بيان تحذيري من الداخلية    إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل    اليوم انطلاق بطولة الشركات تحت شعار "شهداء على طريق القدس"    وزير الإعلام الإرياني متهم بتهريب مخطوطات عبرية نادرة    تمرد إخواني في مأرب يضع مجلس القيادة أمام امتحان مصيري    أبين.. الأمن يتهاوى بين فوهات البنادق وصراع الجبايات وصمت السلطات    30 نوفمبر...ثمن لا ينتهي!    حلّ القضية الجنوبية يسهل حلّ المشكلة اليمنية يا عرب    عسل شبوة يغزو معارض الصين التجارية في شنغهاي    الواقع الثقافي اليمني في ظل حالة "اللاسلم واللاحرب"    تغاريد حرة .. انكشاف يكبر واحتقان يتوسع قبل ان يتحول إلى غضب    كلمة الحق هي المغامرة الأكثر خطورة    "فيديو" جسم مجهول قبالة سواحل اليمن يتحدى صاروخ أمريكي ويحدث صدمة في الكونغرس    قاضٍ يوجه رسالة مفتوحة للحوثي مطالباً بالإفراج عن المخفيين قسرياً في صنعاء    قرار جديد في تعز لضبط رسوم المدارس الأهلية وإعفاء أبناء الشهداء والجرحى من الدفع    الجريمة المزدوجة    الهجرة الدولية تعلن استئناف رصد حركة الهجرة في اليمن    مشاريع نوعية تنهض بشبكة الطرق في أمانة العاصمة    ارشادات صحية حول اسباب جلطات الشتاء؟    انتقالي الطلح يقدم كمية من الكتب المدرسية لإدارة مكتب التربية والتعليم بالمديرية    الهيئة النسائية في بني مطر تحيي الذكرى السنوية للشهيد    قبائل تهامة ومستبأ في حجة تؤكد الجاهزية لمواجهة أي تصعيد    قراءة تحليلية لنص "خطوبة وخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    النفط يتجاوز 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 3 نوفمبر    مواطنون يعثرون على جثة مواطن قتيلا في إب بظروف غامضة    اليونيسيف: إسرائيل تمنع وصول اللقاحات وحليب الأطفال الى غزة    لملس يبحث مع وفد حكومي هولندي سبل تطوير مؤسسة مياه عدن    وقفة في تعز واعتصام بمأرب.. جرحى الجيش ينددون بالإهمال ويطالبون بمعالجة أوضاعهم    الحرارة المحسوسة تلامس الصفر المئوي والأرصاد يحذر من برودة شديدة على المرتفعات ويتوقع أمطاراً على أجزاء من 5 محافظات    الحديدة أولا    رئيس بوروندي يستقبل قادة الرياضة الأفريقية    الاتصالات تنفي شائعات مصادرة أرصدة المشتركين    مصر تخنق إثيوبيا دبلوماسياً من بوابة جيبوتي    الشاذلي يبحث عن شخصية داعمة لرئاسة نادي الشعلة    جولف السعودية تفتح آفاقاً جديدة لتمكين المرأة في الرياضة والإعلام ببطولة أرامكو – شينزن    القبض على المتهمين بقتل القباطي في تعز    ريال مدريد يقرر بيع فينيسيوس جونيور    نائب وزير الشباب والرياضة يطلع على الترتيبات النهائية لانطلاق بطولة 30 نوفمبر للاتحاد العام لالتقاط الاوتاد على كأس الشهيد الغماري    قيمة الجواسيس والعملاء وعقوبتهم في قوانين الأرض والسماء    حكاية وادي زبيد (2): الأربعين المَطّارة ونظام "المِدَد" الأعرق    لصوصية طيران اليمنية.. استنزاف دماء المغتربين (وثيقة)    عدن في قلب وذكريات الملكة إليزابيث الثانية: زيارة خلدتها الذاكرة البريطانية والعربية    البروفيسور الترب يحضر مناقشة رسالة الماجستير للدارس مصطفى محمود    5 عناصر تعزّز المناعة في الشتاء!    قراءة تحليلية لنص "خصي العقول" ل"أحمد سيف حاشد"    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    الدوري الاسباني: برشلونة يعود من ملعب سلتا فيغو بانتصار كبير ويقلص الفارق مع ريال مدريد    تيجان المجد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الناصر مجلى.. رسول الإبداع بين فضاءات صنعاء وديترويت
نشر في نبأ نيوز يوم 05 - 11 - 2007

بين صنعاء وديترويت توزعت معاناة الأديب اليمنى عبد الناصر مجلى الإنسانية والإبداعية، خاض مجلى العديد من المعارك الداخلية التي فرضتها عليه المسافة الفلكية بين كل شيء، حيث وجد نفسه مهاجرا في الولايات المتحدة فى خضم مجتمع جديد وثقافة جديدة.. كيف استطاع عبد الناصر مجلى أن يخوض تلك المعركة؟
وكيف استطاع أن يواصل مسيرته الإبداعية التي بدأها في وطنه الأم؟
وكيف ظل الإبداع طريقه للعودة إلى أحضان الوطن..؟ هذا ما يكشف عنه للعرب الأديب اليمنى المهاجر عبد الناصر مجلى "رئيس تحرير صحيفة الأمة فى الولايات المتحدة".. والذي يزور اليمن هذه الأيام مخلفا بعضا من معاركه التي لا تنتهي.
