تحدث المفاوض والقيادي الفلسطيني البارز أحمد قريع عن خيبة أمل كبيرة أصابته مع الدكتور صائب عريقات بعد الإستماع لنخبة من المسؤولين الأمريكيين، مؤكدا انه استمع لرسالة أمريكية واضحة وحاسمة تشير الى ان القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ومشروع الدولة الفلسطينية مسائل لم تعد في نطاق الأولويات بالنسبة للإدارة الأمريكية على الإطلاق. وعكس قريع وعريقات معا مشاعر الإحباط الشديد التي لحقت بهما إثر زيارتهما الإستكشافية الأخيرة للولايات المتحدةالأمريكية حيث عاد الرجلان معا إلى عمان مساء الثلاثاء في الطريق إلى رام ألله وسجلا الإنطباعات التي توصلا إليها في لقاءات خاصة جمعتهما بشخصيات سياسية أردنية وفلسطينية في عمان. ونقل مصدر أردني إستمع مباشرة لقريع عنه قوله بان الإدارة الأمريكية حددت له بوضوح وبدون لبس سلسلة أولويات السياسة الخارجية في هذه المرحلة ولم يكن بينها الملف الفلسطيني، وقال قريع ان أولويات الأمريكيين كما فهمناها هي العراق والملف الإيراني وأفغانستان بصورة حصرية، مضيفا: 'قيل لنا ان ملفاتكم لم تعد بين أولوياتنا وان عليكم ان تتدبروا انفسكم'. ويفترض ان يضع عريقات خلال ساعات تقريرا مفصلا عن الزيارة الفاشلة لمكتب الرئيس محمود عباس حيث زار مع قريع واشنطن مؤخرا في محاولة لإحياء إهتمامها بالقضية الفلسطينية، ونقل عن قريع قوله بان مسؤولين في واشنطن قالوا له بوضوح بأن الإدارة لم تعد معنية أبدا بالسلطة الفلسطينية ولا بمشاكلها ولا حتى بالصراع بين فتح وحماس او بالمفاوضات، كما تلقى قريع وعريقات نصيحة في وزارة الخارجية الأمريكية بان يتدبر الفلسطينيون أمرهم بالتعاون مع الدول العربية. وحسب تعليقات وشروحات قريع، رفض الأمريكيون تنشيط تنسيقهم من اجل عودة المفاوضات كما رفضوا التدخل بأي ضغط على ايهود اولمرت خوفا من المسارعة بإسقاطه وأشاروا الى ان إقامة دولة فلسطينية مسألة لم تعد ذات أولوية بالرغم مما يسمى ب'رؤية بوش'. وخلص قريع إلى القول بعدم وجود أي أمل في أي رهان على الإدارة الأمريكية دون ان يستبعد تقصدا أمريكيا بتجاهل الفلسطينيين لتثبيت وقائع تسبق سيناريو مجهول حتى الآن. واستمع قريع وعريقات إلى نصيحة أمريكية أخرى تطالبهما بتجنب الضغط على وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني لأنها لن تتجاوب أبدا في هذه المرحلة، حيث قال الأمريكيون ان ليفني تصعد وتترشح لاحتلال موقع أولمرت، وهي عموما بوضع لا يسمح لها حتى بتصريحات معتدلة عن السلام والمفاوضات لان اي عبارة خارج السياق الإسرائيلي الآن ستتسبب بخسارتها، ولذلك نصح الأمريكيون قريع بعدم المحاولة مع ليفني لإنها لن تتجاوب. وتقدم عريقات وقريع بملاحظات محبطة جدا عشية توقفهما في عمان عائدين من واشنطن في رحلة وصفها عريقات بأنها فشلت تماما في تحديد اي موقف أمريكي إيجابي، فيما يرى مراقبون فلسطينيون بان النتائج السيئة التي حصل عليها الرجلان من واشنطن ستساهم في تعميق ازمة الرئيس محمود عباس الذي يتعرض لضغوط عنيفة من داخل مؤسسات السلطة وكوادر حركة فتح تهدف لوقف الرهان على خيارات التفاوض. وتتخذ هذه الضغوط عدة اشكال وتقاطعات وعلى رأسها التباينات التي ظهرت مؤخرا في عمان بين برنامج عباس السلمي والتفاوضي وبين توجهات اللجان التحضيرية الموسعة لعقد المؤتمر الحركي. وتعتقد اوساط فلسطينية ان إحباطات عريقات وقريع ستعزز الموقف الضعيف للرئيس عباس خصوصا في مواجهة تمحورات بدأت تتشكل في اتجاهات معاكسة له داخل مؤسسات قرار أساسية في المعادلة الفلسطينية، مثل اللجنة المركزية لحركة فتح والتي ترفض الغالبية الساحقة والفاعلة في عضويتها موقف عباس المصر على عقد المؤتمر الحركي السادس لحركة فتح في مدينة رام الله او بيت لحم في الداخل الفلسطيني، خلافا لتوجهات المركزية ولجان التحضير المصرة على عقد المؤتمر في أسرع وقت وفي الخارج وحصريا في عمان او القاهرة. ويلاحظ عموما بان أسهم الرئيس عباس بدأت تنقص بسبب سلسلة الإحباطات الرسمية والسياسية والفتحاوية داخل مؤسسات حيوية كانت متحالفة معه او محايدة في صراعاته الداخلية مع أقطاب حركة فتح، وهو أمر إنعكس تماما خلال اليومين الماضيين على بوصلة وتوجهات وتوصيات ومقررات الإجتماعات التحضيرية للمؤتمر الحركي التي قاطعها عباس رغم وجوده بقربها في عمان لثلاثة أيام وانتهت بتوجهات متعاكسة او متعارضة مع مشاريع وتوجهات وأفكار الرئيس الفلسطيني. ومن الواضح مؤخرا ان الكتلة الأنشط والأفعل داخل هيئة اللجنة المركزية لحركة فتح والتي تضم شخصيات مؤثرة من بينها عباس زكي وهاني الحسن ونصر يوسف وحكم بلعاوي وأبو ماهر غنيم.. هذه الكتلة بدأت تتحرك لرسم مسافات تباين بين موقفها السياسي وموقف الرئيس عباس خصوصا في الإتجاه المعاكس للإصرار على رهانات تخص الإدارة الأمريكية او الحكومة الإسرائيلية او دول معسكر الإعتدال العربي. ولعب هذا النمط من التمحور دورا في إضعاف عباس في مواجهة خطوط ومذكرات ومواقف جماعية تدعوه للعودة للمقاومة وتجاهل الخيارات خصوصا بعدما أصبح تبني خط عباس مكلفا بالنسبة لحلفائه من أعضاء المركزية، فيما يعرف الجميع بان علاقاته بالرجل الثاني في حركة فتح فاروق القدومي متوترة علنا ودوما.