رغم ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والخارجية قبل أسابيع عن تقدم ملحوظ لقوات الجيش والقبائل المساندة لها في معارك محافظة أبين إلا أن التقدم المذكور لم يحقق ما كان منتظرا منه، فلاتزال مدينة زنجبار، عاصمة المحافظة، تحت سيطرة مقاتلي أنصار الشريعة منذ سقوطها قبل أشهر. صحيح بأن الحصار رُفع عن اللواء 25 ميكانيكي، بالإضافة إلى خروج المسلحين من ملعب الوحدة الرياضي، وصحيح بأن جماعة أنصار الشريعة خسرت بعض قادتها الميدانيين في تلك المعارك، وأن بعض مشايخ وأبناء القبائل انقلبوا على الجماعة، إلا أن أي جديد على مستوى السيطرة على الأرض لم يتم، في مدينة زنجبار وخارجها. فبالإضافة إلى التواجد القوي لمقاتلي الجماعة داخل المدينة، تعرض مسلحو القبائل المساندين للجيش لضربات جوية موجعة قالت السلطات اليمنية إنها حدثت عن طريق الخطأ، وقال معارضون إن الضربات كانت مقصودة لإعاقة تقدم القبائل كونه لا يصب في صالح استغلال النظام لهذا الملف. وقد أدت الضربة الجوية إلى قتل أكثر من ثلاثين مسلحا من أبناء القبائل في الأيام الماضية، الأمر الذي دفع البعض إلى الانسحاب من المعارك اعتراضا على ما حدث، وكان كثير من مسلحي القبائل، في وقت سابق، أعلنوا توقفهم عن مساندة الجيش اعتراضا على نسبة النظام النصر له. منافذ مقولة وبخصوص عرقلة النظام لتقدم قوات الجيش المؤيدة للثورة مع مسلحي القبائل، تناقلت كثير من وسائل الإعلام أخبارا تدين قائد المنطقة الجنوبية اللواء مهدي مقولة بذلك، ومن تلك الأخبار السماح لمقاتلين صوماليين من "حركة الشباب المجاهدين" بالدخول إلى أبين عبر منافذ بحرية تقع تحت مسئولية اللواء مقولة، بالإضافة إلى إغلاق الطرق المحلية التي تربط محافظة أبين بباقي المحافظات إلا من حركة مناصري أنصار الشريعة. لكن خبر قدوم مقاتلين صوماليين إلى اليمن يبدو بعيدا، فقبل الوصول إلى المنافذ البحرية اليمنية هناك تواجد لقوات أمريكية يستحيل، في ظل وجودها، أن يصل هؤلاء المقاتلون إلى اليمن، ويمكن أن يُقال مثل هذا في الخبر الذي تحدث عن حصول مقاتلي "الشباب المجاهدين" في الصومال على أسلحة من فرع تنظيم القاعدة في اليمن، وبحسب معلومات اطلعت عليها فإن هناك صعوبة بل استحالة لتبادل مقاتلين أو أسلحة عبر ممرات بحرية بين اليمن والصومال، ومن الطبيعي جدا أن تكون هناك مراقبة أمريكية شديدة عبر القطع البحرية الأمريكية المتواجدة هناك لكل التحركات في تلك المناطق، خصوصا وأنها مناطق مهمة جدا بالنسبة للأمريكيين. وتأكيدا لهذا نقلت صحيفة "الأولى" اليومية عن مراسلها في محافظة أبين أن اشتباكات دارت بين قوات البحرية الأمريكية وبين سفينة محملة بالأسلحة كانت متجهة إلى الصومال. ومع عدم وجود ما يجعل مثل هذه الأخبار التي تتحدث عن تسهيلات النظام للقاعدة، موثقة، إلا أن رغبة النظام في عدم حسم تلك المعارك تبدو واضحة، وقد تكون له أساليبه ووسائله في ذلك، وهو ما يشجع البعض على القول إن النظام يعمل على تسهيل وصول الدعم إلى مقاتلي أنصار الشريعة أو يجعل مهمة قوات الجيش والقبائل صعبة، بطرقه الخاصة كالضربات الجوية الخاطئة وغيرها. وعلى الرغم من أن ما يقوم به النظام قد يكون له دور كبير في إطالة ما يجري هناك، إلا أن استعداد أنصار الشريعة للمعركة كان كبيرا، حيث حشد التنظيم مناصريه من كل المناطق اليمنية التي يتواجدون فيها، وبالتالي سيكون إحراز أي تقدم صعبا وبتكلفة كبيرة. يضاف إلى هذا أن الحديث عن انقلاب بعض قبائل محافظة أبين على مسلحي أنصار الشريعة كان مبالغا فيه، لذلك جاءت النتائج على خلاف ما كان متوقعا ومثَّلت ما يشبه الصدمة للبعض. هذا إلى جانب أن طول أمد سيطرة مسلحي الجماعة على مدينة زنجبار سيساعدهم كثيرا على إحكام القبضة عليها وتجاوز الأخطاء التي أدت إلى سقوط عدد كبير من