لا أستطيع الصمت عما أراه في بلادنا من تهاونٍ وتساهل ولا مبالاة بكل شيء من أبسط الأمور إلى أعظمها فيما يتعلق بالأمور المادية أو المعنوية أو حتى تلك التي تتعلّق بالإنسان وقيمته وحقوقه , اليوم سأتحدث عن الأيدي العاملة اليمنية كموردٍ بشريٍّ هام وحيوي لأي دولة أو مؤسسة , سأتحدث عن تلك الشريحة التي يُعتمد عليها في تنفيذ الأعمال وإنجازها وهي شريحة ليست بسيطة في اليمن , وازدهار اليمن وتطوره يعود إليها إذا هُيِّئت لها الظروف المناسبة من إدارة قوية وتخطيط متقن إنها العمالة اليمنية. وبغض النظر عن توفِّر هذه الظروف من عدمه , تجد أن العامل اليمني في كثيرٍ من الأحيان يأبى إلا أن لا يتم عمله , يتفنّن في الأخذ بكل أسباب الإهمال والتساهل لينجز عمله بصورةٍ ناقصة غير متقنة , وكأنه يريد أن ينتهي ليأخذ راتبه أو نصيبه مقابل العمل بأي طريقةٍ وكيفما اتفق , فلا يهمه جودة العمل أو جماله أو كماله أو اتقانه . ولا أستطيع أن أتبيّن السبب وراء ذلك هل هو غياب الأمانة أم النية الغير صادقة أم الطمع في الأخذ دون تقديم المقابل أم هي العادة السيئة التي تجعلهم يقبلون بالأقل جودة والأسوء مهما كانت النتائج , حقيقةً لا ندري إلاّ إذا أجرينا بحوثاً خاصة في هذا المجال . ورغم أن العمالة اليمنية موجودة في اليمن والجميع يحتاج إليها , ولكنها دائماً غير قادرة على الوصول إلى درجة عالية من الاتقان وهذا ينسحب على كل من الطبيب والمهندس والموظّف والمهني البسيط أياً كان تخصصه يعمل بصورةٍ عشوائية وغير مسؤولة وكأن معظمهم فَقد كل معاني الإخلاص والأمانة والحب لهذه الأرض . وكما نعلم أن مثل هذا الإهمال قد تذهب فيه أرواحٌ برئية اعتمدت على ذلك الشخص فخانها في عمله مما أدى إلى وقوع أحداث كارثية , وفي أثناء عمله إذا نبّهته إلى خطإٍ ما , فإنه يُبدي عدم اكتراثه وقد يجيبك بأننا دائماً نفعل هكذا ويبدأ في مجادلتك واختلاق الأعذار الواهية التي تدلّك على لا مبالاته وكسله وخموله وازدرائه لقيمة الأشياء وحقوق الآخرين وأنه ينتظر حقه المادي وحسب!! ومما يحزّ في النفس ويدميها وجود العمالة اليمنية المنتشرة بكثرة في دول الخليج العربي , ومع ذلك فالناس هناك يفضِّلون الهندي أو أي جنسية آسيوية أخرى على نظيره اليمني , رغم ما يعانونه من الصعوبة عند الحديث معه إلا أنهم سيكونوا مطمئنين من ناحية حرصه على إنجاز العمل بأفضل صورة , إنها شعوب جعلت العمل وإتقانه شعاراً لها حتى تشقّ طريقها نحو حياةٍ مختلفة تليق بمكانتها كأمّةٍ عظيمة , لتتجاوز عقدة العالم النامي وترفرف أعلامها جنباً إلى جنب مع أعلام دول العالم الأول , فلا غرابة إذن أن نرى الهند وغيرها من القوى تظهر على الساحة العالمية اليوم. إن الإحسان هو أحد مراتب الدين بل أعلاها , والإحسان يعني أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك , ومعنى العبادة هنا يشمل كل أنواع العمل الصالح التي نؤجر عليها من صلاة وصوم وزراعة وصناعة وجميع الأعمال النافعة , أفلا نحرص كمسلمين إلى بلوغ هذه المرتبة العالية؟ أم أننا لا نحلم بها لنحصل على رضا الله وتوفيقه في الدارين! إن العمالة اليمنية تحتاج إلى مزيدٍ من الوعي والتدريب والاهتمام لتصل إلى مرحلةٍ متقدمة تخوِّلها للقيام بنهضة البلد في الداخل ورسم صورة مشرّفة لبلادنا في الخارج , وهذا ما يكن أن نسميه بتنمية الموارد البشرية على المستوى العلمي والمهني , أما على المستوى الاجتماعي فعلينا أن نعلِّي قيمه العمل المتقن ونترك جميع العادات الاجتماعية السيئة التي تعطّل إنجازاتنا وتقف حجر عثرة أمام تطوّرها , وفي الختام أقول كما قال عليه الصلاة والسلام : )إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).