الأدلة الجنائية من أهم الإدارات وذلك لما تقوم به من مباشرة القضايا المحالة إليها من جهات التحقيق المختلفة ، وهي إحدى الركائز العلمية التي وجدت لمواجهة الجريمة وخدمة العدالة بفضل ماتحتويه من تخصصات علمية مختلفة ، فهي تقوم بمهام متعددة متعلقة بمساعدة الجهات الأمنية في كشف غموض الجرائم وحالات التزوير والتزييف ، بما يحقق خدمة العدالة والقضاء . وبما أن دور الأدلة الجنائية يتلخص في استخدام العلوم لتقديم الرأي الفني في مايخص الأدلة والقرائن المصاحبة للقضايا المختلفة لهذا فان الحكمة تستدعي أن نبعدها من أي تدخلات تتعلق بالتحقيق أو البحث أو التحري وأن تبقى جهة فنية لا علاقة لها بعمل وزارة الداخلية . وزارة الداخلية يفترض فيها أن تراقب وتحقق وتقدم القضية للقضاء ، وبعد ذلك يفترض أن هناك جهة أخرى يستعين بها القضاء لإثبات ما اذا كان الكلام صح أم لا وهي هنا الأدلة الجنائية ، وبالتالي اذا كانوا جميعا، أي أجهزة التحقيق والضبط والأدلة تحت سقف واحد ضاعت حقوق المتهم والمجني عليه ، يعني لايجوز أن يكون من يقدم الأدلة ومن يثبتها في جهة واحدة . ولأجل هذا يجب أن تكون الأدلة الجنائية تابعة لوزارة العدل لأنها تعد جناحا من أجنحة القضاء ، إذ تتم الاستعانة بها في القضايا التي تحتاج للخبرات الفنية في القضايا الجنائية والقضايا العادية لذا فإن عملها الأساسي مرتبط بالقضاء ولابد أن تكون تحت سلطة القضاء ، أي لاتخضع لإشراف الجهة التي أحالت لها الأمر . فنقل تبعية الأدلة إلى وزارة العدل يوفر اكبر قدر من الحياد والنزاهة لإدارة يسهم عملها في حسم الجدل والخلاف المصاحب لكثير من القضايا الحساسة ، حتى لاتكون وزارة الداخلية خصما وحكما في وقت واحد بينما يوفر تبعية الأدلة للعدل التي تتمتع بالحياد ولا توجد لها مصلحه للتأثير في سير الدعاوي القضائية قدراً اكبر من الأمان للمتقاضيين . إنني لا اطعن في نزاهة وزارة الداخلية او احملها أي قصور ولكنني أتحدث من منطلقات مهنية بحتة . فمن حيث الأفضلية وكذا من باب درء الشبهات أرى أن نقل الأدلة للعدل سيوفر الحماية لمن يتعاملون مع هذه الإدارة وكذا سيوفر الحماية لوزارة الداخلية نفسها ، فهو يحميها من التشكيك بالاتهام بالعبث بالأدلة وتغيير الحقائق وأيضا يبعدها من الشبهات ويبعد موظفي الأدلة عن القيل والقال ، أي حماية لهم ، فاستقلالها يحميها وخصوصا اذا كانت هناك قضية تتعلق باتهام مسئولين كبار في الدولة أو مسؤولين في وزارة الداخلية . وفي بعض الأحيان يأمر احد كبار القادة العسكريين أحدا الأفراد أو الضباط الخاضعين له بمخالفة القانون فيضطر هؤلاء بتنفيذ الأمر خوفا أو تقربا أو بحسن نية وهذا أمر خطير فعمل الأدلة يدين شخص ويبرئ شخص أخر . تطرقي لهذا الموضوع سيكون ثقيلا على قيادة وزارة الداخلية كون الأدلة الجنائية تتبع الداخلية منذ زمن طويل وبالتالي فالإدارة باتت جزءاً لا يتجزأ من اجهزتها ، ولن يكون من السهل اتخاذ قرار بنقلها إلى وزارة العدل ، فوزير الداخلية عندما يريد شيء من الأدلة يخاطبها مباشرة بينما اذا تم نقلها سيكون مضطرا لمخاطبتها عبر وزارة أخرى وسيحدث التعقيد .. فمثلا قضية جريمة القتل حاليا عندما يتم وقوعها يبدأ العمل معها من قسم الشرطة الذي يبلغ الأدلة الجنائية أما أذا نقلت للعدل فسوف يخاطب جهاز قضائي ، الداخلية ترى في هذا تعقيد ، ولكن النقل يخدم التقاضي . لهذا من المفترض علينا ونحن مشمرين سواعدنا لبناء يمن جديد خالي من السلبيات وتغليب المصالح الخاصة أن نلتفت إلى اصلاح مؤسساتنا ومرافقنا وان نتبع الأحسن في البناء والتطوير وان نستفيد من خبرات من سبقونا وقبل هذا وذاك ان نطمئن المواطنين بأننا جادين في التغيير وتغليب مصلحة الوطن وان نجد السبل الكفيلة بخدمة الوطن والمواطن واستقرار أمنه . لذلك انا ادعو من هذا المنبر إلى التفكير الجدي في مناقشة هذا الموضوع كونه يمثل مصلحة وطنية عليا . والله الموفق *فني أدلة جنائية