مقاتليها، كما يمكِّن المقاتلين المتواجدين خارج المحافظة من خلق خطوط إمداد لدعم المقاتلين في الداخل. وما يدلل على بطء أو عدم تقدم القوات الحكومية وقوات القبائل المساندة هو أن ضحايا التنظيم طوال فترة المواجهات سقطوا بقصف مدفعي وصاروخي أو بغارات جوية، يمنية وأمريكية، باستثناء الحديث عن 15 أسيرا من عناصر التنظيم تم القبض عليهم بواسطة أبناء القبائل في مديرية لودر، لكن لا يوجد ما يؤكد ذلك. معركة القاعدة ليستْ مع الجنود وبمناسبة الإشارة إلى القصف المدفعي يمكن هنا أن نوضح نقطة مهمة تتعلق بإعدام مقاتلي أنصار الشريعة لبعض الجنود وإطلاقهم سراح بعض حينما استولوا على ملعب الوحدة الرياضي، وتقول المعلومات التي حصلتُ عليها إن تحقيقا جرى مع الجنود الأسرى، فمن ثبت أنه كان على المدفعية أُعدم، ومن لم يثبت في حقه ذلك تم الإفراج عنه. والإفراج عن جنود أسرى، في حد ذاته، يشير إلى أن التنظيم لا يستهدف الجنود لكونهم جنودا في معسكرات تابعة للنظام، بل لأنهم يقاتلون ضده خدمةً كما يقول لأمريكا، وإن كان التعامل مع الجنود قد تغير بشكل كبير من بعد انعقاد مؤتمر لندن الأخير، ربما لأن اتفاقا تم يقضي بجعل التنظيم أحد أهداف الجيش أينما وجد، كما تشير إلى ذلك بعض إصداراتهم. ونشرت مواقع جهادية فيلما بعنوان "فتح زنجبار" مدته نصف ساعة، لكنه لم يصدر عن مؤسسة القاعدة الإعلامية الرسمية، ويعرض الفيلم جانبا من آثار المعارك التي دارت في مدينة زنجبار، وفي الفيلم يظهر مقاتلون من القاعدة وهم يطلقون سراح أسرى من الجنود بعد أن تعهد هؤلاء الجنود بأن لا يخوضوا معارك أخرى ضد التنظيم، وقد قوبل هذا التصرف بارتياح من بعض أبناء المنطقة الذي ظهروا وهم يثنون على المقاتلين. لن تنتهي المعارك بحسم عسكري وبالعودة إلى الحديث عن المواجهات الدائرة في مدينة زنجبار، لا يبدو أن بمقدور قوات الجيش المسنودة بقوات القبائل، وكذا الطيران الأمريكي واليمني، تحرير المدينة من سيطرة مسلحي أنصار الشريعة، حتى لو تمكن الجيش من الدخول إليها تحت غطاء جوي أو قصف مدفعي وصاروخي عنيف، لأن التنظيم سيكون قد استعد جيدا لتوقعٍ كهذا. ومن المتوقع أن مقاتلي أنصار الشريعة قد يضطرون، من تلقاء أنفسهم، إلى إنهاء سيطرتهم على مدينة زنجبار والعودة إلى الإستراتيجية القتالية السابقة التي يشبهها المسئول العسكري للتنظيم أبو هريرة الصنعاني بحرب المدن في بدايتها، إن بدا لهم أن استمرار السيطرة لن يخدمهم، كونه سيضعهم في مهمة المواجهة الدائمة التي قد يحسمها، في نهاية المطاف، فارق الإمكانات المادية، هذا بالإضافة إلى ضغوط وضع النازحين المأساوي عليهم، وربما يكون ما قد يحدث مشابها لما حدث في الصومال الأسبوع الماضي من قبل حركة "الشباب المجاهدين" حين انسحبت من بعض المناطق التي كانت تسيطر عليها وهددت بالعودة إلى حرب العصابات التي كانت تمارسها في السابق، خصوصا وأن مواقع جهادية تحدثت عن مقتل خمسين صليبيا حد تعبير هذه المواقع على أيدي مقاتلي الشباب بعد تغيير الإستراتيجية القتالية. وعلى ما يبدو لي، من خلال متابعتي لبعض اللقاءات والحوارات، فإن "أنصار الشريعة" في اليمن ربما حاولوا في البداية أن يتواجدوا بشكل ناعم في بعض المناطق بهذا الاسم الجديد، هربا من الاستهداف، ورغبة في التواجد الهادئ لكسب قاعدة جماهيرية حتى تحين الفرصة، لهذا خفتْ لهجتهم في مهاجمة الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن الأحداث الأخيرة فرضت عليهم الخروج من ذاك الشكل بهذا الشكل. وكان تنظيم القاعدة قد اضطُر في بداية الثورة اليمنية إلى أن يجمد نشاطه العملياتي، فالثورة بالنسبة له مكسب، كونها ستعيد سيادة البلد إلى الشعب، وهو ما يسعى التنظيم إليه من خلال محاربته للوجود الأمريكي في المنطقة، بدليل تأييد التنظيم، سواء على مستوى القيادة العامة