أكد الدكتور عبد الله أبو الغيث- أستاذ التاريخ المشارك بجامعة صنعاء رئيس اللجنة النقابية بكلية الآداب- إن الدول الأوروبية بدأت في التآمر على الدول العربية، وأطلقت عليها اسم الرجل المريض، وخططت لتقسيم أملاكها فيما بينها. وقال: إن فرنسا كانت السباقة لمهاجمة مصر أواخر القرن الثامن عشر الميلادي الأمر الذي أثار حفيظة الدول الأوربية الأخرى وبدأت تعمل من أجل الحصول على جزء من الكعكة العربية، حيث تقاسمت الوطن العربي فيما بينها خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الميلادي، وكان لبريطانياوفرنسا حصة الأسد حيث سيطرت بريطانيا على مصر والسودان والعراق والأردن وفلسطين وجنوب اليمن وعمان وإمارات الخليج العربي، أما فرنسا فقد سيطرت على الجزائر وتونس والمغرب وسوريا ولبنان، وكانت ليبيا من نصيب إيطاليا، أما أسبانيا فقد سيطرت على ريف المغرب وصحراءه. وأوضح أبو الغيث- في محاضرة ألقاها في المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل (منارات) بعنوان (الاحتلال والمقاومة في التاريخ العربي) أمس: لم يرحل الاستعمار عن الوطن العربي إلا بعد أن زرع إسرائيل في قلب فلسطين، حيث دخلت الدول العربية في صراع مع هذا الكيان الهجين الذي اعترفت به الدول الاستعمارية فور ولادته عام (1948م) وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة والإتحاد السوفيتي زعماء العالم الجدد الذين ما لبثوا أن دخلوا في صراع هدفه الهيمنة على العالم والسيطرة على مقدراته، وكان الوطن العربي على رأس مخططاتهم نتيجة لموقعه الإستراتيجي الفريد وثروته البترولية الكبيرة، وقد انقسمت الدول العربية ووزعت ولاءها بين الطرفين الأمر الذي أنعكس على قضايا الأمة وجعل الأنظمة العربية في مواجهة بعضها، حيث تم القضاء على كل المحاولات العربية في الوحدة خصوصاً تلك التي تبناها الزعيم العربي جمال عبد الناصر. ونوه إلى أنه بعد انهيار الإتحاد السوفيتي ومعه المعسكر الشيوعي وظهور عالم القطب الواحد كان الوطن العربي والعالم الإسلامي هما الخاسر الأكبر من ذلك نظراً لتبني زعماء العالم الجدد لفكرة صراع الحضارات، واعتبار العرب والمسلمين هم العدو الجديد للحضارة الغربية بعد انهيار الشيوعية. وكان نتيجة ذلك حتى الآن سقوط ثلاث دول عربية وإسلامية تحت الاحتلال الجديد هي: العراق وأفغانستان والصومال والبقية في الطريق، خصوصاً وقد أصبحنا نعيش في وضع مشابه لما كان سائداَ في عهد التتار بكل فضائعه الدموية والفكرية والرعب الذي ملأ القلوب..فهل يؤول هذا العصر إلى ما آل إليه عصر سيطرة التتار وينبثق عصر جديد من رحم هذا العصر المظلم؟؟ ذلك ما عودنا عليه التاريخ وتلك سنة الله في أرضه(وتلك الأيام نداولها بين الناس) ولكن بشروط (إن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (وكيفما تكونوا يولى عليكم)، وتلك هي البداية. واستعرض أبو الغيث تاريخ الاحتلال للوطن العربي, معتبرا أن الوطن العربي تعرض لموجات الاحتلال إبتداءً من فجر تاريخه وبالتحديد من أواخر الألف الثالث قبل الميلاد عندما أجتاح الجوتيون القادمين من جبال