بعيداً عن مناقشة تداعيات أزمة حادثة الان في البلاد وبعيدا عن الأحكام الانفرادية الانفعالية التي تتأثر بالحدث ونوعه .. البلاد تعرضت لهجوم مكثف الفترة الأخيرة لكنه كان محاطاً بالصمت.. الكثير من المتابعين بألم يبدون آرائهم ومخاوفهم في الفترة الأخيرة ويؤكدون انهم كانوا يتوقعون حدوث ذلك منذ زمن .. " كنا يا ابني منذ عقود خلت بعيدين جدا عن الأفكار التي تفرخ العداء للآخر .. كان الزيدي والشافعي وغيرهم " في امان الله" ، تربطنا عرى وثيقة من القرابة والنسب والتعامل .. يجمعنا المسجد لنصلي سواسية دون تذمر أو تفريق أو اوهام مما نشاهده الآن.." الكلام ما يزال للكهل الذي يناهز الثمانين .. والذي جمعتني به الصدفة في احدى وسائل المواصلات العامة في العاصمة صنعاء.. " فجأه سمعنا عن مخيمات استقطبت الشباب بشكل غريب .. جعلتهم يفرون من اسرهم ويلتحقون بها .. تباينت منهجيتها لتفصح عن القائمين عليها وممولينها.. فكثير من الشباب التحقوا بمعسكر " السلفية" في صعده وغيرها من مناطق اليمن .. وبحسرة وتأكيد يضيف " لم نكن في البلاد نسمع عن افكار ومنهجية " السلفية" المنغلقة وشكليات انغلاقها الواضحة التي تثير الامتعاض في الشارع من مختلف ابناء اليمن .. وبنفس الوتيرة نشأ تيار آخر مناهض للتيار السلفي نشأ في صعده واستقطب مثله مثل الاول الكثير من شباب المذهب الزيدي .. لنجد اننا رويدا رويداً قد غزتنا افكار هدامة وغريبة .. لم تأتي البتة من تقاليدنا أو اعرافنا أو حتى مذاهبنا. وبصراحة لا تخلو من الطيبة اضاف " لقد اصبحت اشمئز من سماع خطب لتلك التيارات الدخيلة سوى كان من يطلقها عائدون إلى مذهبي أو إلى المذهب الآخر .. فبنفس اشمئزازي من خطب السلفيون اشمئز من خطب من يسمون أنفسهم " تيار الاثناء عشرية " . " هذا دفعني إلى التفكير كثيرا قبل ان ادلف إلى مسجد لتأدية فريضة الصلاة .. حتى اتأكد من هوية امامه والقائمين عليه!" وبتنهيدة عميقة لرجل يبدو انه سيودع الحياة قريباً .. اضاف وعينيه الضعيفتين تتأمل في ملامحي بجهد اكبر " البركة فيكم انتم الشباب .. لا تنجروا وراء تلك الاقاويل ولا تنتموا إلى احد من هؤلا الدخلاء .. والله انها النهاية . " على الدولة والرئيس ان يتقوا الله فيكم .. فالسياب الحادث والفساد المسيطر على البلاد .. هو سبب كل هذا .. " المال السائب يعلم الناس السرقة" و انتم معرضون لسرقة هويتكم بسياب داخلي ومؤامرات خارجية. ويبدو ان الرجل الحكيم قد انساه الحديث معي محطته التي اراد النزول عندها .. فصرخ بالسائق " على جنب" وعرفت انه سيقطع الكثير من الامتار للعودة إلى محطته .. فطلبت منه السماح والمعذره .. قبل ان يربت على كتفي ويقول لي " لا عليك .. اصلحك الله". غادر الرجل .. وقد ترك في خاطري هواجس والآم لا تنتهي .. تمنيت لو كان الامر بيدي .. لأنهي كل هذه المهازل واقتلع كل " بذور الفتن" التي تتنامى يوم بعد يوم في بلادي .. لأجبر بخاطر هذا العجوز .. ولو بعد مماته !