تصنيفات ابداعية
* كأديب يمنى شامل- كما قال عنك أستاذ الجيل د. عبد العزيز المقالح، مهاجر ومقيم في أمريكا وتحمل جنسيتها. هل أضافت لك الحياة الأميركية شيئا كمبدع ؟!
- هناك مثل عربي شهير يقول "من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم" وأنا عاشرت الشعب الأميركي ولا زلت قرابة الخمس عشرة سنة،وبالتالي فالولايات المتحدة صارت وطناً ثانيا ورئيسيا بالنسبة إلى بعد وطني الأم اليمن..
وبالتالي فما دمت أحمل الجنسية الأميركية وبحكم "مهنتي" الثقافية والإبداعية والصحفية، لا بد أن تكون ثقافة وطني الجديد كميزة أساسية لي جنباً إلى جنب مع ثقافتي العربية والإسلامية وداعمة ومعززة لها، دون اصطدام أو تقاطع ما دمت أعي وأدرك حجم الثقافتين الهائلتين اللتين تملآن مساحاتي الذهنية بنسبة شبه متساوية، وعلى هذا الأساس أشتعل إبداعياً على مختلف التصنيفات التى أمارسها في حياتي العملية وأعنى اشتغالي على معطيات الشعر والقصة والرواية والعمل النقدي ناهيك عن العمل الصحفي.
بتوصيف كهذا أستطيع القول بأن الحياة الأميركية سواء أكانت العادية، أي كمقيم وكمواطن، أو بصفتي الإبداعية قد أضافت لى الكثير، ذلك الكثير والمختلف والجديد والمغاير، الذي ربما كنت لا أستطيع خلقه والاستفادة منه فى وطني الأم اليمن، أو في أي دولة عربية أخرى.
فسيفساء كونية
* ماذا تعنى بقولك "الكثير والمختلف والجديد....الخ" مع انك عرفت ليس بالكثرة الإبداعية المتنوعة فحسب،بل وبالكتابة المختلفة والمغايرة بحيث أنك لم تهاجر إلى أمريكا إلا وأنت مكتمل التجربة إذا جاز الوصف؟
- صحيح، لكنى عنيت الفضاء الواسع سعة خيالية تكاد لا توصف الذي تسبح فيه الثقافة الأميركية، بشقيها المعرفى والإبداعي على المستوى الثقافي، وبالتنوع البشرى الهائل والفُسيفساء الكونية غير المسبوقة التي تُشكل جدارية المجتمع الأميركي على المستوى العالمي، فى وضع كهذا، وأمام ثقافات وأعراق وأجناس وملل ونحل ومعتقدات ومشارب متنوعة، لابد لمن هم فى وضعي كأديب، أن يغرفوا من هذا المحيط الجبار الذي يتلاطم أمامهم وقد كنت أحد هؤلاء خصوصاً وأننى منذ أن وطأت قدميَّ أرض العالم الجديد، اشتغلت وبسرعة على تحديد أهدافي وأولوياتي التي يجب أن اعمل عليها وهذا توفيق من الله سبحانه الذي حبانى بميزة المشاهد المتعمقة والواقعية لكل ما هو أمامي.
