مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المذاهب الإسلامية بين الأصل السياسي واللعبة الطائفية
نشر في نبأ نيوز يوم 12 - 09 - 2008


مدخل:
إذا كان الحديث عما هو سياسي في المذاهب الإسلامية هو من الحساسية والصعوبة بمكان فإن البحث فيه من منظور اجتماعي هو الأصعب بكثير لسبب بسيط هو أن السياسة والاقتصاد والاجتماع وشتى مناحي العلوم الإنسانية الحديثة قد تم حشرها أو استيعابها في إطار ديني وعقائدي بقصد أو بدونه، حيث برزت السياسية والاقتصاد والاجتماع وحتى العنف والتطرف والإرهاب لا بإعتبارها قضايا اجتماعية ودنيوية من صنع البشر وقابلة للنقاش وبالتالي للقبول والرفض والأخذ والعطاء والتغيير والتغير كما هو المفترض بل باعتبارها شرعاً دينياً وعقائدياً خيراً كان أم شراً غير قابل للنقاش، وما على كل صاحب مقصد من المقاصد كي يبلغ مقصده إلا أن يرتدي عبأت الدين ويستظل بظلها لا كمجرد شريعة قابلة للخلاف والاجتهاد طبقاً لقاعدة جلب النفع ودفع الضرر بل وباعتبار ذلك عقيدة إيمانية غير قابلة للنقاش.
فالحاكم الظالم ومرتكب الكبائر طبقاً لمذهب (المرجئة) لا يجوز محاسبته أو الخروج عليه بإعتباره ولي للأمر وحساب ولي الأمر، على أخطاءه ليس موكول إلى الخلق في الدنيا بل موكول إلى الله سبحانه وتعالى فقط في الآخرة أو مرجع حسابه إلى يوم القيامة، لا إلى الناس في هذه الدنيا، والأكثر خطورة مما سبق من المقاصد السياسية غير المشروعة تحت المظلة الدينية هو ما ذهب إليه المذهب الرديف للمذهب السابق فيما عرف بمذهب (المجبرة) القائلون بأن الإنسان مسير لا مخير وأن الحاكم الظالم والطاغي بالتالي ليس مختاراً في فعل ما يفعله بل هو محمول على الجبر المقدر عليه سلفاً من الله سبحانه وتعالى ولا يحق للناس بالتالي محاسبته على أفعاله خيرةُ كانت أم شريرة لأنه مجبر على فعل ذلك وليس مختار فيه، بل وصل الأمر بهذا الاتجاه المذهبي المبكر في التاريخ الإسلامي إلى حد إسقاط مبدأ الثواب والعقاب عن الناس جميعاً ظلمة كانوا أم مظلومين لأن الله عز وجل في تقديرهم ومقاصدهم غير السوية هو عادل ومن العدل أن لا يعاقب إنسان على فعل قدره الله عليه سلفاً متذرعين بتأويل سيئ المقصد هو نص الآية الكريمة {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (96) سورة الصافات.
هذا النموذج من التمذهب السياسي المنحاز لنصرة الظلم والاستبداد وتبريره بما لم ينزل الله به من سلطان والذي أبتلي به الإسلام والمسلمين قد كان هو التأسيس الأول لإرهاب الحاكم ضد المحكومين وهو الأمر الذي فتح الباب أمام الإرهاب المضاد بمذاهبه ومقاصده المختلفة والذي لم يتوقف عند مجرد رفع الظلم بل تجاوزه إلى دعاوى الحق الألاهي المطلق في السلطة والثروة دون بقية الخلق وتحت نفس المظلة الدينية وباسمها، وما القول باعتبار الخروج على الإمام أو الحاكم الظالم بحد السيف شرطاً من شروط إكتمال إسلام المسلم طبقاً لرؤية المذاهب الأخرى إلا نموذجاً آخر لرد الفعل المتطرف والذي لا يختلف في مقدماته ونتائجه عن الفعل الأول الذي تسبب في إيجاده.
