أولا النص: للشاعر : سامي أنيس الكثيري مستحيل أنساك.. مستحيل أنساك لو حتى دقيقه وأنت في فكري حقيقه رغم كل ما صار ما بينك وبيني عاد لك تذكار في قلبي وعيني ما تغيّره الظنون لا ولا جور الشجون وإن تمادى بي جفاك عادني مازلت أتنسّم هواك مستحيل أنساك كيف أصدّق إن حبك كان كذبه وإن قلبك حضن غيري؟ كيف أتصوّر وأفهم أنني قد كنت لعبه عشت في دنيتك أحلم كيف أتقبّل مصيري؟ ليه تنصّر في عداك؟ عادني مازلت أتنسّم هواك مستحيل أنساك أيش أنا با قول لو قلبي سألني عن وعودك؟؟ يا ترى معقول أكذب؟! لجل ما أظهر صدودك لجل تبقى صورتك أجمل و أحلى وأنت تبقى مثلما أنت أكمل وأغلى ماوصل حسنك ملاك عادني ما زلت أتنسّم هواك مستحيل أ ن س ا ك.. عدن 2009م. ثانيا: القراءة: بما لا يحرمني من لذة قراءة النص سأبقى عند حسن ظنه بي قريباً منه وأبقي معي رعشتي الداخلية التي استحكمت بي عند قراءته، وسأرغب عن الاستخدام المفرط للأدوات الموضوعية التقعيدية النقدية ، لاعتقادي مع هذا النص بالذات أني أسيء إليه من حيث أردت الإحسان، هذا جانب والآخر: إن القراءة لا تأمل أن تكون أكثر من تأمل أو تفاعل أو ربما حوار يحاول أن يوازي لذة النص ذاته. يتسم نص الشاعر سامي أنيس الكثيري بالتلقائية، وأعني بالتلقائية أن الكلمات تتسرب بيسر إلى دواخلنا دون أن تصطدم بأية معوقات قد تجهد الذهن أو الفكر في تذليلها وهو ما يجعل عملية التفاعل معها عملية جمالية ربما تشبه – مجازاً – عملية تخاطب الأرواح أي إن إعمال الفكر في تشريح النص وكلماته سيفسد جمالياته، ويخرجه من مجراه الطبيعي الذي يريده النص، بعد أن انطلق بتلقائية من فضاء المبدع ليصل إلينا بتلقائية، وهو ما فرض علينا أن نحاول الإمساك به بتلقائية موازية ربما تشكل الحاضنة الملائمة التي تحافظ على لذة النص وبساطته يبدو العنوان صادماً لفكر المتلقي ليس من تركيبه الجميل: "مستحيل أنساك" فالجملة تبدو مألوفة وطبيعية ناهيك عن ملمحها الغنائي وإيقاعها الرنان، ولكن تأتي هذه الارتباكات عند محاولة الربط بين ذلك العنوان وبين مضمون النص ككل ويبدو هذا التساؤل كثيرا إذا ربطنا بين العنوان "مستحيل أنساك" ولازمة المقطع: "ما زلت أتنسم هواك ، مستحيل أنساك" والمقطع الثاني من النص: " كيف أصدق/ إن حبك كان كذبه/ وإن قلبك/ حضن غيري؟/ كيف أتصور وأفهم/أنني/ قد كنت لعبه/ عشت في دنيتك أحلم/ كيف أتقبل مصيري؟/ ليه تنّصر في عداك؟