مقدمة ثق لكن تحقق الرئيس الأمريكي / دونالد ريغان قد يكون عنوان المقال اليوم مثيراً ، وقد يحوي المقال مفهوماً آخر لطالما تغافلنا عنه تحت دوافع شتى هي المؤثرة في دوائر التفكير والقرارات ، لذا هنا دعوة للقراءة في ذهنية الواقع ومدى ما سيحمله للمستقبل الآتي … أنصار .. عفاش في يوليو 1952م عرف الوطن العربي الثورة المصرية التي قادت مصر للحرية الوطنية متخلصة من قيد الاستعمار الأجنبي ، تلك الثورة هي حجر الزاوية الأساس التي منها انطلقت مرحلة تاريخية تعمق فيها الفكر القومي العربي بشكل لا يمكن الوقوف ضده بحال من الأحوال ، ولعلنا ندلل على هذا الاجتياح الفكري الجارف إلى انتفاضة طلاب المدرسة الوسطى بغيل باوزير بعد نجاح الثورة المصرية ، فعلى ضعف الاتصالات وانعدام الوسائل الإعلامية إلا من خلال الإذاعة والصحف غير أن التشعب للحركة القومية بلغت تأثيراته لدرجة أنه بلغ كل زوايا الوطن العربي بدون استثناء ، وهذه الحالة من البعد الفكري العميق تشربته النفوس وتبنته العقول ، وبذلت فيه الأرواح زهيدة ، فالمرحلة التاريخية كانت تطلعاً نحو حرية الأوطان لكنها كانت دون حرية الإنسان ، والمحصلة أن هذا المد القومي انتج في واقعه جماعات في كل أجزاء بلاد العرب يحملون فكراً وحدوياً يؤمن بأن الجزء لابد وأن يلتحق بالكل … المؤمنون بوحدة الوطن العربي الكبير ليسوا جهلة أو حمقى بل هم مثاليون بدرجة الامتياز ، يوافقهم المؤمنين بوحدة بلاد المسلمين من طنجة إلى جاكرتا ، إذن كان لابد وان يكون هنالك جامعة لدول العرب ورابطة تربط بلاد الإسلام ، وفي كلا المنطوقين معاً المحصلة أن المؤمنين من كلا الطرفين يحصدون حقيقة واحدة أن المثالية في أقصاها إنما هي تماما وسيلة تركبها فئات تقود الأوطان حيث ترغب الفئة الصغيرة القائدة غير مكترثة بآمال المؤمنين والعاطلين وحتى الحالمين ، مثال ذلك هو ما كشفته الخارجية الفرنسية أخيراً عن زيف إدعاء النظام السوري بمبادئه القومية وأنه أي النظام في سوريا عمد منذ ما قبل الاستقلال لحماية الطرف الشيعي والدرزي والمسيحي وتحت مظلة الفكر القومي العربي روج لنظامه ومنه أيضاً يقتل شعبه اليوم … هذه المقدمة هي المدخل لنفهم لماذا في حضرموت مازال هنالك انصار وأتباع لنظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ، ولماذا لدينا فئة عريضة من المنتمين إلى قاعدة أن الوحدة اليمنية هي جزء من بلاد العرب ، وأن الوحدة اليمنية يمكن إصلاحها بدلاً من هدمها ، وأن الدعوة لفك الارتباط هي خيانة ، وأن الدعوة لحق تقرير المصير الحضرمي هي خطيئة لا تغتفر ، هذه هي شريحة من أبناء حضرموت نعرفهم ويعرفوننا ، يؤمنون بما نحن به كافرون ، ولكنهم تحت تأثير من عاملي الفكر والمصلحة الذاتية يعتقدون بأن وحدة اليمن هي الخيار الأصح … عفاش .. لم ينتهي لقد انتهز الرئيس السابق علي عبدالله صالح كل التوقيتات التاريخية وجيرها ناحية ربط حزب المؤتمر الشعبي العام ، فالوحدة التي عقدت في 22 مايو 1990م أصبحت منجزاً للحزب والرئيس ، وانتصار صنعاء على عدن هي انتصار للحزب والرئيس ، وهكذا ترسخ في الذهنية أن حزب المؤتمر الشعبي العام وقائده يشكلان باستمرار الحالة الصحيحة للنصر السياسي ، ومنه توثقت المصلحة الذاتية للفرد المنتمي لهذا الحزب الذي كان جارفاً بحكم ما يمتلك من أدوات مالية وفيرة ، فلا يمكن للفرد أن يرى الأشياء من حوله إلا عبر الحزب ، وأن رأها بعين أخرى انتهى وزال … المؤتمريون هم من يعطوا اليوم الصورة المعاصرة بأن الوحدة اليمنية قائمة على مدى التراب اليمني والحضرمي، فعلى الرغم من دعاوى الانفصال ، وعلى الرغم من ضغط التيار الحضرمي لا نكاد نقر بغير الوحدة كواقع على الأرض ، فهؤلاء تمكنوا بالفعل من تثبيت الدولة التي يؤمنون اليوم