مقدمة: تعد المشاركة في الانتخابات المجالس المحلية التي تمت في سبتمبر 2006، مدخلاً هاماً للوقوف على السلوك الانتخابي للمرأة أو بمعنى أدق سلوك صوت المرأة أثناء الانتخابات والعوامل التي سيكون لها دور في عملية الاقتراع أثناء الانتخابات، ولعل أهم هذه العوامل هي الكفاءة السياسية للمرشحين وخبراتهم العملية والقناعة بالبرنامج الانتخابي للمرشح. وبالرغم من أهمية عامل الكفاءة السياسية والخبرة العملية للمرشح أو المرشحة في التأثير على الحصول على أصوات الناخبات من النساء والتي ركزت عليها الدراسة, إلا أن هنالك عوامل أخرى تنافس هذا العامل وذات أهمية مثل التأثير من قبل الأسرة أو المحيطون بها أو الانتماء السياسي وإذا كان موضوع الدراسة قد تحدد في السلوك الانتخابي للمرأة والعوامل المؤثرة عليه فيمكن تحديد الأهداف الرئيسية التي تسعى الدراسة إلى تحقيقها، وذلك على النحو التالي: 1. مراجعة التشريعات والقوانين الخاصة بمشاركتها لانتخابية. 2. تقديم تحليل لوضع المرأة كناخبة ومرشحة. 3. دراسة العينات على مستوى كل محافظة. 4. التحديات التي تواجه السلوك الانتخابي للمرأة وما تأثير تلك التحديات على تهميش دور المرأة في المشاركة السياسية وممارسة حقها الانتخابي؟ 5. ما هي الرؤى المستقبلية المقترحة لمساعدة المرأة لتحرير صوتها الانتخابي في ظل العوامل الخارجية؟ وقد اعتمدت هذه الدراسة بوضع استبيان مكون من مجموعة الأسئلة التي تحدد معايير اختيار المرأة لمرشحها، من عينة تضمنت خمس محافظات، هي: أمانة العاصمة، عدن، لحج، حضرموت، الحديدة. تلك العينة الذي روعي فيها ما أمكن أن يكون ممثلاً لأفراد المجتمع في المحافظات الخمس وذلك بغرض التعرف على اتجاهات رأي المرأة في سلوكها الانتخابي في أطار السن القانوني التي يحق لها الانتخاب والتصويت في العملية الانتخابية والعوامل المؤثرة الخارجية لتعبر عن مستوى متفاوت في المؤشرات الأمر الذي يساعد على تقديم الملامح العامة لمستوى التمكين السياسي للمرأة وسلوكها الانتخابي خاصة إذا ما أخذ في الاعتبار ما تمثله المرأة من ثقل وشريحة واسعة في سجل الناخبين. وفي هذا السياق كان لابد من ضرورة للوقوف على البيئة الدستورية والتشريعية المنظمة لمشاركة المرأة في المجتمع، لما تمثله من قاعدة يمكن من خلالها تحليل مشاركة المرأة في الانتخابات من ناحية، وتوضيح أهم العوامل المقيدة لها في الحياة السياسية من ناحية أخرى. أولا- القوانين والتشريعات: عند مراجعة جميع القوانين والتشريعات ذات العلاقة بمشاركة المرأة السياسية: فقد نص الدستور في المادة (4): "الشعب مالك السلطة ومصدرها، ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يزاولها بطريقه غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعن طريق المجالس المحلية المنتخبة" وفي المادة (31): "النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون"، كما نصت المادة (41): "المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة"، وفي المادة (43): "للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وينظم القانون الأحكام المتعلقة بممارسة هذا الحق". أما قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية رقم (66) فقد اشترطت المادة (8) عدم قيام أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس التمييز بين المواطنين بسبب الجنس. وفي قانون الانتخابات مصطلح (المواطن) يعني كل يمني ويمنية (فقرة ب- مادة 