وفي سياق دوامة بدأت من صراع المصالح السياسية حول الاستئثار بالسلطة والثروة كجوهر والتمذهب الديني كمظلة شكلية قبل أكثر من عشرة قرون من تاريخ الإسلام والمسلمين ولم تنتهي بعد حتى اليوم جدير بنا أن نسلط الضوء على هذه الدوامة المحنة وأن نسمي الأشياء بمسمياتها ونوقف الخلط بين ما هو دنيوي وشرعي أو تشريعي مقتضاه العقل والتغيير والتَغير بما يتوافق وقاعدة جلب النفع ودفع الضرر الخاص والعام من جهة وبينما هو روحي مقتضاه التسليم بما هو إيماني وعقدي من ما هو معلوم من الدين بالضرورة من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث والحساب والعقاب،وأن لا تُركب العقيدة فوق الشريعة أو نخلط بينهما لغرض في نفس يعقوب، لأن الشريعة التي مقتضاها العقل والمعاملة بين البشر بما يضمن جلب النفع ودفع الضرر هي شأن البشر فيما بينهم في هذه الدنيا. أما العقيدة التي مقتضاها الإيمان بالله والعلاقة بين العبد وربه ولا وصاية لأحد على ذلك أو حق له في توظيف ما هو إيماني لتبرير مقاصد سياسية واجتماعية نفعية.
ذلك أن الخلط بين الأمرين قد كان ولم يزل كما لاحظنا من الأمثلة السابقة هو أس مشكلة الماضي كما هو أس مشكلة الحاضر وربما المستقبل إذا لم نبادر إلى إبانة الفرق بين الأصل السياسي والاقتصادي واللعبة الطائفية في المذاهب الإسلامية.
والذي سنتتبعه في هذه الورقة من خلال مذاهب السنة والشيعة وهما النموذج الأبرز والأشمل في سياق التاريخ والتطور السياسي والاجتماعي للمجتمع العربي والإسلامي، وكيف أنهما مجرد وجهان لعملة سياسية واحدة لا علاقة لها بجوهر دين الله الحق إلا من رحم ربي، وذلك ما يتضح من خلال البنود الآتية في هذه الدراسة.
أولاً: الأصل السياسي للسنة والشيعة معاً:
نعم هو الحديث القديم الجديد بين تيارين سياسيين عظيمين في التاريخ والتراث العربي الإسلامي بالدرجة الأولى، ومذهبين دينيين بالدرجة الثانية، تيارين تحكمهما دوافع السلطة السياسية وإيديولوجيا المصالح الطبقية قبل أن تحكمهما قواعد الدين النقية، أو الانتماءات القومية والطائفية التي تروى عنهم أو يروونها عن أنفسهم ككلمات حق يراد بها باطل أحياناً، أو ككلمات باطل يراد بها ما هو أبطل في كثير من الأحيان، بدءاً بواقعه التحكيم بين علي ومعاوية مروراً بتدنيس يزيد للكعبة المشرفة بسنابك خيله ورجله، وانتهاء بمأساة الحسين وآل بيته في كربلاء وحتى المهدي المنتظر ..الخ، فهل كان الإمام علي كرم الله وجه وسبطه الحسين وحتى المهدي إمام الشيعة المنتظر أو غير المنتظر على الأصح هم شيعة بالمعنى الذي نعرفهم أو يقال عنهم اليوم، وهل كان معاوية رضي الله عنه كاتب الوحي الأول ومؤسس الإمبراطورية العربية الإسلامية وابنه يزيد هما سنة بنفس المعنى السابق.