/ عادني ما زلت أتنسّم هواك/ مستحيل أنساك" فما بين مستحيل أنساك (العنوان )، ومستحيل أنساك (الخاتمة) تنحصر كل المعطيات الموضوعية التي تتطلب النسيان أو حتى محاولته هذا طبعاً ما يفرضه الفكر على عالم العاطفة وبتلقائيته، ولكن النص لم يكتب أصلاً لكي يكون وثيقة أو رسالة إقناع أو حتى عتاب لأن التناقض واضح بين العنوان والمضمون ولكن يمكن القول إن النص لا يحمل أكثر من رسالة الفن فهي التي تجعل منه مرتبطا برابطة الألفة العاطفية إذ إن التصادم الظاهري في لغة النص جاءت على تلقائيتها من التصادم والتضارب والصراع في عالم النفس الإنسانية، فجاء النص تسجيلاً بمنظور الفن لتلك المشاعر المتضاربة في عمق المبدع وحينها تبدو تلك الصور الصادمة لطبيعة العلاقة الطبيعية بين المحب والمحبوب، وبالقدر الذي قد تمتلكه من وسائل الإقناع للمحب للانصراف عنه جاءت في النص وكأنها موجات في بحر متلاطم، موجات قوية ، هادرة ومميتة، لكنها جزء لا يتجزأ من عالم البحر الغامض والجميل وجزء لا يتجزأ من أركان جمالياته. من دواعي التلقائية وتجلياتها: ترك الأسئلة مفتوحة دون إجابة بما يجعل النص أشبه بالثغرات الفكرية فنرممها بعواطفنا عند القراءة وتكون الإجابات حاضرة بدافع المشاعر والأحاسيس لا بقوة العقل والمنطق، مثلاً: المقطع الأول: "مستحيل أنساك / لو حتى دقيقه/ وأنت في فكري/ حقيقه/ رغم كل ما صار/ ما بينك وبيني/ عاد لك تذكار/ في قلبي وعيني/ ما تغيّره الظنون/ لا ولا/ جور الشجون/ وإن تمادى بي جفاك/ عادني مازلت أتنسّم هواك/ مستحيل أنساك". وكذلك في المقطع الثالث: " أيش أنا با قول/ لو قلبي سألني/ عن وعودك؟؟/ يا ترى معقول/ أكذب؟!/ لجل ما أظهر/ صدودك ". وهي أسئلة قاسية نوعاً ما بواقعها الصادم بحقيقة العلاقة التي وصل إليها الطرفان في واقعهم ولذا تتدخل الذات لتبين أن النفس أصرت على أن الصورة الحقة أو الكاملة لازالت صامدة أمام تحديات الخيانة في تجسيد لتقديس الصورة المثالية للحبيب الكامل " لجل تبقى صورتك/ أجمل و أحلى/ وأنت تبقى مثلما أنت/ أكمل وأغلى/ ما وصل حسنك ملاك". ويرتبط كل ذلك بخاتمة النص التي تسد علينا كل احتمالات الفرقة أو التمزق بين الطرفين ولكن لنعلم أن هذا الترابط إنما هو ترابط داخلي في العالم الموازي المبني في عالم الذات فقد حسم الصراع الظاهري لتنتصر الذات لهيكلها المثالي فيأتي القرار باستحالة النسيان . أخيراً يمكن التأمل في ملمح يعمق تلقائية النص ويجعله ينطلق بقوة في أغوار النفس بفعل الجرس الموسيقي العذب للكلمات وتناغمها بما يرشحه ليكون قطعة مغناة تصل إلينا مصحوبة بما يوائمها من الألحان التي ربما تكون قد رسمت في تفاصيل الحروف والجمل والمقاطع؛ إذ مع قراءة النص تنطلق تلك القراءة بمشاركة إحساس داخلي يوحي أن هناك ألحان خفية تشعرك بلذة الاستماع في ثنايا القراءة. تلك هي مؤهلات في نظري استطاع بها النص أن يحقق نجاحا فنيا من فشل الترابط في العلاقات المنطقية والفكرية ان يبني قوته الجمالية ومن تهدم القواعد المثالية السطحية التي تتشكل من أطلالها أسس مثالية جديدة عمادها النفس الإنسانية بكل غموضها ووضوحها وبكل قوتها وضعفها. * باحث دكتوراة بكلية الآداب – جامعة القاهرة.