إيران بلاد الرافدين وعاثوا فيها فساداً ، وقاموا بتدمير مدينة أكد ومحوا معالمها إلى درجة جعلت المؤرخين يعجزون عن تحديد موقعها حتى الآن وقد تميزت فترة سيطرتهم على بلاد الرافدين بالذل والقهر الذي فرضوه على أبناءه ونظرتهم بعنجهية إلى تفوقهم الحضاري ، وهو ما جعلنا نجعلهم في مقدمة موجات الاحتلال التي تعرض لها الوطن العربي رغم أن بعض الموجات قد سبقتهم في استيطانه؛ ولكن في هجرات سلمية اندمجت بسكانه وأثرت وتأثرت بحضارته. وقد شهد الوطن العربي في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد اكتساح استعماري آخر تمثل بتلك الأقوام القادمة من وسط آسيا على أرجح الآراء التي اجتاحت العديد من البلدان العربية حيث عرفوا بمسميات مختلفة في المناطق التي سيطروا عليها؛ ففي العراق عرفوا بالكاشيين وفي سوريا بالحوريين وفي مصر بالهكسوس، وقد واجهتهم شعوب المنطقة بالمقاومة التي اشتركت فيها كل فئات المجتمع بما فيهم النساء حيث نجد في مصر مثلاً أن أعح حتب زوجة الملك المصري سقنن رع قد تولت عملية قيادة المقاومة المصرية ضد الهكسوس بالاشتراك مع ولديها كامس وأحمس وذلك بعد سقوط زوجها صريعاًًًًً في ميدان المعركة. وتطرق أبو الغيث إلى اكتساح الفرس الأخمينيين للمشرق العربي,وبداية الأطماع الأوربية في الوطن العربي مع غزو الإسكندر المقدوني المشرق العربي أواخر القرن الرابع قبل الميلاد, ومن ثم ضم الرومان معظم الوطن العربي إلى إمبراطوريتهم, وسيطرت الأحباش على اليمن والجزيرة العربية ابتداء من القرن الثاني الميلادي, مرورا باكتساح القوى الاستعمارية القادمة من الغرب والشرق أراضي الوطن العربي، حيث سيطر الصليبيون القادمون من أوروبا- بدعوى تحرير بيت المقدس من المسلمين- على بلاد الشام ومصر وشمال العراق. وأشار إلى أنه في هذه الأثناء كان العالم الإسلامي يتعرض لموجة احتلال همجية جديدة قادمة من وسط آسيا ممثلة بالتتار(المغول) الذين اكتسحوا عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد وعاثوا فيها فساداً، وكان من أبشع جرائمهم قيامهم بنهب مكتبات بغداد وإلقاء ما فيها من كتب في نهر دجلة، وقاموا بارتكاب الفضائع في حق العرب والمسلمين الأمر الذي بث الرعب والهلع بين صفوفهم وملأ قلوبهم ضعفاً واستسلاماً، لكن الأمة ما لبثت أن استعادت وعيها بفضل علمائها الذين عملوا على استنهاض همم الناس ، وكان في مقدمة الصفوف العز بن عبد السلام، وكانت النهاية الطبيعية لذلك متمثلة في الانتصار الكبير الذي حققه المسلمون على التتار في معركة عين جالوت عام (1259 م) ومن بعدها توالت انتصارات المسلمين عليهم حتى طردوا مثلهم مثل غيرهم من السابقين لهم. هذه الاحتلالات كلفت الوطن العربي الكثير من الأموال, سواء الثروات التي نهبت أو الأموال التي صرفت على تجييش جنود المقاومة وخوض حروب طويلة الأمد ومتفاوتة مع الغزاة وكان من نتائج ذلك تأخر الدول العربية والإسلامية عن مواكبة الجديد في العلم والتكنولوجيا وأصبحت طالبة علم عند دول الغرب بعدما كان العكس هو السائد لمدة قرون طويلة.. * للاطلاع على الدراسة كاملة... انقر هنا...