إن كلا الاتجاهين لم يكونا كذلك ومنذ البداية سنة وشيعة قط، لا لمجرد أننا نحن من اخترع هاذين المفهومين بعد ذلك بزمن غير قصير فحسب بل ومن اسقط عليهما وعلى كل من سبقهما من مفكري وقادة صدر الإسلام صفة التسنن أو التشيع بغير حق، بدءاً باتهام جبريل عليه السلام بأنه أخطأ في توصيل الرسالة إلى محمد r بدلاً من علي، واتهام الرسول نفسه بأنه ما بلغ بخلافة علي كرم الله وجهه، مروراً بخلاف السقيفة بين الأنصار و المهاجرين ثم بين المهاجرين أنفسهم بعد أن استقرت فيهم الخلافة، فأبي بكر وعمر في جانب يرونها "أي الخلافة" في بيت عبد مناف، وعلي وفاطمة بنت محمدr في الجانب الأخر يرونها في بيت بني هاشم، وحتى مصرع عثمان وحرب الجمل، حيث تم انتحال المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان بعد ذلك على هذا الشخص أو ذاك أو هذه المجموعة أو تلك من أجل تأصيل ما لا أصل له من مفاهيم التسنن والتشيع، وعلى أساس ديني عقائدي متعصب في الغالب الأعم، في حين أن الأصل المؤصل عن يقين هو أن كل ما جرى وما يجري حتى اليوم هو صراع وجدل سياسي وفكري منطقي وطبيعي في حياة أي مجتمع من أجل الظفر بالسلطة بالنسبة لمن لم يظفر بها بعد وهم من عرفوا لاحقاً منذ القرن الثاني الهجري باسم الشيعة، أو التمسك بها والدفاع عنها بأي وسيلة وأي ثمن بالنسبة لمن يكون قد ظفر بها ممن عرفوا بالسنة فيما بعد أيضاً وهو جدل سياسي واجتماعي منطقي وطبيعي في حياة كل مجتمع مع اختلاف الأشكال والمسميات ومأساة هذا الجدل السياسي هو أقحام الدين فيه وإخفاء السياسة خلفه ما يفضي إلى فساد الدين والدنيا معا , وما واقعنا اليوم إلا خير شاهد على ذلك.
ثانياً: السنة كمرادف للسلطة والشيعة كمرادف للمعارضة:
ومن عجائب الصدف بل وثوابت الواقع والتاريخ العربي الإسلامي لكل مدقق في مفهومي الشيعة والسنة كسياسة وأيديولوجيا أنهما لم يكونا مذاهب دينية خالصة ولا حتى مبادئ فكرية وسياسية ثابتة بقدر ما هما صفتان ملازمتان للسلطة والمعارضة، فإذا ما استبعدنا أو استثنينا الجانب الديني والفقهي البحت البعيد عن جدل السلطة وهو الأقل فإن السنة هي مفهوم مرادف لكل من يحكم والشيعة مفهوم مرادف لكل من يعارض، فكلاهما شيء واحد حينما يكونا في المعارضة وخارج السلطة تحت مسمى الشيعة ومنطلقاتها السياسية الداعية إلى الثورة والخروج على الظلم والجهاد ضده، وكلاهما في المقابل شيء واحد حينما يكونا في السلطة أو بمجرد أن يظفران بها، تحت مسمى السنة بمنطلقاتها القائمة على وجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه عند ساسة السنة، حتى ولو طغى وبغاء وأفسد، لأن الخروج عليه فتنة أكبر من كل طغيان أو فساد يقترفه، مقابل العصمة المطلقة للإمام الشيعي الحاكم من كل خطأ والارتقاء به إلى مصاف الألوهية المقدسة عند ساسة الشيعة، وإذا كان وجوب الجهاد عند ساسة من يسمون بالسنة والخروج على الظلمة عند ساسة من يسمون بالشيعة هما شيء واحد من حيث الموضوع والدلالة بالنسبة لكل من يعاني من مظالم السلطة ويريد الظفر بها فإن عدم جواز الخروج على طاعة ولي الأمر والإمام المعصوم عند كلا الاتجاهين عند ما يكونان في السلطة هي القاعدة المشتركة لكليهما، فهما شيء واحد في أقصى اليمين المتسلط من أجل الحفاظ على السلطة والدفاع عنها وهما الشيء نفسه في أقصى اليسار الثوري حينما يكونان خارج السلطة وبصدد البحث عنها، مع فارق بسيط هو أن ساسة السنة أكثر واقعية وبرجماتية حينما يقررون عدم عصمة الإمام واحتمال خطأه وظلمة بل وفسقه , مقابل مثالية ولاهوتية الطرف الأخر القائل بعصمة الإمام وقدسيته، وهذا الاختلاف الجزئي في شكل الوسيلة لا يؤثر قط على جوهر ووحدة الهدف والنتيجة المتعلقة بوجوب الطاعة العمياء للإمام الحاكم وعدم الخروج عليه سواء كان ظالماً فاسقاً كيزيد أو خرافة ووهماً كالمهدي المنتظر.
