أطفال خرجت عن طُور الاستقامة وتحولت إلى منحرفة لأسباب كثيرة ومتنوعة ، زمام جميعها بيد الأسرة وهي الوحيدة القادرة ضبط موازين الأبناء من خلاله..لكن حينما يتحول منزل الأسرة إلى ساحة معركة تدوي في سماه قنابل الأبوين والمشادات الكلامية ،يكسب ذلك الأبناء عدائية لا مألوفة ويتحولوا إلى مشردين نفسياً وخلقياً،يزيد في ذلك مصادرة حقوقهم وإحساسهم بإنهم مجرد آلات مبرمجة تتلقى الأوامر وتنفذها إضافة إلى معاملتهم بأنهم لا يفقهون شيئاً في كل ما يدور وإنما عليهم فقط أن يتعلموا من الحاكم المظفر "الابوين"التوجيهات والدروس والتعلم منها..كل ذلك وغيره يفقدهم الثقة بالنفس والإحساس بالظلم والديكتاتورية ليتحولوا إلى أطفال أحداث منحرفين وخصوصاً الأطفال كونهم يحضون في مجتمعنا اليمني بالاحتكاك بالشارع أكثر من الفتاة التي ما زالت تتعامل إلى قبل ساحة نشر هذا الحوار لدى غالبية الأسر بأنها عبء وعيب ...الخ معاناة أكثر وهموم أكثر تركن في المجتمع اليمني ونحن في غفلة وتغافل عنها كرس لها المركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل -عددا من دراساته فكان لنا هذا الحوار مع الأستاذة/ فاطمة مشهور- القائم بأعمال مدير المركز أوضحت من خلاله الكثير فإلى تفاصيل الحوار.. حاورها / معين قائد شباب الغد ما هي أسباب جنوح الأحداث؟ ** أن جنوح الأحداث ،تسول الأطفال،وتشردهم،وعمالتهم وأطفال الشوارع وغيرها هي ناتجة عن عدة عوامل داخلية وخارجية منها خصخصة الاقتصاد وانعكاس التغييرات الدولية على المجتمع اليمني والهجرة الداخلية إلى المدن والخلافات الأسرية وكبر حجم الأسرة وتفشي الأمية حيث بلغ معدلها في الريف "54.4%" وفي الحضر "25.8%" بشكل عام. والضعف الشديد لدى الأسرة على الوفاء بمطالب الأطفال الأساسية،لذلك استشعرنا بوجود مشكلة حقيقية وهي جنوح الأحداث أو الخارجين عن القانون،الأمر الذي دفعنا في المركز إلى دراستها دراسة جادة وتحليلها للوصول إلى الحلول والمعالجات اللازمة كون الأطفال والاهتمام بهم يمثل أهم مرتكزات التنمية الشاملة باعتبارهم رجال ونساء وهم شباب الغد وصناع المستقبل ولهذا اهتمت اليمن بقضايا الطفولة من خلال التوقيع على الكثير من الاتفاقيات الخاصة بهم وأهمها اتفاقية قانون حقوق الطفل ووقعت عليه عام 1991م برقم 45 لسنة 2002م متعلق بحقوق الطفل. ظاهرة الأحداث ظاهرة ذكورية إلى ماذا هدفت الدراسة أو تركّزت؟ ** تم محاولة التعرف على طبيعة الأفعال الانحرافية التي يقدم على ارتكابها أطفال الأحداث المنحرفون من كلا الجنسين في المجتمع اليمني،وهل هنالك اختلاف بين انحرافات أحداث الذكور عن الإناث كما حاولت أن تتعرف على خصائص الأحداث المنحرفين وأهم العوامل الاجتماعية والأسرية التي تؤدي إلى ذلك السلوك. كما حاولت أن تهدف إلى المساهمة في دراسة الأسرة في المجتمع اليمني ولم شتات الكثير مما قيل عنها والتعرف على دور السياسة الاجتماعية تجاه رعاية الأحداث المنحرفين والتعرف على الإطار القانوني الذي ينظم التعامل معهم وحماية حقوقهم. وهدفت الدراسة أيضاً إلى لفت أنظار المسئولين في الدولة كلاً بحسب اختصاصه لضرورة التركيز على وضعية الأسرة ومساندتها في ظل أجواء كهذه هي بحاجة ماسة إلى المساعدة أضف لذلك تقديمها الدعم المباشر وغير المباشر لغرض الارتقاء بواقعها من خلال رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والصحي الخاص بها لغرض حماية نفسها وأفرادها من التفكك والانحراف. وهذه الدراسة تعتبر بمثابة وصفة تحليلية اعتمدت في الأساس على منهج الوصف التحليلي ثم التحليل والتفسير وذلك عن طريق المسح الاجتماعي إضافة لذلك كان لابد من الاستعانة بالمنهج التاريخي والمقارن والإحصائي للتمكن من التعرف على موضوع الدراسة من جميع الجوانب. ومن خلال كل ما سبق تم التوصل إلى العديد من النتائج التي تبين من خلالها أن ظاهرة انحراف الأحداث في المجتمع اليمني هي ظاهرة ذكورية بالأساس حيث بلغت نسبة أحداث الذكور المنحرفين 75% بينما كانت نسبة الأحداث الإناث المنحرفات 25%. (أقاطعها) وماذا أيضاً بينت تلك النتائج؟ ** أوضحت النتائج أيضاً بأن هناك فئات عمرية تميل إلى ممارسة السلوك المنحرف وتتراوح أعمارها ما بين "15 – 18" الجنسين أعلى النسب يليها الفئة العمرية ما بين "11 – 14" سنة. وأتضح أن أعلى نسبة انحراف تبرز لدى الأحداث الذكور الذين لم يتجاوز مستواهم التعليمي المرحلة الابتدائية أي بنسبة 38.7% يليها الأحداث الذين هم في المرحلة الإعدادية بنسبة 28% ويأتي في المرحلة الثالثة الأحداث الذين لم يسبق لهم الدراسة "الأميون" بنسبة 18%. وبالمقابل بينة الدراسة أن أعلى نسبة انحراف للفتيات كانت تتموقع ضمن فئة الأحداث الأميات بنسبة 56% يليها الأحداث المنحرفات في المرحلة الابتدائية بنسبة 26% من مجموع عينة الأحداث الإناث وفي المرحلة الثالثة الإناث اللواتي بلغن المرحلة الإعدادية.. وأوضحت الدراسة ان 56.7% من الأحداث الذكور سبق لهم العمل مهنة أو أكثر من المهن البسيطة الهامشية يليهم الذين كانوا يواصلون تعليمهم "طلاب" عند ارتكابهم الفعل المنحرف بنسبة 30.7% أما العاطلون فقد بلغت نسبتهم على التوالي 9.3% - 3.3% وعلى العكس من ذلك تأتي الأحداث العاطلات في المرتبة الأولى أي بنسبة 52 % ثم تليهم الفتيات اللواتي سبق لهن العمل بنسبة 22%. وأبانت معطيات الدراسة بان المواطن الأصلي للأسرة ومكان الإقامة للأسرة بان نسبة 28.7% من الأحداث الذكور كان المواطن الأصلي قروي. وطرحت الدراسة بنتائج واستخلاصات ميدانية أشارت إلى أن الظروف الاجتماعية التي يعيشها الحدث من العينة المدروسة تبين أن نسبة الانحراف كانت 14% بسبب وفاة الأم و 22% وفاة الأب و4% وفاة الوالدين و2.7 هجرة الأب للأسرة. وهذه اعتبرت عوامل التفكك العائلي إضافة إلى الواقع التعليمي للمبحوث وأسرته والواقع الأسري. وأوضحت الدراسة أيضاً تدني المستوى التعليمي لآباء وأمهات العينة ينعكس سلباً على الوضع الاجتماعي الأسري وتوصلت الدراسة إلى أن أهم جنح الأطفال كانت كالتالي: السرقة- التشرد- الزنا-إيذاء عمدي خفيف-الاغتصاب-القتل-الهروب من المنزل.
العقاب بأشكاله المختلفة هل لنا أن نعرف أنماط السلوك العدواني داخل الأسرة؟ ** يُعد العنف الأسري أحد أنماط السلوك العدواني الذي ينتج عنه وجود علاقات قوية غير متكافئة في أطار نظام تقاسم العمل بين المرأة والرجل داخل الأسرة وما يترتب على ذلك من تحديد لإدوار ومكانة كل فرد من أفراد الأسرة وفقاً لما يمليه النظام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي السائد في البلد. وهناك الكثير من الدراسات العلمية والمسوح الميدانية التي تؤكد أن العنف الأسري في المجتمع العربي بشكل عام واليمني بشكل خاص يرتبط إلى حد كبير بمنظومة القيم الاجتماعية والثقافية التي تمنع أهالي الأطفال الحق في ممارسة العنف ضدهم انطلاقاً من السلطة والحقوق الأبوية وكثيراً ما يختلط العنف الأسري تجاه الطفل بمفهوم التأديب كوسيلة للحصول على طاعة الطفل بل أن الأسرة عادة ما تنظر إلى الأطفال بنظرة الملكية لهم وان عليهم أن يمثلوا لأوامرها امتثالاً مطلقاً دون الأخذ بعين الاعتبار شخوصهم وإمكاناتهم وحقوقهم الاجتماعية فهم قاصرون في نظر الكبار ومن حق هؤلاء أن يبحثوا عن حاجاتهم وحقوقهم الاجتماعية وإمكاناتهم باعتبارهم قاصرون من وجهة نظر الكبار ومن حق هؤلاء أن