لن نضع أسماء محددة في هذا المقال. ومن العار والعيب أن نفعل ذلك، ولكننا سنشير إلى صفات وسمات سلوكية وشخصية لهذه الأصناف الثلاثة من الحضارمة، والتي هي بلا شك سبباً مباشراً لما حدث لنا خلال نصف قرن مضى من كوارث متلاحقة. ونسأل الله عز وجل أن يقوّم سلوك أصحابها لما فيه خيرهم وحير حضرموت العزيزة. وحضارمة العار هم بلا شك أخطر هذه الأصناف على حضرموت. وهم الذين كانوا في الماضي – ولا يزالون – معاول هدم وإعاقة لتطور حضرموت وتنميتها تنمية جادة وسليمة، بل ويقفون ضد مساعي الخير لحصول حضرموت على حقوقها المشروعة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. وهم يسعون اليوم إلى ممارسة دورهم الهدّام هذا مع سبق الإصرار والترصد، وربما استجابة طبيعية لغرائز الشر والانحراف في دواخلهم. وأهم صفات هؤلاء ما يلي: 1) أنهم ينكرون وبإصرار عجيب ويرفضون وبقناعة ذاتية كونهم حضارمة، ويصرّون على أنهم جنوبيون أو يمنيون، رغم أن كل الشواهد الثبوتية تؤكد أن هؤلاء حضارمة ولدوا في حضرموت ومن أجيال متلاحقة ولدت في حضرموت. 2) أنهم لا يكتفون برفض الانتماء إلى حضرموت ونكرانه بل أنهم يجعلون من أنفسهم أدوات ماضية وسهلة لغيرهم (من غير الحضارمة) ليفرضوا سيطرتهم على حضرموت سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً أو معرفياً مقابل دريهمات أو مناصب أو إشباع للهوى وغرور الذات. 3) نجد هؤلاء أقوياء على بني جلدتهم وخاصة على البسطاء والضعفاء من الحضارمة وبغلظة في السلوك والممارسة والموقف المخزي والمؤذي، وأحياناً في القول الفاحش المستقبح والمستهجن دينياً وأخلاقياً. ويلعب تعاطي القات أو المسكرات أو المخدرات دوراً هاماً هنا بل وأساسياً من حيث تأجيج هذا الصنف من البشر ودفعه إلى الانحراف بصورة تصاعدية. 4) يتصف هؤلاء بالضعف والدعة والليونة المفرطة في مواجهة أعداء حضرموت الأقربين والأبعدين ممن لا همّ لهم إلا السيطرة والاستحواذ بالباطل على حضرموت أرضها وشعبها. 5) لا يعيش هؤلاء في أوضاع أسرية طبيعية، حيث يلاحظ في تاريخ أسر هؤلاء والتي نكب أفرادها بمثل هذا الصنف من الحضارمة اهتزازاً واعوجاجاً أخلاقياً وسلوكياً بيناً. أما حضارمة الضياع فهم أقل وطأة وضرراً وخطراً من سابقيهم على مجتمعنا الحضرمي، لأنهم ببساطة يسعون بوعي أو بدون وعي إلى خلق حالة ضبابية ومن عدم اليقين في قضايا جوهرية وأساسية ومحسومة وتعد لازمة لتطور الشعوب وتوجهاتها المستقبلية، وفي المقام الأول منها الهوية، ثم كيفية السعي الجاد والعقلاني وبعيداً عن العواطف والمزاجية الفردية لتحقيق الأفضل لعامة الناس، وغيرها من القضايا الحيوية. وخطورة هؤلاء تكمن أساساً في وضعهم الاجتماعي أو العلمي أو الثقافي أو الاقتصادي، فإن كانوا من نخبة القوم وصفوتهم وممن يستمع الناس إليهم ويتأثرون بهم بل ويعتبرونهم المثل الأعلى في نشدان الحياة السوية فإن الطامة تكون كبيرة ومؤثرة على المجتمع الذي يتفشى فيه مثل هؤلاء من صنف الضياع. ومن أهم صفات حضارمة الضياع هؤلاء ما يلي: 1) أنهم لا يحددون موقفاً واضحاً وصريحاً من الهوية الحضرمية، فهم وأن عبّروا بكلمات من هنا أو هناك بأنهم حضارمة أباً عن جد، وهذا أمر صحيح لا غبار عليه وأسماء عائلاتهم تدل على ذلك بل هو مطلوب ومستحسن، إلا أنهم يجعلون من هويتهم الحضرمية هذه هوية تابعة للغير جنوبية أو يمنية والأولى أن تكون هوية حضرمية عربية إسلامية إنسانية. أي أن الهوية عند حضارمة الضياع هؤلاء هي هوية ناقصة لا تكتمل إلا بالارتباط بهوية جنوبية أو بهوية يمنية. وليت هؤلاء عملوا على (فك الارتباط) بين الهوية الحضرمية وهاتين الهويتين الغريبتين عن حضرموت حتى تستقيم أمورهم مع أنفسهم أولاً ثم مع مجتمعهم ثانياً. 