تصاعدت مؤخراً حدة استياء المواطن اليمني في الداخل والخارج من أحزاب المعارضة اليمنية "اللقاء المشترك" التي كان يعول عليها بتقويم الكثير من الأمور التي تكدر حياته، وكان سبب ذلك الاستياء هو تلك الممارسات الخاطئة، والمواقف الهزيلة التي لجأت وتلجأ إليها تلك الأحزاب..! لقد تراجع المواطن اليمني كثيراً في مناصرة هذه الأحزاب، وربما بات يشعر بندم كبير على ما مضى، وخجل كبير أيضاً من بعض التصرفات البلهاء التي استفزت كل حواسه، وجعلته على يقين من كل ما يعاني منه إخواننا في اللقاء المشترك من مشاكل وخلافات داخلية عميقة أججت في أوساطهم بعض الخلافات القديمة التي كانت تعاني منها تلك الأحزاب، وظلت تتبادل الاتهامات بشأنها حتى قبيل تأسيس اللقاء المشترك الذي جمع بين حزبين "متناطحين" تاريخياً، ويعدان من أشد أحزاب المعارضة اليمنية صراعاً واختلافاً أيديولوجياً، وثقافياً. وبالرغم من أن القيادة السياسية ممثلة بالأخ المشير علي عبد الله صالح قد ساهمت بقوة في لمّ شمل تلك الأحزاب، التي لم يخجل بعضها من المطالبة بالشراكة دون أن يمتلك حتى مقعداً واحداً في البرلمان اليمني، إلا إن قيادات تلك الأحزاب المتخبطة تجاهلت دور الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام وإسهامه الكبير في تكوين اللقاء المشترك، فظلت تتعامل مع الوطن والمواطن بإحساس هزيل بالمسؤولية الوطنية التي تقع على عاتقها كقيادات أحزاب سياسية، يناط بها تعزيز قرارات الدولة الإيجابية للنهوض بالوطن بدلاً من نهج أسلوب التقاسم والحنق..! مؤخراً عصفت الخلافات الداخلية بين قيادات اللقاء المشترك إلى درجة أنها لم تتوصل إلى أي توافق سياسي حول الانتخابات، وفضلت البقاء بعيداً مترجمة عجزها في الوصول إلى طريقة سديدة تقودها لصيغة حوار مع الحزب الحاكم والقوى السياسية الأخرى، رغم أن أيادي الآخرين كانت ممدودة للجميع..! ولم تكن لتصل إلى هذه النتيجة لولا انعدام الثقة والمصداقية بين قيادات تلك الأحزاب، وهرولتها المستمرة وراء المصالح الشخصية الضيقة على حساب مستقبل الوطن..! إخفاقات كثيرة جداً منيت بها أحزاب اللقاء المشترك وظلت مكشوفة للجميع في السلطة والمعارضة؛ وهذا ما يلمسه الكثير من المراقبين للساحة السياسية اليمنية، ممن أدركوا مختلف ألوان الفتور والوهن السياسي لدى أحزاب المعارضة.. فتستغرب أحياناً أن أحزاباً كبيرة وقوى سياسية متكتلة تفرغ صحفها وأقلامها وأوقاتها وجل اهتمامها لإصدار البيانات "القوية والخطيرة" لأجل قضية شاعر أو صحفي أو فنان لا تستدعي كل هذه الطاقة والإمكانيات التي تهدرها في نفس الوقت الذي تهمل قضايا الملايين؛ لكنها تقوم بكل ذلك فقط لأجل استخدام قضايا المواطنين كأوراق ضغط تستغلها للتنكيل والتشهير بالسلطة متى ما طاب لها المزاج بعد فترة حنق..! وعلى العكس فإن تلك القوى "المشتركة" تجاهلت وتتجاهل باستمرار قضايا إستراتيجية وهامة، بل وخطيرة هددت وتهدد أمن