2) ويشير أيضاً بأن مصطلح (الناخب) يعني كل مواطن يتمتع بالحقوق الانتخابية وفقاً لأحكام هذا القانون (فقرة ج- مادة2). كما نص قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية بوضوح على تشجيع المرأة على ممارسة حقوقها السياسية حيث نصت المادة (7): "تقوم اللجنة العليا باتخاذ الإجراءات التي تشجع المرأة على ممارسة حقوقها الانتخابية وتشكيل لجان نسائية تتولى تسجيل وقيد أسماء الناخبات في جداول الناخبين"- أي إن جميع التشريعات اليمنية ذات العلاقة بحق الانتخابات كالدستور وقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية وكذلك قانون الانتخابات العامة لا يتضمن أي تمييز أو شروط قانونية في شأن الحق في عملية الترشيح والانتخاب في الانتخابات بين الرجل والمرأة في الجمهورية اليمنية. ثانياً- وضع المرأة كناخبة ومرشحة: تعد الانتخابات المحلية 2006 ثاني انتخابات محلية تخوضها المرأة اليمنية إضافة إلى ثلاثة انتخابات برلمانية في 1993، 1997 وكذلك عام 2003 وبذلك أصبحت المرأة من خلالها أكثر خبرة وأكثر قدرة على التعبير عن احتياجاتها وربما كان لتلك التجربة أثرها الواضح في استمرار حالة الحراك السياسي الذي يشهده المسرح السياسي، باختلاف الآراء والرؤى، والذي يدفع بالمزيد من الاهتمام بالمشاركة السياسية بفاعلية، في ظل وجود فرصة للمشاركة. من هنا، ثمة ضرورة لبيان مجموعة من الحقائق والتي عبرت عنها نتائج وتفاعلات العملية الانتخابية: * الحقيقة الأولى- تتعلق بنسبة عدد المقيدين بالجداول الانتخابية فقد وصلت نسبة المرأة إلى 18 – 42% من إجمالي عدد المقيدين ( 3،900،565 ناخبا) من إجمالي 7.305.536 ناخبا وناخبة، وهو ما يشير إلى زيادة الوعي بأهمية دور المشاركة السياسية للمرأة. * الحقيقة الثانية- تتعلق بنسبة التصويت وبالرغم من عدم وجود إحصائية نستطيع أن نستند إليها إلا أن المراقبين على العملية الانتخابية خلال الانتخابات المحلية 2006 يؤكدون تواجد المرأة بشكل كبير أثناء عملية الاقتراع، وان نسبه تواجدها تجاوزت 35 % من إجمالي نسبة المقترعين. * الحقيقة الثالثة- تتعلق بنسب المشاركة السابقة في الانتخابات البرلمانية والمحلية، إذ تشير الإحصائيات إلى أن متوسط المشاركة السياسية في الانتخابات البرلمانية 2003 قد بلغت حوالي 24.1% ، وفي الانتخابات المحلية 2006 وصلت ما يقرب من 42%. الحقائق الثلاثة السابقة، تشير إلى زيادة مشاركتها السياسية وإن كانت تختلف هذه النسبة من محافظة إلى أخرى نظراً لما تفرضه طبيعة المحافظة والعوامل الخارجية المؤثرة على مشاركتها وتبعيتها للأسرة من أب أو زوج أو أخ. دراسة العينات على مستوى كل محافظة: ثم وضع استبيان لكل محافظه من المحافظات وجمعت النتائج كالتالي: ما هو السبب الرئيسي الذي جعلك تمنحي صوتك لهذا المرشح؟ 1. تشير النتائج انه في معظم المحافظات موضوع الدراسة يوجد غالبية لا يستهان بها من الناخبين تراعي عند منح أصواتها اعتبارات عائلية وانتماءات لنفس المدينة أو القرية أو بناء على توصية من احد الأصدقاء أو المعارف، وقد تراوحت هذه النسبة من 58.7% في أمانة العاصمة إلى 32.2% محافظة الحديدة. 2. يلي ذلك، وبالدرجة الثانية، وعلى قدر أقل بكثير من الأهمية وعدة بحل قضايا متعلقة بالخدمات وحملته المرشح الانتخابية وكذلك نزاهة المرشح وتراوحت بين 36.3% كأعلى نسبة محافظة عدن ثم محافظة الحديدة بنسبة 33.6 وأدناها في محافظة حضرموت. وهذة المعايير هي أهم المعايير التي تؤخد بها عند اختيار المرشحين في الانتخابات لأنها تلبي احتياجات المنتخبين. 