يبحثوا في حاجاتهم ومسائلهم وحتى مشكلاتهم من خلال وجهة نظرهم ككبار وبالتالي فان أي اعتراف للطفل وحتى المراهق على سلوك والديه أو من هم في حكم الكبار وأي رفض يجعلهم عرضة للإيذاء واستعمال القسوة لان في ذلك حسب وجهات نظرهم خروج عن العرف الأسري. وهذا بالفعل ما كشفت عنه دراسة يمنية حديثة حول العنف ضد الأطفال بشكل عام حيث أشار حوالي 88.2% من أطفال العينة إلى أن النمط الغالب في تعامل الأبوين معهم عند ارتكاب أي فعل أو خطأ وهو العقاب بأشكاله المختلفة. أما من يستخدمون الأساليب التربوية الصحية فهم قليلون جداً حيث وقد أشار هؤلاء إلى أن من أهم مسببات تعرضهم كأطفال للعقاب في البيت هو عدم طاعة أوامر الوالدين ،إهمال الواجبات المدرسية،التأخر في العودة إلى المنزل.. العنف يضعف من قدرات الأطفال برأيك ما هي أسباب ممارسة العنف ضد الأطفال في بيئة الأسرة؟ ** قبل أن أوضح أسباب ممارسة العنف ضد الأطفال في بيئة الأسرة أود أن أذكر بان الأطفال هم فلذات أكبادنا وهم زينة الحياة الدنيا،فلماذا نجعلهم عرضة للإيذاء والإساءة والإهمال.. أما عن الأسباب أو العوامل المباشرة وغير المباشرة للعنف الأسري ضد الأطفال فقد تبين من خلال الدراسات التي أجراها المركز أن تفكك وتصدع الأسرة أما بالطلاق أو الوفاة أو غياب أحد الأبوين "الأب أو الأم" والعراك الأسري المستمر يعتبر احد تلك الأسباب،وضعف الروابط الأسرية التي تنتج عن ذلك التفكك ولذا نجد أن العنف يجد الأسرة المفككة مرتعاً خصباً لنموه. أيضاً من تلك الأسباب الجو الأسري المشحون بالخصام والتناحر المستمرين بين الأب والأم وبين كبار الأسرة ككل وإضافة إلى فقدان التواصل والحوار بين الآباء والأبناء وعدم التفاعل معهم والاستماع إليهم حتى لو كانت قضاياهم من وجهة نظر آبائهم تافهة. أضف لذلك إلى أن ذلك يؤدي إلى انعكاس السلوك ألعنفي ضد الأطفال وهذا بذاته خطر بدءاً على حياتهم والمجتمع حيث تعتبر قراءات علمية أن العنف يضعف من قدرات الأطفال التعليمية والإنتاجية ويأتي بردود أفعال كثيرة منها اللجوء إلى التدمير وإثارة الشغب وعدم الشعور بالرضاء وعدم الامتثال ورفض النصح وعدم القدرة على التكيف في المواقف الاجتماعية والشعور بالإحباط والهروب من البيت واللجوء إلى الشارع الذي يضم أعظم عنف على الأطفال وغير ذلك من المخاطر التي يتعرض لها الطفل بسبب كل ذلك. تعميق ثقافة الحوار إذاً كيف يمكن إيقاف العنف الأسري والمجتمعي تجاه الأطفال؟ ** هناك العديد من المقترحات حول ذلك وهذا ما طرح في إحدى الدراسات التي نفذها المركز منها: أقامة برامج توعوية وتوجيهية للأسرة نحو إعادة النظر في أساليب التنشئة الاجتماعية التقليدية التي تقوم على القسوة والشدة بحجة ان الأطفال لا ينفع معهم إلا ذلك،وتبصير الأسرة بان الضرر الذي يلحق بالأطفال يعود عليها وعلى المجتمع بالسلب وحثها على استبدال ثقافة العنف بثقافة الحوار وتخفيف الضغوط الحياتية عن الأسرة من خلال تقديم الخدمات والمعونة اللازمة للأسر المحتاجة والتخفيف من حد البطالة بين أرباب الأسر والتأكد على أهمية القدوة الحسنة للطفل ابتداءًً من الأب فالأم فالمدارس والمربي، وان تزيد الدولة من الأنشطة الرياضية والترفيهية والاهتمام بالمتنفسات الطبيعية حتى ينطلق الآباء مع أبنائهم إلى هذه الأماكن كما ان على وسائل الإعلام ان تلعب دورا كبيراً في تعميق ثقافة الحوار بين الآباء والأبناء والإكثار من البرامج التربوية والثقافية التي تعزز من الروابط الأسرية وإسهامها في تكوين اتجاهات ايجابية نحو الأطفال والاهتمام بالدراسات والبحوث العلمية التي من شأنها أن تسهم في تحديد حجم المشكلات الأسرية والعنف في الأسرة.