بهذه الطريقة كانت استفادتي كبيرة كما أزعم ويتجلى ذلك فيما قمت بكتابته من إبداع شعري وقصصي وروائي ونقدي، أو بما فطنت إليه من ضرورة خوض المغامرة الصحفية في بلد يسّير إعلامه العالم ويشكله كيف يشاء، سواء منذ أن كنت مراسلاً لأهم الصحف العربية اللندنية أو التي تصدر في بعض الدول العربية...
بمعنى أدق: نعم استفدت ولا زلت من حراك الحياة الأميركية قدر استطاعتي فالحياة الأميركية حياة قاهرة ومدمرة وأن يستطيع المرء فهمها وسبر أغوارها العميقة بوعي وإدراك ومسئولية فذلك إنجاز يحسب له، فأنت تعيش في قلب حياة هادرة وفى صعود مستمر لا يتوقف، فإذا أغفلت مسألة ضرورة تناغمك معها والسير عبر إيقاعها الجبار، قد تهرسك بلا شفقة أو رحمة، ليس لوحشية فيها، بل لضعف فيك قد لا تلتفت إليه، فتسقط أنت وتُهرس تحت مجنزرات حراكها المتسارع، دون أن تعبئ بك نظراً لعدم جاهزيتك لخوض السباق المحموم وليس لعدم اكتراثها بك.
أحجية الوقت
* في واقع كهذا الذي وصفته، ماذا عن تنوعك الكتابي، فأنت تشتغل على عدة جبهات، جبهة الشعر والقصة والرواية ناهيك عن اهتماماتك بالكتابة النقدية التي لفتت إليها الأنظار نظراً لجديتها ورصانتها وربما أسبقيتها تاريخياً مقارنة بما تتم كتابته هنا عربياً، إضافة إلى عملك الصحفي، فأنت ناشر ورئيس تحرير لصحيفة "الأمة" ذائعة الصيت وموقع "الأمة نت" وهما بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والأسبانية. وسؤالي هنا هو: كيف استطعت أو تستطيع المواءمة بين كل هذه المعطيات في ظروف حياة وصفتها أنت بالقاهرة والمتسارعة؟
- أخي صالح، أنت زميل مهنة فأنت قاص وصحفي مثابر، ونكاد نراك في كل مكان حولنا، سواء عبر إبداعك القصصي المتميز، أو عبر اشتغالك بعملك الصحفي من مقابلات وتقارير وتغطية فعاليات ثقافية للداخل وللخارج. بالإضافة إلى إشرافك على موقع القصة "المقه"... الخ
وهذا سؤال لو أردت الصدق يوجه كذلك إليك وأعتقد بأن إجابتينا ستكونان متشابهتين إلى حدٍ ما إن لم تكنا متطابقتين، هذه الإجابة التي تقول بان الإلتفات الحاذق والواعي لمسالة في غاية الأهمية ألا وهى مسألة الوقت، وكيف يجب على المبدع خصوصاً الانتباه له والسير على إيقاعه، فإن لم يتم تقديره، فقد يخسر المبدع خسائر كبرى على مستوى تجربته إجمالاً، بالنسبة إلى أزعم بأنني استطعت إدراك أهمية هذه المسألة الحسّاسة وبالتالي التوافق معها، خصوصاً لو علمت بأن إيقاع الحياة الأميركية هو إيقاع الساعة نفسها..
فكل دقيقة تمر أمامك هي محسوبة إما لك وإما عليك ولك الخيار، وشخصياً وعلى مستوى تجربتي الأميركية أستطيع القول بأنني قد فطنت منذ البدايات إلى مسألة التناغم مع الوقت بشكل صارم ودقيق ومدرك، وعندما استطعت فك أو فهم اُحجية الوقت المعقدة والبسيطة في آنٍ واحد، أمكنني التحليق بشكل مريح ومتوائم ليس مع الوقت كعقارب تنقر ميناء الساعة وعلاماتها الزمنية كل ثانية، بل والذوبان فيه حتى صرت جزءا لا يتجزأ منه، فكان كل هذا الفيض المتنوع مما أثار دهشتي أنا شخصياً من فهم معنى الوقت ونتائجه المربحة دائماً، لذلك فقد كان العرب على حق عندما قالوا "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك".