3. أما إذا تم الجمع بين المعرفة الشخصية ومن نفس الحي أو المدينة فأن النسبة تكون في محافظة 13.9 في الأمانة واقلها في محافظة لحج بنسبة 9.5 %. 4. أما بالنسبة لعوامل الانتماء إلى أحد الأحزاب السياسية ويقصد بها القناعة الشخصية بالحزب أو بالتنظيم سوى فقد حققت محافظة الحديدة أعلى نسبة 21 % وأدناها في محافظة لحج حيث كانت النسبة 7 %. التحديات التي تواجه السلوك الانتخابي للمرأة: من خلال دراسة العينات نجد أن إن قضية مشاركة المرأة في الحياة السياسية خاصة مشاركتها في العملية الانتخابية ليست قضية ذات قطب واحد فقط ، ولا يكمن حل هذه القضية من خلال التشريعات أو من خلال تواجدها في السجل الانتخابي وإدلاءها بصوتها، إنما القضية الأساسية تتمثل في القضاء على الاستغلال ضد المرأة بكافة صوره وأشكاله من قبل الأسرة والمجتمع وكذلك من قبل الأحزاب السياسية التي تجعل قيمة المرأة رقم مهم فقط أثناء العملية الانتخابية.. أن القضية الأساسية التي تواجهها– من وجهة نظري والتي أكدتها الدراسة– تمثل في الاستقلال بكل صورة وأشكاله من جانب الرجل، هذا من جانب، وفي نظرة المجتمع إليها نظرة مزدوجة ، فقد أتاح لها الدستور جميع الحقوق وشرعت لها القوانين ومنحت فرصة في التعليم والعمل و المشاركة السياسية إلا أنها ما زالت تستغل و قد كبلت بأغلال جديدة ما زالت تناضل حتى الآن للتخلص منها، من جانب آخر. تحديات شخصية وأسرية: المستوى التعليمي للمرأة يؤثر على سلوكها الانتخابي فنجد إن النساء ذات المستوى التعليمي الأعلى يتمتعن بحرية في اختيار مرشحيهم فكلما قل المستوى التعليمي للمرأة فقدت قدرتها على اختيار مرشحها وتلجأ في كثير من الأحيان إلى استشارة احد المقربين لها. كما أن تنشئتها الاجتماعية تعيق المرأة على الحديث على الانتخابات و لا تملك استقلالية القرار حول من ستنتخب. كما إن تبعية المرأة للرجل جعلها تنتخب الحزب الذي يرتئيه الزوج أو الأب أو الأسرة أو من تجده الأسرة مناسبا. تحديات متعلقة ببيئة العمل: المقصود به هنا مكان العمل السياسي الذي تعمل به المرأة سوى كان حزبا أو مؤسسة.. نجد من خلال الدراسة إن الأحزاب السياسية في اليمن لم تتبن قضايا المرأة إلا من بعض الاستثناءات كما أنها لم تتمكن من تكوين أطر تبني قضاياها وعند تحليل تفاعل الأحزاب تجاه قضايا المرأة نجد إن الالتزام العام لمعظم الأحزاب ذات صبغة شكلية وإنما يتعاملون مع التحديات العامة كالفقر والبطالة والصحة دون خوض حقيقي يتلمس قضاياها، وأصبحت المرأة رقم مهم في العملية الانتخابي. كما إن بعض الأحزاب استغلت المرأة إثناء العملية الانتخابية في الترويج للرجل من خلال استقطاب اكبر قدر من الأصوات النسائية. رؤى مستقبلية مقترحة لتفعيل سلوك المرأة الانتخابي دون أي مؤثرات: من خلال ما ورد نرى إن الدستور والبنية التشريعية التي وفرتها القوانين اليمنية تشكل أرضية جيدة لمشاركة المرأة في العملية الانتخابية وكذلك تواجدها من خلال سجلات الناخبين وإدلاءها بصوتها بدون أي مؤثرات خاصة أو عامة أو قد تكون حزبية ولكن ليس بمجرد إقرار القانون أو التشريع تصبح الطريق أمامها ممهده فالعادات والتقاليد والتبعية للأسرة والثقافة لذكرية ما زالت هي السائدة، الأمر الذي يعني إن جهدا كبيرا ينتظر من المجتمع المدني والمنظمات المساندة للمرأة وقضاياها وكذلك من المرأة نفسها وان يكون جهد مدروس وذلك من خلال: 1. العمل على جعل الأحزاب تتبنى سياسة مختلفة تجاه المرأة وسلوكها الانتخابي. 