الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولا أحد في ذات الوقت معصوما من الخطأ، كلنا يجتهد، يصيب ويخطئ، والكمال لله وحده.. يدفعني الي ذكر تلك الحقائق البديهية، ما كتبه مؤخرا الكاتب الصحفي المحسوب علي الإخوان الزميل قطب العربي، حيث انتقد مؤخراً في مقال له الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل حول موقفه من الثورة والإخوان. ذكر قطب أنه يعتب علي هيكل تعمده عدم مشاركته في الثورة وعدم نزوله ميدان التحرير اسوة بآخرين كبار في السن مثله - هيكل 88 عاما أمد الله في عمره - كما عاب عليه انتقاده لخطبة الشيخ يوسف القرضاوي في جمعة النصر بميدان التحرير بعد خلع الرئيس مبارك، وقال ان «هيكل شبه القرضاوي بالخميني»، وهو تشبيه ليس بريئا، لانه «تسبب في إثارة مخاوف الغرب من الحضور الإسلامي في الثورة المصرية»، وفي موقف آخر، انتقد قطب الأستاذ هيكل أيضا لانه «دعا الي تسمية المشير رئيساً للجمهورية». لقد فوجئت بتلك الملاحظات والأحكام القاطعة من الزميل قطب للأستاذ هيكل، والمشكلة الأساسية هنا ان المقدمات الخاطئة تنتهي الي نتائج خاطئة أيضا، وأنا هنا لست في موقف الدفاع عن الأستاذ، فهو يستطيع الرد بأكثر من طريقة أو الصمت كما تعودنا منه أحيانا، ولكن لفت نظري ان قطب يؤكد ان الأستاذ «تباطأ عن عمد عن تأييد الثورة».. السؤال: كيف تحقق من ذلك؟ النوايا لا يعملها إلا الله.. ثم ان الأستاذ هيكل علي خلاف مع مبارك منذ سنوات بعيدة، وكلنا يذكر محاضرته في الجامعة الأمريكية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، التي انتقد فيها غياب الإصلاح وثبات الأشخاص في مواقعهم، زاد الطين بلة انه هاجم قانون حبس الصحفيين وقال في كلمة أرسلها الي نقابة الصحفيين ان «السلطة شاخت في مقاعدها» و«أنه حان وقت التغيير» ومن يومها ونظام مبارك وضعه في القائمة السوداء فمنعه من الكتابة في الصحافة المصرية - كان يكتب من حين إلي آخر - فاتجه الرجل إلي الجزيرة ليقدم فيها برنامجه «مع هيكل» مساء كل خميس. الواضح هنا ان هيكل كان يسعد جدا بالثورة وبغياب مبارك أو رحيله عن السلطة، فكيف يتعمد الغياب عن المشاركة في الثورة.. المؤكد ان هناك ظروفا او ارتباطات حالت دون ذلك، ربما لمرضه أو لسفره إلي الخارج. أما بالنسبة لتشبيه الأستاذ هيكل للقرضاوي بالخميني، فهو تشبيه رائع في محله تماما، وإذا كان قد حذر من هيمنة الإسلاميين علي الثورة، فتلك كانت مخاوف الكثير من التيارات السياسية وليس الأستاذ هيكل وحده.. نعم شارك الإسلاميون في الثورة وساهموا في نجاحها.. لكن من المؤكد انهم لم يشعلوا شرارة الثورة الأولي.. الذين اشعلوها هم الشباب أنفسهم- شباب الجامعات وحركة 6 أبريل و25 يناير وشباب الجبهة والوفد والإخوان وكفاية والجمعية المصرية للتغيير - ثم انضم إليهم الإسلاميون فقط.. وإذا كان هناك تخوف من الغرب ناحية الطابع الإسلامي للثورة.. فهذا التخوف موجود وقائم ومرصود عن طريق الفضائيات والصحفيين والجواسيس، وبالتالي كلام الأستاذ هيكل بمثابة تأكيد المؤكد وتعريف المعرف! لقد دعا الأستاذ هيكل الي تسمية المشير رئيسا للجمهورية.. وما العيب في ذلك؟ انه رأيه، وقال نفس الرأي تقريبا الكاتب والأديب جمال الغيطاني والدكتور أسامة الغزالي حرب منذ أيام قليلة، والهدف.. الحفاظ علي الثورة والقضاء علي الانفلات الأمني.. وإذا كان المشير ارتدي بذلة مدنية وتجول في وسط القاهرة، فهذا قراره وله حساباته، وربما يكون استشار الأستاذ هيكل أو عمل بنصيحته، ولكن لا علاقة لهذا بالتحقيقات مع نجله، فقد برأته أجهزة التحقيق.. المشكلة الكبري في بعض المنتمين للإخوان انهم لا يقبلون أي نقد تجاه كل ما هو إخواني، ويعتبرونه مساسا بالإسلام.. وهنا يحدث خلل الأوراق .. وتتعقد الحسابات. "الوفد"