وسلامة الوطن بأكمله مثل الديمقراطية والحرية وحقوق الموطنين المتمثلة في ضرورة تمثيلهم لأنفسهم في دوائر صناعة القرار السياسي للبلد من خلال المشاركة في الانتخابات.. فضلاً عن أهميتها في تعزيز الممارسة الديمقراطية وثقافة القبول بالآخر، واحترام رأي الأغلبية.. كما تجاهلت هذه الأحزاب كل الدعوات الانفصالية، والمؤامرات الخبيثة التي تستهدف الوطن، وكل التحديات الإقليمية والدولية التي تعني اليمن باعتباره شريكاً أساسياً في مسئولية مكافحتها والتصدي لها مثل أعمال الإرهاب والقرصنة التي ألحقت بالوطن أضراراً بالغة، دونما حتى تنديد من قبل تلك الأحزاب، أو تهديد بالنزول للشارع وتحريك قواعدها لإعلان رفضها القاطع، باستغلال جميع الوسائل وطرق التعبير التي تؤكد تضامنها- كمعارضة شريفة- مع الدولة والحزب الحاكم ومختلف القوى الوطنية..! ولكن كيف يحصل هذا و"فاقد الشيء لا يعطيه" فإخواننا قيادات اللقاء المشترك زمروا وطبلوا كثيراً في إعلاميات أحزابهم، وأطلقوا مواقعاً وصحفاً ملونة ومتطورة وخطوط عريضة، حمراء وصفراء وسوداء، لأجل حرية فنان أو صحفي، ولم يطلقوا حتى نقطة واحدة لأجل حرية وطن وشعب بأكمله، وهم يشاهدون مخلفات قوى الردة والانفصال في الخارج وهم يدعمون بقايا الملكية والاستعمار، ويشيعون العمالة والخيانة والانتقام من الوطن ووحدته وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه. ربما لو أن ضابط أمن ألقى القبض على سائق تاكسي ينتمي إلى أحد أحزاب المشترك وأودعه السجن للتحقيق في قضية جنائية لشاهدنا جميعاً حالة الهستريا القصوى التي ستكون عليها حال تلك الأحزاب وقياداتها، ولسمعنا دوي تهديدها ووعيدها باللجوء للشارع إذا لم يطلق سراح سائق التاكسي الفلاني، وستصنع له تأريخاً، وسجلاً من الأكاذيب تدعي فيها أنه كان يعمل على تعبئة زبائنه الركاب ضد النظام، وكان يقوم بمهمة "وطنية نضالية" لذلك ضبطته السلطات..! للأسف الشديد هذه هي الحقيقة، وإلا فجربوا غداً اعتقال أي شخص من أعضاء أو أنصار اللقاء المشترك- حتى لو كان مواطناً كادحاً يرى إن السجن خير له من المعانة ومكابدة الحياة في ظل غلاء المعيشة- وحينها سوف ترون ماذا سيصنع بكم الإخوان في المشترك، وأي "مناضلين" ستكتشفون..!! لقد تيقن الشارع اليمني أن المشترك أصبح بلا قضية وطنية، وكل همه النبش هنا أو هناك عن موضوع يخرج لأجله الدفوف والطبول والمزامير من كل قرية، ويحشد أقلامه ومنابره ومنافقيه ليقسموا أغلظ الأيمان بأن "سائق التاكسي" لم يعتقل لارتكابه جرماً، بل لأن السلطة علمت بأنه أحد "المناضلين العشرة المبشرين بزعامة اليمن"!! وأخيراً أتساءل: لو أن رئيس كتلة المؤتمر البرلمانية أقسم يميناً كاذباً بالله مثلما فعل عبد الرحمن بافضل رئيس كتلة الأخوان المسلمين، يا ترى كم فتوى تكفير كانت ستصدر بحقه وحق حزبه؟ وكم من الساعات سيستغرق إهدار دمه!؟ وهل سيبقى من يتشرف بأن يقوده وينطق باسمه "حانث يمين"!؟