2. توعية المرأة سياسيا بأختيارها للحزب الذي يتبنى قضاياها ويحمل برامج تخدمها وتخدم قضاياها التنموية والتي هي جزء لا يتجزأ من عملية تنمية المجتمع بأكمله. 3. حضور المهرجان الخطابي أو اللقاء المفتوح الذي يعقده المرشح أو المرشحة يوفر للمرأة فرصة للتعرف على المرشح أو المرشحة عن قرب ويوفر الفرصة للتعرف على اقتراحاته أو اقتراحاتها التي ستكرس لخدمة المجتمع كما ان حضورها لهذه النشاطات يوفر لها فرصة طرح تساؤلاتها وأفكارها واحتياجاتها، فللمرأة العديد من لحقوق والمطالب التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. 4. حق الاقتراع هي مسألة سرية خاصة بالمرأة وأي ناخب وليست ملك لأي فرد من أفراد أسرتها وأصدقائها ولا يمكن لأحد أن يعرف لمن أعطت المرأة صوتها فالناخبة تقوم بالتصويت في مكان لا تمكن أحد من معرفة لمن أدلت بصوتها وبالتالي تستطيع المرأة أن تصوت كما يحلو لها دون الخوف من أحد. 5. إزالة جميع أنواع العنف على المرأة و يقصد بالعنف ضد المرأة كل ما يؤدي إلى ضرر يمسها ماديًا أو معنويًا أو نفسيًا والعنف النفسي وهو أشده ويتمثل في نظرة الرجل للمرأة نظرة دونية وفي أنواع من الضغط والإكراه الذي يمارس لإجبارها على فعل لا تريده ومنها سلوكها الانتخابي في اختيار مرشحها. 6. استخدام وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري لتوعية المجتمع بشكل عام، والمرأة بشكل خاص بالقضايا الشرعية والقانونية التي تهم المرأة، وبالإجراءات اللازمة لممارسة حقوقها في المجالات المختلفة وكذلك تعريفها بأهمية صوتها الانتخابي وتشجيعها على التصويت الواعي وذلك من خلال عقد الورشات والندوات وإعداد النشرات والمطبوعات. 7. فتح جميع الفرص الاجتماعية والاقتصادية أمام المرأة والعمل على ضرورة إزالة كافة أشكال التمييز والاضطهاد ضدها حتى تتمكن من توسيع نطاق قدراتها البشرية إلى أقصى حد ممكن، وتوظيف تلك القدرات أفضل توظيف. 8. إجراء البحوث والدراسات العليمة الجادة حول تأثير سياسات تمكين المرأة للقضاء على التمييز والعنف الذي يمارس ضدها سواء داخل الأسرة أو في العمل، أو في المجتمع بصفة عامة. 9. دراسة المسلمات الاجتماعية بمعايير مختلفة يساعدها على القضاء على الاعتبارات التي كانت تعوق مشاركته المرأة الكاملة، الأمر الذي يجعلها أكثر ملائمة لمشاركة سياسية فاعلة. الخلاصة: تعتبر المرأة الشريك الأكبر في العملية الانتخابية مما يتشكل بموجبها قواعد النظم السياسية كالبرلمان والمجالس المحلية، إنها تملك ما تستطيع أن تغير من خلاله إتجاه ونتائج أي انتخابات تشارك فيها إذا مارست حقها دون أي ضغوطات ومما يستدعي التساؤل كيف تكون الشريك الأكبر وتكون حقوقها اقل.. وكيف تكون الشريك الأكبر وهي تحت سيطرة وتبعية الرجل.. إن المرأة جدير بحقوقها التي كفلها لها الدستور والقانون وعليها أن تكف عن انتخاب من يمارس العنف عليها ولا يتبناها في برامجه الانتخابية، عليها أن تكسر الحواجز وتخرج من الدوائر وعليها أن تحدث ثقافتها وان تعيد النظر في المسلمات الاجتماعية بمعايير جديدة ، إن الدور الذي تلعبه المرأة في العملية الانتخابية لا يستهان به وقد أدركت الأحزاب السياسية هذا الدور واستغلت المرأة وقوتها الصوتية بغرض إيصال مرشحيها إلى المقاعد مستغلين في ذلك قلة الوعي السياسي. * رئيسة منتدى القيادات النسوية؛ وكيل وزارة التعليم الفني والتدريب المهني.