العميد محمد راجح الصيادي – رحمه الله - احد الضباط القلائل الذين كان لهم الدور الأبرز في إن ترى ثورة سبتمبر اليمن الخلاص من براثن القوى الظلامية ، قدم كل ما أملاه عليه ضميره الوطني ووهب حياته فداء لمشروع الثورة فكان مناضلاً فذا جسوراً لم ترهبه المحن التي خيمت على حاضر الثورة ومستقبلها آنذاك ، يقولون ما تبقى من زملاء دربه النضالي عنه انه كان في المقدمة ، ويشهدون على شجاعته وإقدامه. هكذا كان محمد راجح الصيادي – الملازم اول آنذاك – والذي لا يحتاج إلى الكثير من الوصف ، فأقرانه وزملاؤه الوطنيون الشرفاء يحكون عنه ولا يكاد يذكر السبعين يوما في مجالسهم إلا وتناولوا سيرته ودوره ، ورغم ان الصيادي لم تغادر روحه الزكية الا في مطلع العام 2001م ، الا ان انصاف – كتاب التاريخ – قد افرغ من محتواه بعد ان تفرغوا لكتابة تأريخ " خلفي" لسبتمبر و ثواره و السبعين وأبطاله. ولد العميد محمد راجح الصيادي في عام 1945م و نال تعليمه الأساسي في مدينة تعز ثم التحق بالكلية الحربية عام 1963م ليتخرج حاصلاً على مرتبة الامتياز ، وقبل ان يكمل دراسته في الكلية كان قد التحق بكتائب الدفاع المستميت عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962. وتمثل الدور الأبرز للعميد محمد الصيادي في محنة السبعين يوما .. تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الثورة التي شهدت تكالبا على بقاءها حية بعد ان ولدت متعسرة وسعت قوى الامامة لقتلها في مهدها .. وكان ما كان في السبعين يوما من الحصار المحكم على صنعاء وعلى رموز الثورة . يقول العميد محمد راجح الصيادي في مذكرات له يحتفظ بها ابناءه .. ان السبعين يوما كانت الفجر الاكثر اشراقا للثورة اليمنية .. اذ ان تلك المرحلة شهدت محكاً حقيقيا لعزم وصلابة واصرار ضباطها وقادتها .. وما كانت لترى النور لولا مواقف الرجال وتضحياتهم .. من نقم إلى براش ، الجبلين الذين شهدا صلابة المواقف .. يروي رفقاء درب العميد الصيادي مواقفه و دوره وكلمته الشهيرة حين هم البعض بالاستسلام للحصار المحكم من قبل الملكيين والقبائل الموالية لهم .. لقد قال الصيادي لزملاءه في لحظات المحنة بعد ان شحت ونفذت المؤن .. لن ننزل من هنا إلا محمولين على الجنائز. وبعد ان تعززت وثائق الثورة وغرست جذورها الصلبة في عمق الوطن بتضحيات جسيمة قدمها رجالها .. تهافت المؤرخون على اسقاط اسماء روادها من ارشيف التاريخ ، و طفت على السطح اسماء ومسميات جديدة حاكت لها سيناريوهات البطولة .. لتعلن نفسها مستفردة بالمواقف والمشاهد. لم يكن العميد محمد الصيادي باحثا عن شهرة أو كسب ، كما انه لم يبحث عن نفسه في تلك الشواهد والدلائل .. يقول الصيادي : لإيماننا بمواقفنا ومبادئنا لم نحاول ومعي الكثير من زملاء النضال الذين سقطوا أو بقوا ان نبحث عن سمعة أو نزاحم في خضم اقتسام الغنائم بحثا عن نصيب .. يكفينا ان نرى زمناً مظلم قد ولى و مبدءً اخترناه وسرنا عليه قد تحقق. بكل تأكيد ما يزال الصيادي في ذاكرة الوطن وان لم ينال حقه في الكتب والوثائق التي حرفت مشاهد وشخصيات البطولة للثورة ، كما انه حاضرا في ذاكرة رفقاء دربه من الذين نالوا الإنصاف ام لم ينالوه .. لكن مسيرة حياة الصيادي الوطنية النظالية لم تنتهي عند ذلك .. اذ ظل في مختلف مراحل حياته مثالا للوطنية والشرف . مخضبا حياته بفواصل لا منتهية من النضال ، تقلد العديد من المناصب التي لم تكن انصافا له ، لعل أبرزها قيادته للكتائب اليمنية المشاركة في حرب لبنان 1980م .. حين التقت به مجلة الطليعة اللبنانية آنذاك لتملأ واجهة غلافها بصورته واضعة مانشيت عريض .. المقاتل اليمني على خطوط النار .. الرائد الصيادي .. جئنا لنثبت ان لدى العرب شي آخر غير بيانات الشجب والاستنكار. توفى العميد محمد راجح الصيادي في مطلع العام 2001م بعد رحلة حافلة بالنجاحات لم يسعفنا الوقت والمساحة هنا لتفصيلها .. وبعد فواصل من التهميش المتعمد والاجحاف الرسمي المادي والمعنوي ، لم يترك العميد محمد راجح الصيادي لابناءه ما يعينهم على مواجهة مطبات الحياة ولم ينالوا اي اهتمام بتاريخ والدهم يخلد اسمه أو انصافا يليق بمسيرته ، لكن ابناءه يقولون ان والدهم ترك فيهم ما هو اكبر من ذلك بكثير ..حب الوطن و الايمان العميق بكرامته وحريته .. والقناعة اللامتناهية بتلك المبادئ .. وان تنكر لها القائمون على الوطن ..