ثالثاً: الكل شيعة ثورية في المعارضة وسنة مستبدة في السلطة:
وإذا كان السياق التاريخي لأحداث ومتغيرات الدولة والمجتمع العربي الإسلامي قد جعل من السنة أو مفهوم السنة كيمين أكثر ارتباطاً وديمومة واستبداداً في السلطة في الغالب وأشبه ما يكون ذلك بالقاعدة العامة التي لا تخلوا من الاستثناءات، فقد ارتبط المفهوم الثوري الراديكالي المعارض بالشيعة كيسار معارض، مقابل ارتباط المفهوم الرجعي الاستبدادي للسنة كيمين حاكم، وشاع هذا التصور غير الدقيق في الفكر والممارسة العامة إلى الحد الذي جعل من مظالم وأفاعيل يزيد النكراء ودم الحسين وآل بيته الأبرياء الشعار الذي تنطلق منه كل المعارضات اليسارية للسلطة تحت مسمى الشيعة باتجاهاتها المختلفة، وسيف ونطع أبو جعفر المنصور هو نموذج السلطة اليمينية المتسننة التي تنتهي إليها كل معارضة شيعية (خوارج كانوا أو معتزلة أو قرامطة أو زيدية أو جعفرية) فالكل شيعة في المعارضة وسنة في السلطة من أبو عبدالله السفاح مؤسس الدولة العباسية في بغداد مروراً بالمعز لدين الله الفاطمي في القاهرة وحتى ملك اليمن المتمزيد وخميني إيران الثائر المنتصر الجديد.
فمن يستطيع أن ينكر أو يتنكر لحقائق التاريخ ووقائعه التي جعلت من مؤسسي الدولة العباسية وسائر دعاة البيت العباسي متشيعين لدم الحسين وآل بيته حتى الثمالة في صراعهم ضد البيت الأموي من أجل الوصول إلى السلطة، وما أن ظفروا بها حتى انقلبوا على أفكارهم وعلى من تبقى من آل البيت أنفسهم ونكلوا بهم ربما أكثر مما نكل بهم الأمويون، وأعلنوا تسننهم بمقولة أبو جعفر المنصور [من أراد البيعة فهذا – وأشار إلى المال – ومن أبى فهذا – وأشار إلى السيف] وكان له بذلك حق السبق في تأسيس قاعدة التشيع في المعارضة والتسنن في السلطة، وهذا هو المعز لدين الله الملقب بالفاطمي والمؤسس لما يعرف بدولتهم في مصر، والذي قامت دولته على اكتاف الحركات الشعبية الثورية النقية للخوارج والقرامطة والشيعة الحقه في شمال أفريقيا والجزيرة العربية، والذي ما كاد يمسك بالسلطة ويؤسس مدينة القاهرة والجامع الأزهر كمنبر لآل البيت بمساعدة وزيره الشهير والقوي جوهر الصقلي حتى أنقلب على تشيعه وفاطميته وتنكر لكل الذين اتكأ على أكتافهم في نصرة دولته وملكه من الفرق والحركات الثورية السابقة ونكل بقادتهم وحشد جموعهم من جزيرة العرب وصعيد مصر وليبيا ونفاهم إلى تونس وما يليها من بلاد المغرب فيما يعرف بالمسيرة الهلالية أو السيرة الهلالية.
