(مقبرة قرية العفيف قصة تبحث عن نهاية) في مقالة سابقة تمت الإشارة إلى ما يحدث من عبث بحرمة الموتى القاطنين بمقبرة قرية العفيف في منطقة حدة بصنعاء، وكنت وجهت مناشدة لوزارة الأوقاف وأهل الخير ليبادروا لتسوير هذه المقبرة حماية للأموات من عبث الأحياء والحيوانات الضالة وعبث الأطفال... كنت أظن أن المشكلة تكمن في فقر أهل القرية، وعدم قدرتهم على تسوير المقبرة لكنها حدثت مفاجأة أثبتت لي بالوثائق بأن مشكلة تسوير المقبرة يثيره الأهالي من عام 1991م ، ولم يتمكنوا من ذلك لأن هناك من لا يزالون تحت تأثير مباهج الدنيا، ولا تهمهم كرامة الموتى إذ يصرون على تحويل جزء من هذه المقبرة إلى ممر لأحد المنازل الحديثة، وشق طريق رسمي للسيارات من داخل المقبرة، فهل هذه أخلاق اليمنيين؟!! وهل يرضى بذلك مسلم يؤمن بالبعث والحساب؟!! قصة مقبرة العفيف تحكيها صور لإحدى عشرة وثيقة وافاني بها شيخ حارة العفيف - بوصفه وصيا من قبل الواقف لأرض المقبرة من زمن بعيد- حول مأساة الأموات في هذه المقبرة؛ والوثائق تثبت أن هناك خلافا مستمرا يقوده أحد مالكي المنازل الحديثة المجاورين لتلك المقبرة، وهو الذي منع تسوير المقبرة بدعوى أن تسويرها سوف يسد عليه طريق بيته، ولكني ذهبت إلى هناك لأرى هل ضاقت به الأرض لدرجة أنه لن يجد مدخلا لبيته إلا من داخل المقبرة؟ فوجدت أنه في سعة من الله أرضا ومالا، ويستطيع أن يفتح بابا لبيته من أي اتجاه آخر، فالاتجاهات مازالت مفتوحة أمامه إذا ما أراد الخير وانتصر على مغريات الحياة.. هناك مشكلة أخرى يعاني منها الصامتون في هذه المقبرة، تسهم أيضا في عرقلة تسوير المقبرة لحمايتهم؛ وهي ما لخصه المدعي (مالك المنزل) في إحدى الوثائق بأن مخطط وزارة الإسكان والتخطيط الحضري يؤكد أن الطريق سيمر وسط المقبرة، وهذا سند قانوني يدعم اعتراضه على التسوير.. وتلك المأساة حاول الأهالي أن يستدركوها بتوجيه طلب لوزير الأوقاف عام 1997م، يتضمن تعهدهم بالسماح بشق الطريق في أملاكهم الخاصة بدلا عن المقبرة تقديرا لحرمة الموتى فيها.. وهي مبادرة دينية تنبئ عن أن لديهم خوفا من الله وإيمانا قاطعا بأن كل إنسان لا محالة مصيره النهائي حفرة في أي مقبرة، ولذلك فحماية الأموات واجب على الأحياء، وقد قابل هذه المبادرة وزير الأوقاف- حينها- بتقديم رسالة لوزير الإسكان حينها يؤكد فيها على ضرورة منع شق الطريق لأن (للمقبرة والقبور حرمتها من الثرى إلى الثريا كما نصت عليه نصوص الشريعة الإسلامية)- كما جاء في رسالته. وأيدت الرسالة السابقة رسالة أخرى من وزير الأوقاف عام (2000م) إلى وزارة الإسكان برجاء تحويل مخطط الطريق العام عن المقبرة إلى أملاك المواطنين حرصا على خيري الدنيا والدين،- كما نصت رسالته- ويبدو أن الوزراء السابقين قد أدركوا خطورة الأمر، كما يبدو أن وزارة الإسكان قد تقبلت الموضوع بإيجابية، وهذا ما فهم من وثيقة أخرى وجهتها وزارة الأوقاف للوزارة نفسها عام (1994) بمنح رخصة لتسوير مقبرة قرية العفيف .. و يفترض بناء على كل ما سبق أنه قد تم تسوير المقبرة قبل عشر سنوات على الأقل... لكن ذلك لم يحدث وإلى اليوم لم يزل الأموات تحت رحمة الأحياء... منذ أكثر من عشر سنوات وقصة المقبرة لم تكتمل بعد؛ فقد تحولت إلى أوراق ولجان ومحكمين ونزاعات، وتحويل أوراق من مكتب إلى آخر ، هذا على الجانب النظري، أما على الجانب العملي فالمقبرة تتناقص مساحة كل يوم بفعل الاعتداء عليها من ضعاف النفوس، وهم على ما يبدو يؤمنون بسياسة فرض الواقع على الأرض، ثم بعد ذلك ليس مهما ما يحدث، وهم واثقون من دعم مواقفهم باستثناءات لاحقة لأنهم يملكون المال لشراء ذمم الضعفاء.. اليوم ليس هناك من حل لحماية الموتى في هذه المقبرة- كما أعتقد- إلا بأحد أمرين: - فإما أن يهدي الله مالك البيت الحديث الذي يحارب تسوير المقبرة، ويفكر في الآخرة بجدية، ويرحم الموتى فيبحث له عن مدخل لبيته غير المدخل الذي يطل على المقبرة، وهو بذلك سيثبت لنفسه أنه قادر على كسر طمع النفس في متاع الدنيا، ويلقى الله بنفس راضية مرضية، تصاحبه دعوات الناس البسطاء، (وعندي أمل أن يكون كذلك لأنه من بلد الحكمة والإيمان).. - أو أن تتحمل الدولة نفسها المسئولية، وتقدم كرامة الموتى على أي مصلحة أخرى وتقف مع الأهالي الطيبين وتسرع مباشرة في تسوير المقبرة حماية لما تبقى منها... أما تشكيل مزيد من اللجان والمحكمين والمحاكم ،فهو هدر للوقت ، واستثمار للخصومات، وتمكين للمعتدين بأن يستمروا في اعتداءاتهم على الموتى... ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. كلية التربية – جامعة صنعاء [email protected]