تعايش بنّاء ومثمر
* تقول بأنك صرت جزءا من الثقافة الأميركية أي بمعنى آخر صرت مبدعا ومثقفا أميركيا لكن يلاحظ القارئ لشغلك الإبداعي تحديداً من شعر وقصة... الخ، طغيان الهاجس المحلى اليمنى ربما على معظم أعمالك. هل ما زال لديك الكثير لتقوله عن الجذور؟
- أولاً أنا لا زلت وسأظل مبدعاً عربياً مئة بالمائة إلى ما شاء الله، ولم ولن أتنكر لصفتي هذه، لكنني في نفس الوقت لن أتقوقع فى الدائرة الضيفة والقاتلة لهذا التصنيف، لأنني بمثل هذه الطريقة سأكون كمن يؤذن في مالطا كما يقولون.
الصحيح في الأمر أنني مبدع عربي ذو ثقافة أميركية ومبدع أميركى ذو خلفية ثقافية عربية، وبغير المواءمة والحذر والوعى بين هاتين المسألتين سأدخل مرغماً إلى نقطة التشظى المهلكة، فلا أعود من هنا أو من هناك، ولذلك فقد اخترت الإمساك بالعصا من المنتصف، هذا الاختيار ساعدني على بلوغ هدفي الإبداعي بأقل الخسائر والهزائم والعثرات الممكنة، وليس أمامنا نحن الثلة من المبدعين العرب الذين كُتب عليهم العيش ليس فى الولايات المتحدة فحسب بل وفى أي بقعة من بقاع الأرض خارج جغرافيتنا العربية، سوى التعايش البنّاء والمثمر والموجب الأفعال،وكذلك استغلال الفرصة التي بين أيدينا كمثقفين ومبدعين وإعلاميين لمدّ وبناء جسور التلاقي الحضارية والثقافية والمعرفية مع الآخر/الغرب..
وإذا آمنا بحقيقة كوننا سفراء في الغرب أو الشرق نمثل ثقافتنا العربية والإسلامية العملاقة وحضارتنا الإنسانية الخلاقة سنكون فعلاً قد قدمنا الصورة الحقيقية والمشرقة لتاريخنا الإنساني العظيم، واستطعنا -وهذا مطلوب- أن نردم الهوة السحيقة والمقيتة التى ما انفكت تزداد اتساعا وهولاً بين العرب والمسلمين من ناحية وبين الغرب بإجماله الجغرافي من ناحية ثانية، وكذلك وهذا هو المهم فى الأمر ردّ بعض الجميل والدين الذي في أعناقنا تجاه أوطاننا العربية الأمهات وتجاه أوطاننا الجديدة التي آوتنا ورحبت بنا ومنحتنا فرصة التجويد الحضاري والثقافي والإبداعي والإنساني، فهذا زمن رغم تمزق أوصاله بشكل مفزع بين الجهات عبر ما يسمى باصطدام الحضارات على زعم صموئيل هنغتون،إلا أنه -وهذه هى المفارقة- يجب أن يكون زمن تلاقى الحضارات والثقافات وتقارب الجهات،وهذا هو واجبنا ودورنا كمبدعين وكمثقفين سواء فى الشرق أو فى الغرب.
فضاءات بعيدة
* هذه إجابة شيقة لكننى أراك تحاول الابتعاد عن معنى السؤال الذي يتحدّث عن طغيان المحلى على تجربتك الإبداعية أميركيا؟
- كلا على الإطلاق،لكننى حاولت فقط الإشارة إلى توصيف حالة معينة رأيتني ملزماً بشرحها للقارئ العربي ولست أتهرب، أما بقولك بطغيان المحلى اليمنى تحديداً على مجمل ما اشتغلت عليه إبداعياً في الفضاء الأمريكي، فلست أدرى ما هى الفكرة التى أسست عليها سؤالك.
