيات الفلسطينية المؤثرة التي كانت لها بصمة في التاريخ النضالي الفلسطيني ولكنها همّشت، ولم يتح بعد غيابها لأحد التعرف على ما كانت تحمله من قيم ومواقف مؤثرة تمثل نبراسا تهتدي به الأجيال الفلسطينية المتعاقبة في مواصلة مشوار النضال من أجل التحرر من ربقة الاحتلال. ويكتسب الكتاب أهميته كونه يسلط الضوء على جانب كبير من تفاصيل حياة الرجل وسيرته منذ طفولته مرورا بتجربته النضالية وما رافقها من وقائع وإنجازات، وانتهاء باستشهاده بأسلوب قصصي حقيقي على ألسنة من عايشوه أو عاشروه من ذوي القربى ورفاق الدرب والسلاح. ويسجل للكاتب حمادة إنجازه مهمة توثيق سيرة حياة الجعبري بتوفيق واقتدار، لأن توثيق سيرة قائد فلسطيني مطلوب من قوات الاحتلال الإسرائيلي تبقى محفوفة بالصعوبات، لما تتسم به حياة مثل هؤلاء القادة من تعقيدات أمنية وخفايا وأسرار تبقى تلازمهم قبل وبعد استشهادهم. رئيس وزراء الحكومة المقالة بغزة تجربة قائد ويختصر الكتاب بين دفتيه جانبا من تجربة قائد فلسطيني أعدها كاتب عايش ظروف صاحبها، وخاض في سبيل تسطيرها كل التعقيدات والمعوقات التي زادته توقا إلى إتمامه. وقسم الصحافي حمادة كتابه المكون من 350 صفحة إلى ستة فصول: فصل النشأة، والشخصية الدعوية والإصلاحية، وسنوات النضال، وصفقة شاليط، والمحررون والحج، ثم الشهادة. ويتضمن الكتاب مفاصل ونقاطا وأحداثا تنشر لأول مرة، كما يتعرض بإسهاب لقضايا مهمة تتعلق بدوره الإنساني والاجتماعي والخيري على صعيد الإصلاح بين الناس ومساعدة الفقراء. كما يتناول جانبا من حياة الرجل المتعلق منها بدوره الجهادي والعسكري والسياسي، خاصة ما يتصل بإخفاء الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وإدارة ملف تحرير الأسرى والمفاوضات الماراثونية التي جرت حول هذه القضية واللحظات الأخيرة لتسليم شاليط واستلام الأسرى المحررين، والتي أدار فصولها الجعبري بكل عبقرية واقتدار. ويفرد الكتاب كذلك مساحة للحديث عن دور الجعبري في تأسيس كتائب القسام وتطويرها من حيث العدة والعتاد، وتأثيره ودوره الكبير في ذلك، وشخصيته الملهمة للمجاهدين والمقاومين.