ولم تكن إمامة اليمن الزيدية الاعتزالية المتشيعة بأقل حرصاً والتزاماً بقاعدة التشيع الثوري النقي والأصول الأعتزالية العقلانية المستنيرة وهي في المعارضة، ثم التسنن الملكي الرجعي المتخلف في السلطة بعد الوصول إليها، حيث كانت تقوم بنشر مبادئ العدل والتوحيد في الداخل ودور رأس الحربة المتقدمة في النضال ضد الغزاة من الخارج من الأتراك والبريطانيين قبل أن تظفر بالسلطة وتستقر في يدها ثم ما لبثت أن تحولت إلى ملك استبدادي وراثي عضود بعد أن ظفرت بها من الأتراك في مطلع القرن العشرين على يد الإمام يحيى، والذي استخدم ما يعرف بفرق "المغاغة"() لقتل كل شركائه في الفكر والنضال من أجل السلطة ومعارضيه في التحول من الشورى والبيعة إلى الوراثة والملك العضود من عشرات العلماء والمفكرين والمناصرين، وإذا كان أبو جعفر والمعز وملك اليمن قد ذهبوا بعد تشيعهم ثورة في المعارضة وتسننهم استبداداً في السلطة، فمازال الزمن والتاريخ يعيد نفسه كما يقل حتى اليوم فهاهي مملكة الأردن والمغرب اللتين يكرس كل منهما حقه المقدس في السلطة باسم شيعة آل البيت وتمارسها سنة مستبدة بالتعاون مع آل صهيون والغزاة الأمريكان، وهي السنة التي لا تختلف في شيء عن شيعة السيستاني في العراق التي وصل أنصارها مؤخراً إلى السلطة على ظهور الدبابات الأمريكية التي اقتحمت حمى بغداد عاصمة الرشيد وانتهكت كل حرماتها.
شيعة السيستاني اللاهوت الأكبر والأعمى الذي يرفض الفتوى أو حتى مجرد القول بحق العراقيين في محاربة الاحتلال الأمريكي أو يجيز ذلك بحجة خرافية ولا هويته المظهر وصهيوينة وأمريكية الجوهر - أدرك السيستاني ذلك أم لم يدركه - مفادها قاعدة التشيع الجعفرية العمياء القائلة بعدم جواز الخروج على الظلم أو محاربته قبل عودة الإمام المهدي المنتظر، لأنه لا خروج إلا بوجوده ولا تسير الجيوش إلا بقيادته، وهي حجة المسخ الديني والعقلي التي وإن اختلفت من حيث الشكل مع سنة ابن باز إلا أنها لا تختلف معها في شي من حيث الجوهر والنتيجة، وهي الحجة التي ربما تكون قد رأت في بريمر وخليل زاده ولياً لأمر العراق كما هو حال السفير الأمريكي في الرياض والقاهرة وعمان وغيرها من عواصم الأنظمة العربية العميلة كولي محلي لأمرها، وأما البيت الأبيض وبوش وبلير فأولياء أمر العالم كله في حقيقة رأيهم المعلن وغير المعلن، وأمام قداس البيت الأبيض أو "الأسود" على الأصح هذا لا مكان لتشيع الخرافة أو تسنن الاستبداد والفتنة فالكل سواسية وشيء واحد كعبيد مأمورين، أما الخرافة والفتنة فمكانها في الداخل في بث الفرقة والفتن الطائفية والكراهية بين عامة الناس الطيبين والبسطاء الذين كانوا وما زالوا هم الذين يدفعون من دمائهم ثمن هذه الفتن بدءاً من مأساة عراق كربلاء قبل 1400سنة وحتى سنة عراق المذابح الجماعية لصدام حسين والزرقاوي وشيعة فرق الموت المنظم، أما هم ففي أمان وسلام داخل المنطقة الخضراء وفي حماية دبابات وجنود البيت "الأسود" في واشنطن، ولكن إلى حين، خلاصة القول هو كما يقول السيد حسن نصر الله "الشيعة ليسوا حساباً واحداً والسنة ليسوا حساباً واحداً فليحاسب بعضنا بعضاً على أساس مواقفه الوطنية والقومية التي تخدم مصالح وطنه وأمته"().
