قبل عقدين لم تكن سوى تلميذة حالمة بالحياة، يفتنها سحر حضرموت، فتجعل منه لوحة تسرق عيون معلماتها، ويسعدها أنها تعود للبيت وبيدها شهادة تقديرية..! غير أن (بثينة الكاف) التي تزوجت موظفاً بوزارة الخارجية اليمنية بعد عام من إعلان الوحدة، لم يكن يخطر على بالها أن الفرصة ستوافيها لصقل موهبتها الفنية، وأنها ستصبح ذات يومٍ فنانة محترفة، بل وزوجة وزير ناجح! بثينة الكاف.. حملت موهبتها الفنية إلى بيت الزوجية، ووجدت في "هوس" المرأة بالأزياء مضماراً يستهوي أناملها، فصارت ترسم الأزياء وتصمم ملابسها بنفسها، وتضع أنفاسها الفنية في كل ركن من بيتها، بل وحتى على كراسات أبنائها- فقد أصبحت أماً لولدين وبنت! غير أن ولادة الاحتراف لم يكن إلاّ في عام 2006م، حين وطأت قدماها باريس برفقة زوجها أمير العيدروس الذي أصبح سفيراً لليمن في فرنسا.. إذ التحقت السيدة بثينة الكاف بالجمعية الفرنسية (Bienvenu) التي تهتم بالدبلوماسيين.. وهناك فجرت بنت اليمن الحضرمية طاقاتها الإبداعية.. ففي غضون عام تعلمت الفرنسية وأمست تنطق بها بطلاقة، ودرست فن الرسم على خزف البورسلين، حتى أتقنته، وبحرت في أسراره! عندما التقتها "نبأ نيوز"، أخبرتنا أنها عندما وصلت باريس كانت رغبتها جامحة لاستثمار وجودها في بلد كفرنسا، وكان علمها بالجمعية الفرنسية قد فتح آفاقاً رحبة من الأمل لعمل شيء ما.. وقالت أن زوجها- سعادة السفير- شجعها كثيراً جداً على صقل موهبتها، وتطوير ذاتها الإبداعية، وإنه هو من أوحى لها بأهمية ترجمة هويتها اليمنية عبر نتاجها الفني، من خلال رسم بعض معالم التراث والحضارة اليمنية، فكان أن تجلت العمارة اليمنية في الغالبية العظمى من رسوماتها على الخزف. وتشير الفنانة بثينة الكاف إلى أن أستاذتها في الجمعية الفرنسية وزميلاتها وقفوا أيضاً بإعجاب أمام المعالم اليمنية وهي تطرز صفحات الخزف، وتطبع في الحدقات مشاهداً لعراقة حضارية فريدة، وأصالة عمرانية قلما تقع أعين المرء على نضير لها.. وتؤكد أن "في اليمن جمال يستحق أن تُطرز به عواصم العالم". في السادس من يونيو الماضي- وعندما كانت السيدة بثينة الكاف قد أصبحت "حرم معالي وزير النفط والثروات المعدنية"- فوجئت بفوز إحدى لوحاتها بمعرض الجمعية الفرنسية بشهادة أفضل لوحة، وكان موضوعها مدينة يمنية مرسومة على البورسلين، فلم يعد هناك من يضاهي الفنانة "بثينة" في رسم المدن اليمنية على البورسلين..!! وعن المهارات التي اكتسبتها من الجمعية الفرنسية، تقول السيدة بثينة أنها كانت بحاجة إلى معرفة أكثر دقة بالألوان، ومهارة استخدامها على البورسلين، وبعض المسائل البسيطة الكفيلة بصقل موهبتها على نحو احترافي، وهو الأمر الذي لم يستغرق معها زمناً طويلاً.. وتؤكد: أن سر إبداعها في رسم المدن اليمنية على البورسلين لا يكمن في تقنية اللون أو الصورة بقدر ما هو في الإحساس الوجداني الذي يضفيه الفنان على اللوحة، "فأنا أتلمس مشاعري في كل جزء منها، واسترق السمع لنبضي اليمني وهو يخفق بين الألوان مترجماً كل ما يدور في خلدي"!! السيدة بثينة الكاف- التي تعتزم قريباً إقامة معرضها الأول في اليمن- أنموذج لإرادة إنسانية خلاقة، لم تثبط أحلامها دهشة "الشانزليزيه"، بل طرزته بنكهة التأريخ، ورسمت منها وجهاً يمنياً يبتسم كلما طلّ فجر على مدينة النور..!