2) غالباً ما يكون حضارمة الضياع هؤلاء حريصون كل الحرص على عدم المساس بمصالحهم المادية أو الاجتماعية أو زوالها، ولذلك نجدهم يتخذون من المواقف الضبابية والغير واضحة مما يعتبرونه موقفاً ذكياً وكيّساً وهو ليس أكثر من تبرير دفاعي لأنفسهم وعقولهم حتى لا يوصموا أنفسهم بأنهم من الخطاة أو المنحرفين، ويكونون في هذه الحالة في وضع متأرجح بين هذا الموقف أو ذاك كي لا يغضبوا أي طرف يكون بمقدوره إنزال النقمة عليهم أو إزالة النعمة عنهم. 3) تاريخ هذه الأسر التي نكبت بمثل هؤلاء القوم من حضارمة الضياع والمتأرجحين بين المواقف هو غالباً ما يكون متأرجحاً بين الثبات على القيم والأخلاق أو الانجراف نحو الانحراف والخطايا، لأن عدم ثبات ربّ الأسرة على مواقف الخير والحق والعدل والإنصاف ينعكس بدوره على سلوك ومواقف بقية أفراد الأسرة ويجعلها في النهاية حالة متأرجحة بين الحق والباطل. أما حضارمة (ما سيبي)، فهم الذين أثروا الصمت والسلامة على المغامرة والمجاهرة بقولة الحق. وهم بلا شك أقل المجموعات الثلاث أثراً في المجتمع الحضرمي سلباً أو إيجابياً. ويبدو أن غالبية شعبنا الحضرمي هي من هذه الفئة أو النصف الثالث والمسماة محلياً (قوم ما سيبي)، أي لا شأن لي ولا رأي لي ولا موقف لي بما يحدث حولي. ويعود هذا الموقف السلبي في المجتمع الحضرمي إلى عوامل شتى تاريخيه واجتماعية وسياسية وثقافية وربما طبيعية جغرافية. وهذه العوامل تتداخل مع بعضها تداخلاً شديداً ومركبة تركيباً مفصلياً يصعب فصل بعضها عن بعض، وهي التي أثرت في نفسية وشخصية الإنسان الحضرمي بسلبياتها وايجابياتها. بل يمكن القول أن بعض السلبيات هذه هي كذلك ايجابيات إذا ما نظرنا إليها من زوايا أخرى. كما أن بعض الايجابيات يمكن أن تكون سلبيات. وهذا في النهاية يعتمد على الزاوية التي ننظر منها إلى الموضوع، وكذلك يعتمد على التحليل الدقيق والجيد والشامل للمسألة. ومن هذه العوامل المؤثرة في الشخصية والنفسية الحضرمية ذكراً لا حصراً والتي أفرزت ظاهرة فئة أو مجموعة ما سيبي التراكم الكمي والمتلاحق للكوارث والمحن والأزمات التي لحقت بالإنسان الحضرمي طوال عقود متوالية من الزمن وبخاصة في عهود القمع والاستبداد والطغيان التي مرت عليه منذ نصف قرن مضى، وحيث كانت النتيجة معروفة سلفاً لمن يفتح فمه بكلمة واحدة ضد هذا الطغيان والاستبداد، ناهيك عن موقف معارض جاد يتخذه. كما أن الهجرة إلى الخارج وممارسة حرفة التجارة على نطاق واسع في مجتمعنا الحضرمي قد لعب دوراً كبيراً في (تليين) الشخصية الحضرمية وجعلها أكثر تحضراً أو تمدناً بل وصبراً على المكارة ومواجهة أنظمة البطش والاستبداد. وهذا لا يعني أن شعبنا الحضرمي لم يعرف الثورات والانتفاضات الفردية أو الجماعية ضد أنظمة الفساد والقمع بل أن تاريخ شعبنا الحضرمي المعاصر وخلال نصف قرن مضى أثبت أن رجال حضرموت كانوا يزأرون كالأسود ويصمدون صمود الأبطال في وجه الطغيان والجلادين منذ عام 1967م وما بعده دفاعاً عن حقوقهم المشروعة، وهو ما حدث في وادي حضرموت والمشقاص ووادي حجر وصحراء ثمود والعبر ومناطق متفرقة من ساحل حضرموت. وهذا يعني أن ثورات الحضارمة كانت ضرورية وعقلانية، ولم تكن ترفاً أو تسلية لنوازع الهوى الأهوج أو لمجرد تغيير المزاج العام. كما أن مجتمعنا الحضرمي يستقبح العمليات الفوضوية التي تقوم بها مجموعات تحسب عليه بين حين وآخر وتؤدي إلى هدم وتحطيم للمكاسب العامة أو تحدث أضراراً لا مبرر لها في الأفراد أو الممتلكات الخاصة أو العامة. أما عن سمات وصفات فئة ما سيبي هذه فأهمها: 1) يميل هؤلاء إلى الصمت وعدم الإفصاح المتسرع بأفكارهم ومواقفهم، فهم يستهلكون وقتاً كافياً وربما أكثر مما يلزم في دراسة الوضع لاتخاذ الموقف المناسب. ويكون هذا الموقف للأسف في الغالب في حالة (اللاموقف) أي ما سيبي. 2) كثير من هؤلاء حريصون على ثبات وضعه المادي أو المعيشي مهما كان وضعه هذا بسيطاً أو متميزاً، وهو يرى أن القادم ربما يكون أسوأ مما مضى. ولذلك فهو لا يحرك ساكناً لتغييره خوفاً من ضياع وضعه الحالي. 3) تلعب النشأة العائلية والفردية دوراً هاماً في تكريس مقولة وسلوكية (ما سيبي) وتنعكس آثارها الخطيرة في ضياع كثير من الحقوق الحضرمية الفردية والجماعية. هذه أذن أنماط ثلاثة أو أصناف ثلاثة سلبية في مجتمعنا الحضرمي. ونرجو من الله عز وجل أن يبصرنا بنواقصنا وعيوبنا حتى نتجاوزها ونصلح من أمرنا، ونكون عندها وبعون الله تعالى قادرون على تحقيق الغد الأفضل لمجتمعنا الحضرمي، فلا شك أنه: ما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وهو المستعان من قبل ومن بعد. المكلا – حي السلام في 21 يونيو 2012م [email protected]