على كل حال لك أن تطرح أسئلتك بالطريقة التى تراها مناسبة لإدارة هذا الحوار، بل يجب عليَّ أن أنتبه لسؤال كهذا كونه طُرح من قِبل "زميل" فى المهنة التي أشتغل عليها وهى "مهنة" الكتابة القصصية، لكنني أقول في المقابل بأنني كما أعرف نفسي لا أشتغل على المعطيات النمطية الجافة والباردة والميتة، بل اخترت التحليق بعيدا رغم وعورة وصعوبة واستحالة هذه الفضاءات التي أحلق فيها، ففي نهاية الأمر أنا مصور فوتوغرافي كاميراتي فى ما التقطه من صور قصصي أو لوحات روائية أو جرافيك نقدي أو رواياتي الأميركية، فقد كان ولا يزال همى الأول والأساسي هو الإنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو ثقافته ومعتقداته وجغرافياته.
وعند وصولي إلى الولايات المتحدة في الأول من فبراير عام 1992م أول ما اصطدمت به وجدانياً وذهنيا وواقعيا وإنسانياً، وما شاهدته عيناى هو واقع أبناء جلدتي من المهاجرين اليمنيين والعرب، لذلك غصت معهم كحيوات مجردة بعيداً عن مشاربهم وأعراقهم، فهم بشر يمثلون معطى الهجرة في أسطع صورها بكل نتائجها المتنوعة والمتعددة والمتشعبة: آمالهم وأفراحهم وأحزانهم وعثراتهم وصعودهم وانكسارهم وحنينهم وشجنهم ودموعهم التى لا يراها احد سوى الله.
كنت أمامهم وأنا هنا أصدقك القول، مثل سائح أو أجنبي محايد يهمه أمرهم بشكل جدي وحقيقي في مهمة حساسة وخطيرة وشديدة الأهمية، وقد كانت هذه الصفة هى الضرورة التي أملتها واشترطتها العملية الإبداعية، لأنى بغير تلك الصفة التى وفقت فى تجسيدها كنت سأبدو مثل رسام بائس اختلطت عليه الألوان فاهترأت لوحاته قبل أن ترى النور.
كتابات إنسانية
* يعنى أنت هنا تنكر طغيان المحلية فى أعمالك؟
- المسألة كما أخبرتك اكبر وأصعب من مجرد التنكر، لأنني لم ولن آخذ بها، لأنني حينئذٍ سأحكم على نفسي بالفشل من حيث تحديد فكرة الكتابة بذاتها فكيف بالكتابة ككتابة يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن التهاويم العاطفية والغرائزية العرقية الجوفاء، لقد كتبت عن الإنسان دون تحديد مسبق كما قلت لماهيته اثنياً.....الخ
ولذلك لو أنك أعدت قرائتى مرة ثانية فستجد العالم يضج ويتنفس بين سطور كل أعمالي الشعرية والقصصية والروائية، فلقد كتبت ولازلت عن الأجناس كضرورة وكواجب أراني ملزما به، لأن الإنسان كإنسان بعيداً عن التصورات والرؤى المسبقة أعظم بما يختزنه فى وجدانه من أكوام من المشاعر بكل تناقضاتها، من أن يكون كمجرد تمثال بازلتى أصم..
ولذلك تعاطفنا مع شيخ هيمنجواى ومجانين ماركيز فى مئة عام من العزلة، وعبثية شخوص ديستوفسكى فى الإخوة كارا مازوف وأطفال جورجى آمادو وغابريلا الفاتنة، لأنهم كانوا يمثلوننا على مسرح الحياة العاصف ورأينا ذواتنا فيهم، وحدهم الكُتّاب المحدودى الموهبة والصغار القامات من يتعصبون لأعراقهم وأنا لست واحدا منهم على الإطلاق.
"اقتراف" العمل الإبداعي
* عودة على الأدب الأميركي، باعتقادك هل توجد هناك فوارق شاسعة على صعيد الشكل والمضمون بين الأدب العربي والأدب الأميركي كما هو الحال في مجالات الحياة الأخرى؟
- أنت تعلم بان لكل ثقافة معطياتها الخاصة بها التى تعبر بها عن نفسها بطريقة أو بأخرى، شأنها فى ذلك شأن كل الشعوب التى تختلف عن بعضها البعض فى بعض التفاصيل الصغيرة من حيث أسلوب الحياة والمأكل والمشرب والملبس والموسيقى والأديان، لكنها أي هذه الشعوب تلتقي مع بعضها البعض في كثير من السمات المشتركة التى بسببها تكاد لا تفرق بين شعب أو آخر إلاّ من حيث اللغة على سبيل المثال، ولذلك فالمبدع فى أي مكان من هذا العالم الواسع هو بالضرورة صورة من مبدع آخر فى قرية أو مدينة أو دولة ما، من حيث الإحساس بضرورة "اقتراف" العمل الإبداعي في معناه العالي، بغض النظر عن الخصوصية هنا او هناك..