بأنها لابد وأن تخضع لعمليات تجميل تبقيها حية وأن كان وجهها مملوءاً بآثار مباضع الجراحين ، فالمهم لديهم هي الوحدة اليمنية فقط … فماذا سيقنع أصحاب المؤتمر الشعبي العام أو حزب الإصلاح والاشتراكي بأنهم في ولائهم لأحزابهم إنما هم يضيقون على الشعب اليمني في الشمال والجنوبوحضرموت حياتهم ، وهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون يخلقون أجواء لصراعات مستقبلية ستكون عنيفة بل ودامية ، فما كان في زمن مضى تكشفت حقائقه على مدار السنوات فلا يمكن أن تتعايش الشعوب الثلاثة وتحقق الأمن والاستقرار والتنمية بعد ثبوت الفشل على مدى نصف قرن من تجربة حصدنا منها وجه عفاش المحروق ويداه المغطاة ومزيد من الكذب والهراء ، ولا ينتهي الأمر هنا بل يمتد حتى وصل إلى أن الجميع أصبح لا يثق بالجميع ، وكل في رأسه دولته يريدها … الكوادر .. كوارث في كل الأنظمة تبقى مشكلة هؤلاء المفرطين بإيمانهم المتطرف تجاه هذه التنظيمات السياسية ، تضيق عيونهم على مصلحة بيته ، وقد يقتصر الأمر إلى ما هو أدنى إلى حصته من القات الذي يلوكه في فمه ليقضي به ساعات الانتماء أو الارتماء في أحضان المبادىء والقيم لهذه التنظيمات أياً كانت ، فهل هنالك من وسيلة للدخول في رؤوسهم وإقناعهم بأنهم جزء من مشكلة أهلهم وعشيرتهم وبلادهم ، أجزم بان هنالك وسيلة يمكن أن ينصرفوا منها من ارتمائهم إلى تصحيح معتقداتهم عبر مشروعات سياسية يمكن أن تجذبهم إليها طوعاً .. نعم طوعاً … الدكتور صالح باصرة مثال صحيح …. قيادي في المؤتمر الشعبي العام ووزير سابق ، ورجل حمل ولاءات مطلقة للمشروع الوحدوي ، نرى اليوم شيئاً من أمل ( مرجو ) فيه ، فالرجل يقدم خطاباً نقدياً لحكومة اليمن ليس تحت تأثيرات الواقع فيما بعد فبراير 2011م ، فللرجل مواقف سبقت الربيع العربي بشيء من الوقت ، وهذا الخطاب النقدي الوافر في الدقة والمضمون ، لم يكن نتيجة لغير أنه اطلع على شيء مما لدى الآخرين من رؤى وقراءة في الواقع ونظرة إلى المستقبل ، فبدأ دور ايجابي ناحية ما هو صحيح ، وقد يحتمل ما هو صحيح في منظوره إلى عائلته وقبيلته دون وطنه ، ولكن يبقى أنه يتجرد من الخطأ إلى الصحيح من الفعل والقول … في ذات الإتجاه مثال يتقاطع مع الدكتور صالح باصرة يتمثل في القيادي البارز صلاح باتيس والمنتمي لحزب الإصلاح اليمني ، ف صلاح لا يرى غير الوحدة اليمنية وأنها مشروع يمكن ترميمه وإصلاحه ، ومع تطرفه ناحية الدولة الوحدوية فجر الرجل رؤية مدوية أثناء خطبة الجمعة في شارع الستين بصنعاء عندما قال أن كان ولابد هنالك انفصال فأنه سيعمل على انتزاع حضرموت من الجنوب اليمني ، وهذه حالة أخرى تؤكد بشكل واضح وصريح أن المنتمين إلى هذه الأحزاب أياً كانت منهجيتها يعرفون أن حضرموت هي المشروع السياسي الصحيح ولكنه يبقى في نظرهم هو آخر الحلول … أن ما يجمعنا ليس فقط هو الكفر بوحدة اليمن ، وليس ما يجمعنا هو رفض ما يسمى الحراك في جنوب اليمن ، ما يجمعنا حقاً هو المستقبل ، فهذا هو نواة الفكرة التي لابد وأن ننظر إليها ، فليس هنالك من جدارة في إضاعة مزيد من الزمن في غرف العمليات لإجراء عمليات تقويم ومعالجة للوحدة اليمنية ، وليس هنالك من دواعي مفرطة تجعلنا نثق في الحراك اليمني الجنوبي لنجربه مرة أخرى ، فالمجرب لا يجرب كما يقال ، إذن مستقبل حضرموت لا يجب أن يتم النظر إليه من خلال خرم الإبرة بل من خلال السماء المفتوحة بشمس مشرقة ، فالنظرة إلى حضرموت ليست قاعدة بناء وطن ضعيف يحتاج إلى مؤتمرات للمانحين أو المتصدقين ، بل هنالك حاجة إلى أن ننظر لذاتنا الحضرمية وما يمكنها أن ترصد من قدرات في خمسين عاماً مقبلة ، فهنالك أجيال ستأتي ستكفر بكل مؤمن بوحدة أو جنوب يمني لم يعطيها كرامة وحرية وعدالة في بلادها حضرموت …