رابعاً: لا سنة لخائن ولا شيعة لعميل:
تلك إذاً هي سنة وشيعة السلطة في الماضي والحاضر وربما المستقبل المنظور على الأقل مع الأسف الشديد، شيعة البحث عن السلطة بأي وسيلة وبأي ثمن بدءاً من دم الحسين رضي الله عنه وحتى ركوب الدبابات الأمريكية، وسنة سلطة الاستبداد والتمسك بها والدفاع عنها ولو بالتحالف مع الشيطان ناهيك عن الصهيونية والأمريكان، والأدهى من كل هذا وذاك أن الكل في سبيل الوصول إلى السلطة أو الدفاع عنها وأمام الحرص على بقائهم ومصالحهم السياسية الحقيرة وخدمة مصالح حلفائهم من الصهاينة وأسيادهم من الأمريكان هم لا يعرفون سنة شريفة ولا شيعة طاهرة، فكلهم معا بالمال والروح والدم في أفغانستان ضد الروس من أجل الأمريكان لا من أجل الأفغان، وهم اليوم ضد الشعب الفلسطيني عامة وحماس خاصة من أجل الصهاينة والأمريكان، وأخيراً ضد الشعب اللبناني وحزب الله بالذات من أجل أمن حكومة الصهاينة والأمريكان أيضاً، دون أن يشفع تسنن حماس الطاهر وشهدائها الأبرار من أحمد ياسين إلى الرنتيسي لدى سنة الخيانة من حماة الحرمين في مكة أو فرعون مصر الصغير في القاهرة، كما لم يستطع تشيع حزب الله النقي عند أحفاد آل البيت الملوثين بفكر ودم الأنجلوسكسون في بعض الأقطار العربية في الحد من الفتاوى الدينية والمؤامرات السياسية السرية والعلنية لكل هؤلاء وأمثالهم والقاضية برفض نتائج انتخاب حماس ووجوب محاصرتها وإسقاطها وعدم جواز نصرة حزب الله أو الدعاء له، بل والإقدام على التآمر مع العدو الصهيوني الأمريكي بتكليف إسرائيل بالقضاء عليهما معاً، وهما (حماس وحزب الله) اللذان ينتصران اليوم في أول مواجهة حقيقية بين الأمة العربية والعدو الصهيوني، ويعيدان للأمة العربية والإسلامية من الكرامة بعض ما باعه مثل هؤلاء من سماسرة الدين والدنيا بأبخس الأثمان، وهو الأمر الذي لا يجعلنا نشك بل نجزم بأن لا سنة قط لمثل هؤلاء في إتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ولا شيعة لهم في محبته وآل بيته وأصحابه أو الانتماء لهم، بقدر ما أن سنتهم الخيانة والعار وشيعتهم العمالة والمذلة للاستكبار، فلا سنة لخائن ولا شيعة لعميل بعد اليوم.