أو فروعه المتواجدة في أكثر من بلد، لثورات الشعوب العربية ضد الأنظمة الحاكمة، لكن تصريحات بعض رموز المعارضة اليمنية بخصوص التعامل مع ملف الإرهاب بعد ذهاب نظام صالح، بالإضافة إلى توسع جماعة الحوثي في بعض المحافظات الشرقية، كما يرون، أخرج التنظيم في اليمن عن صمته، مع بقاء موقفه المؤيد للثورة الشبابية، كما تشير إليه كلمة أمير التنظيم في جزيرة العرب الأخيرة. وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن العجز عن التقدم حتى الآن في معارك أبين، رغم جدية المعارك التي يخوضها الجيش بمن يسانده، يجعلنا نراجع انطباعاتنا عن حجم وجود التنظيم في اليمن، وكذا عن حجم تلاعب النظام بهذا الملف، فالأمران مفهومان عندنا بالنقيض تماما. صحيح بأن النظام يستفيد من وجود التنظيم، وأن التنظيم يستفيد من وجود نظام يستفيد من وجوده، مع الفارق طبعا في نوعية الاستفادة، إلا أن الحديث عن صناعة أو عن إدارة، بالاستناد إلى مجرد استفادة أو استغلال، يقضي تماما على الحقيقة التي يجب أن يعرفها الناس. فالثقافة السائدة اليوم، لدى عامة الناس، وحتى لدى بعض النخب، هي أن التنظيم في اليمن صناعة رسمية، والبعض يذهب إلى أنه لا وجود حقيقي لتنظيم القاعدة على الأراضي اليمنية، وبهذه الثقافة يُعطى النظام دورا أكبر من دوره في التعامل مع هذا الملف، إلى درجة أن أحدهم ينفي صحة نسبة تسجيل صوتي لأمير "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" لا غبار عليه، ويدعي أن النظام فبركه. وبشكل عام تُعتبر هذه الأيام ذهبية بالنسبة للتنظيم، في اليمن وفي خارجه، بعد أن حقق إنجازات عدة كان آخرها إسقاط طائرة مروحية في أفغانستان وقتل 31 جنديا أمريكيا كانوا بداخلها ممن شاركوا في قتل الشيخ أسامة بن لادن قبل أشهر في باكستان، ولعل هذا يأتي كرد على من شككوا في قدرة التنظيم على الاستمرار بنفس النشاط بعد مقتل قائده، وكذا على من شككوا في قدرة الدكتور أيمن الظواهري على قيادة لتنظيم. خسائر التنظيم كعادته لا يتحفظ تنظيم القاعدة (أنصار الشريعة في أبين) على الخسائر التي يتكبدها في معاركه، وهو أمر يُحسب له، ويجعله أهم مصدر موثوق حينما يورد معلومات عن مواجهاته، سواء كانت لصالحه أو ضده، وفي المواجهات الأخيرة تحدث التنظيم عن خسارته لكثير من مقاتليه المهمين (بينهم قيادات ميدانية). فقد أوردت مجلة انسباير التابعة للتنظيم والناطقة بالانجليزية في عددها السادس عددا ممن قضوا في معارك أبين، ومن بينهم، عمار عبادة الوائلي، وأبو علي الحارثي، وحسن العقيلي، وعلي صالح فرحان، وسامي الدالي، وأبو هاشم الصنعاني، بالإضافة إلى خسائر أخرى لم يعلن عنها التنظيم بعد، والتي قد تظهر ضمن أية مناسبة إصدارية. أما الخسائر الكبيرة التي تحدثت عنها كثير من وسائل الإعلام، لاسيما الرسمية، فلا يوجد ما يؤكدها بتلك الأرقام التي أوردتها، خصوصا إذا كان كل أو جل الضحايا يسقطون في أماكن لا يتواجد فيها سوى مقاتلي التنظيم، ويستحيل في ظل هذه الظروف التعرف على الهوية أو الرقم. والخلاصة هي أن حسم المعارك في محافظة أبين ضد تنظيم القاعدة لا يحتاج فقط إلى قوة مادية، ولا إلى إعفاء نظام صالح من مسئولية هذا الملف، ولا لإشراك القبائل في الحرب، ولا للتحليق المستمر لطائرات التجسس الأمريكية في أجواء محافظة أبين والمحافظات الشرقية، فكل هذه العوامل اجتمعت في المواجهات الأخيرة لكن لم يتغير شيء. وكما أسلفتُ فإن المعركة قد يحسمها مقاتلو القاعدة ليس بالتقدم نحو مدينة عدن، بل بالانسحاب وإعادة الأمور إلى وضعها التي كانت عليه قبل التاسع والعشرين من شهر مايو الماضي، تحت ضغط الأوضاع الصعبة التي يعيشها نازحو المعارك من أبناء المحافظة، ومن مصلحة التنظيم هناك أن يحافظ على علاقته بأبناء تلك المناطق. *بالتزامن مع صحيفة «الناس» اليمنية.