وعليه فأنني أستطيع القول بأن الأدب العربي هو صنو الأدب الأميركي اللهم حيث يكمن الاختلاف فى بعض الجزئيان الصغيرة المتمثلة كما أشرت سابقاً فى نمطية الحياة وتفاصيلها، وأكاد أقول بأن الأدب العربي يكاد يكون سابقاً فى بعض المناطق عن صنوه الأميركي، فعلى سبيل المثال لا يمتلك الأدب الأميركي الآن قامات شعرية كمحمود درويش أو أدونيس أو قاسم حداد وامجد ناصر، إذاً فالمسألة نسبية، لكنها فى مجملها لا تتقاطع مع الصيرورة الإبداعية من حيث تكوينها عربياً أو أميركياً وتشابهها فى أشياء كثيرة.
هاجس ثقافي
* مقارنة بالمثقف والمبدع العربي، هل المثقف والمبدع الأميركي يسيطر عليه الهاجس السياسي؟ وما هو موقفه من القضايا العربية؟
- فى الحقيقة هذا يعتمد على شخصية المبدع أو المثقف هناك، فهناك منهم على سبيل المثال وبحكم تخصصه أو اهتمامه كأن يكون صحفياً وعلى تماس مع القضايا العربية قد يكوّن فكرة معقولة عن القضايا العربية لكن وفى الغالب يعتبر المثقف والمبدع الأميركي منغمسا أكثر فى عمله الإبداعي والثقافي، فهم هناك لا يبحثون عن أدوار بطولية سياسياً على العكس من المبدع العربي، الذي ورغم أهمية إبداعه إلا انه ربما وبحكم الثقافة السلطوية فى المجتمع العربي، يظن بان نجوميته لا تكتمل إلا بلعبه لدور البطل السياسي.
ريادة
* أثار حوارك مع صحيفة "الثقافية" اليمنية مؤخرا ردود فعل متباينة حول قولك بأنك رائد جيل التسعينات، ألا ترى بأن قولٍ كهذا أتى متسرعاً بعض الشيء؟
- لا أدرى لماذا يكون قول الحقيقة مؤلماً، شخصياً لا أظننى أخطأت عندما قلت هذا القول، لأنه قول صائب وحقيقي والرد عليه لا يكون بالتبرم أو الاعتراض، بل يجب أن تكون هناك حقائق يستند أعليها المعارضون لتصريحي، ولأنهم لا يستطيعون دحض ما صرحت به فلا تهمني ردود الفعل البائسة، لأنه فى الأخير لا يصح إلا الصحيح، والصحيح هو أننى وبكل هدوء أقولها رائد الجيل التسعينى بلا منافس حقيقي، وبيني وبينهم تنوع تجربة وأسبقيتها وتأثر كامل الجيل بها والذى يقول عكس هذا فإنما يكذب على نفسه وعليهم أولاً أن يتخلصوا من تأثيري عليهم وعلى تجاربهم التي رغم احترامي وتقديري لها لا تستطيع تجاوز نص مثل "أول كرستينا... منتصف جورج تاون" فما بالك فى القصص والروايات، هذه ليست نرجسية بل قول حقيقي لا مجال حتى للخوض فيه والبرهان الإبداعى واضح للعيان فأين براهينهم.
* ما هو جديدك على الصعيد الإبداعي؟
- أقوم حالياً بإعداد مجموعاتي الشعرية الكاملة والقصصية ورواياتي للطبع، بالإضافة إلى انشغالي برواية ستكون مفاجأة للجميع إن شاء الله.
* كلمة أخيرة؟!
- شكرا جزيلا لك شخصياً ول "العرب العالمية" على إتاحة هذا الفرصة لي للإطلالة على القراء عبر هذه الحوار الذي أدعو الله أن يكون خفيفاً على البعض.
عن/ عرب أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.