خامساً: من سنة الخيانة وشيعة العمالة إلى سنة وشيعة الثورة والمقاومة:
والسؤال الصعب بعد كل هذا وذاك هو هل من سنة وشيعة أخرى تغير هذا الوجه القبيح وهذه الصورة البشعة وتعيد لسنة الرسول الأعظم نقائها ولشيعة أهل بيته وصحبه طهرها ولدين الله الحق قبل كل هذا وذاك قوامه المعوج وميزانه المنكسر وروحه المكلومة وعقله المصادر؟ نعم إنها سنة وشيعة المقاومة، سنة وشيعة المقاومة التي تنطلق من وحدة الأصل والغاية بالضرورة وتنوع واجتهادات خطوط ووسائل العمل والتفكير، أصل دين الله الحق ممثلاً بكتابه الكريم أولاً، وإتباع سنة نبيه ثانياً، ومحبة أل بيته وصحبه ثالثاً، لأنه إذا كانت السنة الحقة هي الإتباع والشيعة الصادقة هي المحبة والأصل فيهما كتاب الله فإن القول بالإتباع دون محبة أو المحبة دون إتباع هو نفاق وخروج على الأصل، وإن الإتباع لسنة محمدr ومحبة آل بيته وصحبه هما القاعدة التي لا يستقيم إسلام كل مسلم إلا بهما معاً، وإن التنوع في الاجتهاد والرأي والعمل لا في إطار مقتضى الكتاب وسنة الإتباع وشيعة المحبة فحسب بل وفي كل ما تقتضيه متغيرات الزمان والمكان هي الأسس التي يصبح الخلاف معها رحمة وإنكاره نقمةً ومنعه فساد في الأرض، عملاً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام "خلاف أمتي رحمة" وقوله تعالى [ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض] لأن الحياة بلا اجتهاد ولا رأي ورأي أخر ولا تجدد ولا تبدل في كل شئون الدنيا والدين هو الفساد في الأرض بعينه، بل ونهاية الحياة الإنسانية والانحدار بها إلى شريعة الغاب، وهو ما دأبت عليه سنة التكفير والظلم والظلام من بن باز في بلاد الحرمين الشريفين حتى بن لادن في تورا بورا وشيعة الخرافة والمذلة لسيستاني بغداد الجريحة، في مقابل شيعة الثورة الخمينية في طهران()، وسنة وشيعة الطهر والمقاومة المنتصرة لحزب الله حسن نصر الله في لبنان وحماس أحمد ياسين شيخ الشهداء وخالد مشعل وإسماعيل هنية ورفاقهم المرابطين في فلسطين الهزيمة الماضية والانتصار الواعد للدين والأمة والوطن عما قريب بإذن الله، سنة عقل ورؤية طيب أردوغان وحزب عدالة تركيا وعلم وتقدم مهاتير محمد ماليزيا، وشيعة الثورة الخمينية وقوة وتحدي أحمدي نجاد إيران ونصر الله لبنان، ومقتدى الصدر في بغداد، وعروبة وقومية أسد دمشق الصامدة، وبشير السودان المتوثّبة.
هذه إذاً هي عروبتنا قدراً، وهذا هو ديننا الحق لله إحتساباً، وسنتنا فيه قدوة وإتباعاً، وتشيعنا له ولآل بيته وأصحابه محبة وطهراً، وكل التابعين وتابعي التابعين لهم جميعاً بإحسان إلى يوم الدين، بدءاً بخيرة أئمتنا من صحابة وآل بيت رسول اللهr وخلفائه من بعده أبوبكر وعلي والعمرين مروراً بخيرة حماة كرامتنا وصنع تقدمنا بدءاً من صلاح الدين محرر بيت المقدس من الصليبيين وعز الدين قطز حاميها من المغول والتتار وحتى ثورة الكرامة لعبد الناصر وثورة الاستقامة للإمام الخميني، أما مثلنا الأعلى في الجهاد والشجاعة والتضحية، فسعد بن عبادة قائد فتح مكة وخالد بن الوليد سيف الله المسلول ومعد بن يكرب الزبيدي بطل القادسية وفاتح بلاد ما وراء النهر، مروراً بعبد القادر الجزائري وعمر المختار وعز الدين القسام وحتى أحمد ياسين، أما سنتنا الشريفة وشيعتنا الطاهرة اليوم فحماس فلسطين وحزب الله في لبنان، فكل هؤلاء الذين لا ينبغي أن نفرق بين من