دشن مكتب المفوضية الأوروبية بصنعاء، وسفارة الولاياتالمتحدة، ومنظمات أمريكية عاملة في مجال تنمية الديمقراطية برنامج تحرك واسع، لنزع فتيل الأزمة السياسية الراهنة بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، والسعي للتوفيق بينهما وفق صيغة ضمانات مشاركة في الانتخابات النيابية القادمة في أبريل 2009م. وبحسب مصادر سياسية مطلعة ل"نبأ نيوز"، فإن قرار المفوضية الأوروبية للتدخل جاء مشفوعاً بالغموض الذي أكتنف موقف أحزاب اللقاء المشترك من الانتخابات، والذي تقاطع مؤخراً بين من يؤكد المشاركة "مهما كانت الظروف"، وبين من يؤكد المقاطعة "ما دامت اللجنة العليا للانتخابات التي اقرها البرلمان باقية"، وهو ما فسره الأوروبيون على أنه ترجيح لخيار المقاطعة، واستبقهم الأمريكيون في وقت مبكر إلى معنى قريب. السيدة "ماري هورفرس"- القائم بأعمال المفوضية الأوروبية بصنعاء- وبعد لقاء مطول مع قيادة الحزب الحاكم خلال الأسبوع الماضي، اجتمعت أمس الثلاثاء بقيادة المجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك برئاسة عبد الوهاب الآنسي، وناقشت النقاط التي يتحفظ بسببها المشترك على موقفه إزاء الانتخابات، ومنها تعديل قانون الانتخابات، وتشكيل اللجنة العليا، والمعتقلين على ذمة أحداث الجنوب. إلاّ أن السيدة "ماري هورفرس"، وبحسب مصادر حضرت اللقاء، لم تجد كثيراً من الإشكاليات فيما أبداه الآنسي، باستثناء اعتراضها على زج موضوع المعتقلين بالشأن الديمقراطي، وطرحها لتوصيات بعثة الاتحاد الأوروبي لعام 2006م كصيغة للتوافق بين مختلف الأطراف، والمشاركة على أساس من ضوابطها.. إلاّ أن تعدد رؤى المشترك، ومحاولة تشعيبه لما كان مطروحاً من قضايا، دفع السيدة "هورفرس" لتحذير المشترك بشدة من مغبة التنصل من المشاركة الانتخابية، وما قد يترتب عن ذلك من مواقف خارجية، يعرف المشترك جيداً أنها قد تقصيه من تحت الأضواء السياسية...!! وفيما وجد الآنسي نفسه أمام رغبة أوروبية للفصل بين القضايا السياسية وقضايا الديمقراطية، فإن قلقه يتعاظم من أن يتسبب أي تراجع عن موضوع المعتقلين بتعميق هوة الخلاف بينه وبين شريكه "الحزب الاشتراكي".. لذلك لم يجرؤ المشترك لحد الآن على الرد على طلب الرئيس صالح بكتابة قائمة بأسماء المعتقلين المراد إطلاق سراحهم، لأن الانسي يرفض أن يكون موضع لوم جناح كبير من حزبه "المتشددين" إذا ما شملت القائمة أسماء متهمين بقضايا جنائية! كما أنه في الوقت الذي أكد أمين عام التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري سلطان العتواني في المؤتمر الصحافي الذي عقده يوم الأحد الماضي على أن المشترك لن يشارك بالانتخابات ما دامت اللجنة العليا للانتخابات باقية، فإن السيد "بيتر وليمز" مدير مؤسسة "أيفس" الأمريكية للدعم الديمقراطي، لم يتوان عن توجيه رسالة واضحة للمشترك يؤكد فيها اعترافه باللجنة العليا للانتخابات المقرة مؤخراً، من خلال اتفاقه يوم الثلاثاء مع خالد عبد الوهاب الشريف- رئيس اللجنة- على إعداد مسودة وثيقة تفاهم مشتركة بين اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء والمؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية "ايفس"، بغية تنفيذ برنامج لدعم النشاط الإعلامي، والسجل الانتخابي، وتقديم الدعم الفني بدعم من وكالة التنمية الأمريكية. وأكد السيد "بيتر وليمز"- خلال اللقاء- استمرار تقديم "أيفس" الدعم لليمن في المجال الديمقراطي والانتخابي للإعداد والتحضير للانتخابات البرلمانية القادمة.. ومع أن الأوربيين لم يبرحوا التزاماتهم إزاء مساعدة الديمقراطية اليمنية، خاصة في إطار اللجنة العليا للانتخابات وبرامج منظمات المجتمع المدني، إلاّ أن التحركات الأمريكية كانت هي الأنشط، غير أن الانتقادات اللاذعة التي وجهها السيد "بيتر ديمتروف"- مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي NDI– لمواقف المشترك، وما ترتب عنها من هجوم مضاد، قاد إلى تراجع دور الNDI وبروز السفارة الأمريكية بصنعاء كلاعب رئيسي على مسرح الديمقراطية، دون أن يلغي ذلك دور مؤسسة الدعم الديمقراطي الأمريكية "أيفس IFES" التي عملت على نحو يقترب من صفة "الاستشاري" بجانب الحزب الحاكم طوال فترة مخاض تعديلات قانون الانتخابات، والتي مهدت للعديد من التوافقات التي تمت حينها! السفارة الأمريكية بصنعاء عقدت منذ مطلع الأسبوع الماضي سلسلة لقاءات واجتماعات مع صناع القرار السياسي اليمني.. وفي يوم الأربعاء 27 يوليو انتقل الملحق السياسي والعسكري الأمريكي إلى طاولة اللقاء المشترك ليتداول الشأن الانتخابي، لكنه لم يخرج بموقف محدد في النهاية حيث أكد له قادة المشترك بأنهم لم يحسموا أمرهم بعد، وهو ما تجلى للدبلوماسي الأمريكي بأن المشترك يعاني من شتات داخلي في الموقف، وأنه في وضع أقل من أن يؤهله للإقدام على أي خطوة واثقة.. ومن هنا نصح الملحق العسكري والسياسي قادة المشترك بالتفكير جيداً، وأن من مصلحتهم المشاركة بالانتخابات باعتبارها جوهر الديمقراطية، كما أن ترددهم في خوض الانتخابات البرلمانية القادمة سيجعلهم يخسرون الكثير وبخاصة في انعزالهم عن القواعد.. وتضمنت نصائحه أيضاً بأن عليهم المشاركة بالانتخابات وكذلك في اللجنة العليا لانتخابات وممارسة دورهم في المعارضة بدلاً من الموقف السلبي الذي يريدون أن يضعوا أنفسهم فيه. وفي مطلع الأسبوع الجاري عقد مسئولون في السفارة الأمريكية بصنعاء سلسلة اجتماعات أخرى مع الجانب الرسمي، تضمنت رهانات ديمقراطية وأمنية.. لتتحالف كل الظروف باتجاه إسقاط ذرائع المشترك في التنصل عن المشاركة، بعد أن استنفذ الحزب الحاكم كل ما في جعبته من تنازلات- بل وما في خزائنه من أموال. فالأوربيون والأمريكيون لن يسمحوا لأي قوة كانت بإفشال التجربة الديمقراطية في اليمن، لأنهم يريدونها نموذجاً معززاً للصورة الايجابية للتحول الديمقراطي في المنطقة، لتعويض ما لحق بالديمقراطية من ضرر بالغ جراء تجربة العراق.. لكن عندما يتعلق الأمر باليمن، فإنهم على استعداد كامل للعب حتى بالأوراق الأمنية السرية المتعلقة بما يدور حالياً من "حراك سياسي"، وخيوطه، وقنواته- وهو الأمر الذي كشفته "نبأ نيوز" في وقت سابق من أن الأمريكان أبدوا لصنعاء استعدادا لممارسة الضغوط على دول الجوار للحد من أي نشاط سياسي مناهض أو تمويل للجماعات الداعية للانفصال. وبعيداً عن المناخ الدبلوماسي الرسمي، فإن (أيفس) و(NDI)، هما المنظمتان الأمريكيتان المطلعتان على تفاصيل الحوار السياسي بين الحزب الحاكم والمشترك- والذي ما زال المشترك محتاراً بين أن يسميه (حوار)، أم (تشاور)، أم (تواصل)- طبقاً لما أكده عبد الوهاب الآنسي الذي قال: أنهم استبدلوا مصطلح "التحاور" ب"التشاور"، لكنهم لاحقاً اكتشفوا أن المصطلح ذاته عقيم فتم استبداله ب"التواصل"، وهو الأمر الذي جعل (أيفس) و(NDI) يعبران عن ارتيابهما حول مدى قدرة المشترك على تحقيق أي اتفاق على أي صعيد يذكر، حتى ولو كان ذلك مع نفسه..! اللقاء المشترك الذي حمل في جعبته الكثير من التعنت، والعناد ربما سيندفع أخيراً للمشاركة- وهو صاغر- ليس حباً في الانتخابات، بل لأن أوروبا وأمريكا هما وحدهما القادرتان على جعل ما يسميه بالحراك السياسي نسياً منسيا، طالما كل شيء يدار عبر واشنطن وعواصم أوروبا.. ولأن بوابة البنتاغون هي الوحيدة القادرة على قلب المعادلات- قبل ان يرتد طرف المشترك- وبمجرد الإعلان عن أي قائمة جديدة عن متورطين بالإرهاب..!! وأمام خيار المشاركة عشرات علامات الاستفهام حول مستقبل علاقات أحزاب المشترك فيما بينها البين، والتي تنذر بموسم عاصف.. سنتناوله في تقريرنا اللاحق.