حب الوطن غريزة تنشأ مع الإنسان منذ الصغر، فالشعور بالإنتماء إلى الوطن ينشأ من مجموعة المشاعر الفردية التي تشكل رأياً عاماً وتماسكاً وتكافلاً في السراء والضرء لمجموع الأفراد ويربطهم بكيانهم الأممي. حب الوطن عند الأنسان عبارة عن وعي تغذية المعرفة والثقافة حتى ينتقل من حيز الغريزة إلى حيز التفكير المختار. هذا الوعي الذاتي هو الذي يتحول في مراحل حياة الفرد إلى قوة ويتميز كل فرد مسلم على وجه الخصوص. ذلك ان الانتماء هنا هو انتماء إلى (عقيدة) بالدرجة الأولى.. ثم يتحول إلى (واقع)- أي ينتقل من مستوى الشعور إلى مستوى السلوك.. ولكن ليس أي نوع من السلوك، وإنما السلوك المضاء بنور العقيدة الإسلامية التي تشع في مختلف حنايا جسد المجتمع ومؤسساته. ومن هذا المنطلق وجب علينا جميعاً أن نغرس حب الوطن في نفوس أطفالنا من الفطرة التي فطرهم الله عليها، وان نقدم لهم القدوة الحسنة في رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم مثالاً في حبه لوطنه، وان يكون هذا الغرس في حبهم لدينهم ووطنهم، وان نسرد عليهم دروساً من الماضي الأصيل في التضحية بحب الوطن والانتماء إليه، وان يكون هذا الحب غذاءً روحياً في مرحلة الطفولة حتى ينمو ويشيب عليه.. وان يكون سلوكه سلوكاً إسلامياً يتفق مع ديننا الحنيف وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية والعربية. وما يميز المسلمين عن غيرهم أن أنتمائهم للوطن هو عبارة عن أنتماء للعقيدة السماوية لأن حب الوطن من الايمان.. أي أن على كل فرد منا أن يترجم حبه لوطنه ترجمة فعلية ويؤدي واجباته تجاه وطنه على أكمل وجه وكلما أدرك الفرد في كل موقع من مواقع الحياة الاجتماعية متطلبات هذه المسؤولية الاجتماعية، وما ينبغي عليه إيفاؤه من حقوق الآخرين ومحاسبته في حالة التقصير، وما الذي عليه عمله كي يستحق حقوقه هو الآخر.. ففي المجتمعات المتقدمة نجد أن جانب إيفاء حقوق الأفراد ثم المجتمع هو الذي يرفع من مستوى انتاجية الأفراد وبالتالي إنتاجية المجتمع.. ولعل المأساة تكمن، عندما يتحول الوطن والعلاقة به إما علاقة حب فقط دون تطبيق لما يتطلبه هذا الحب، أو العكس عندما تكون العلاقة استثماراً لصالح الفرد وإعلاء لمصالحه الذاتية، وتغييب (الصالح العام).. وكلا النمطين سيئ ولا يدخل في سياق الانتماء وحب الوطن.. ولهذا فالحديث عن المواطنة وعن حب الوطن يرتبط بالحديث عن الفرد الواعي، الذي يستوعب حقوقه وواجباته ويدافع عنها ويسهم في تفعيلها.. والوعي الوطني هو الوعي المطلوب الذي يرتقي بالمواطن في علاقته بالوطن إلى أن يكون الإنسان الفاعل وليس الخامل.. الإنسان الذي يدرك انه مع الآخرين وليس ضدهم أو ظلهم!! وتنمية الوعي لدى المواطن، هي مسؤولية مؤسسات المجتمع ابتداء من الأسرة والمدرسة ومروراً بوسائل الإعلام وبالطبع (المسجد) محور بناء الذات الذي كان وسيبقى هو مركز التغيير الإيجابي لكل فرد وكل مواطن.. قنوات المجتمع المفتوحة بين الأفراد بعضهم البعض أو بين الأفراد ومن يمثل المؤسسات التغييرية، هو المطلب، وبناء المجتمع والحفاظ على ثباته وتوازن أداء مؤسساته مسؤولية الجميع. دعونا نجسد حب الوطن في تحقيق (المواطنة الصالحة).. في تعزيز الوعي الايماني بحمل الأمانة.. عندما تكون عبئاً يحمله الفرد وليس شعاراً يقوله فقط.. حبنا للوطن.. ليس الأهزوجة أو الشعارات.. بل هو المقدرة على الحفاظ على أمنه وأمانه. [email protected]