قضى نحبه منهم أو من ينتظر لأن كلهم عند الله أحياء إلى يوم الدين هم مثالنا في الجهاد والصبر على المكاره في سبيل الله والذود عن الحمى، أما مثالنا في الإيمان والتقوى والصبر على مكاره الأعداء والظلمة فبلال وسلمان والحسنين وأبو ذر وغيلان الدمشقي والسهروردي ()حتى محمد الدُرة وعميد أسرى المجاهدين سمير القنطار ومروان البرغوثي، أما طريقنا إلى النصر فقد بدأ من بدر إلى حطين ومرج دابق وحتى الوهم المتبدد والوعد الصادق وغداً النصر الأكبر في القدس الشريف بإذن الله وإن غداً لناظره قريب، هذا إذاً مرة أخرى هو ديننا حقاً وسنتنا إقتداءً وشيعتنا محبةً، أما سنة الظلم والتكفير وشيعة الكراهية والمذلة والخرافة فلا ينبغي أن يظل لهما مكان في دين أو موقع في وطن أو حتى مجرد ذاكرة خبيثة في كل نفس طيبة " وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ... ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " صدق الله العظيم.
سادساً: ولنا في الإنسانية سنة قدوة وشيعة محبة أيضاً:
كما أن لنا في الإنسانية كلها ما يمكن أن نعتد به في سنتنا وشيعتنا العربية والإسلامية السمحة، "فهو شيء منه" ونضال الشعب الفيتنامي ضد الغزاة الفرنسيين والأمريكان، و"غاندي وماوتسي تونج ضد الاستعمار والتخلف" و"جيفارا وكاسترو ومانديلا" في مقارعة كل أشكال الاستعمار والإمبريالية والتفرقة العنصرية وحتى "شافيز" هذا الذي يعتز بناصريته وهو في أمريكا اللاتينية() ويطبقها عملاً في سحب سفيره وقطع علاقته بالكيان الصهيوني لا كمجرد رد فعل على عدوان هذا الكيان على لبنان فيما صار يعرف بالحرب السادسة وهزيمته فيها على يد سنة وشيعة المقاومة في فلسطين وجنوب لبنان بل وباعتبار هذا الكيان هو مجرد أداة للإمبريالية الأمريكية التي يخوض شافيز حربه معها على كل المستويات، وهو ما لم يجرؤ على فعله أحد من سنة العار وشيعة المذلة للاستكبار المتسلطة على مقدرات الأمة فحسب، بل وأقدموا على التآمر السري والعلني مع العدو الصهيوني ضد المقاومة المنتصرة.
خاتمة:
وفي الختام يتوجب على كل الأوفياء والاتقياء من عقلاء الأمة أن يتدبروا كل ما قد لحق بالأمة العربية والإسلامية من جراء الفتن الطائفية ويباشروا العمل الجاد والجدي لإخراج أنفسهم والأمة من فتنة سنة وشيعة السطان إلى سنة وشيعة الرحمن، وعلى كل الطيبين من السواد الأعظم من المسلمين على اختلاف مذاهبهم والذين عادة ما يذهبون وقوداً لهذه الفتن فيما بينهم أكثر من مدبريها بينهم، عليهم أن يتقوا الله في أنفسهم وأوطانهم وأن يتدبروا أمور دينهم بأنفسهم دون وصاية أو ولاية من أحد، وأن يعلموا بأن الدين لله وحده وأنه لا يوجد في الإسلام شرعاً قط من يحق له الوصاية أو الولاية على معتقدات وضمائر البشر بما فيهم أنبياء السماء فما بالنا بطواغيت وكهنة ودجالين الأرض، لقوله عز من قائل [أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي حسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" وقوله "إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر] وقول الرسول عليه الصلاة والسلام (من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدً رسول الله حرم ماله ودمه وعرضه وحسابه على الله ) [وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون] صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.