خطوات التقارب التي شهدتها سوريا والمملكة العربية السعودية في الشهور الأخيرة وتحديدا بعد قمة الكويت الاقتصادية، هل يمكن القول أنها فاتحة لمصالحة عربية شاملة؟ هذه الخطوات الايجابية في اعتقادي بدأت بالفعل بكسر الجليد الذي سيطر على هذه العلاقة بين البلدين لفترة طويلة وتحديدا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وما تبع هذا الاغتيال من اتهام مباشر أو غير مباشر لسوريا وعلاقتها بهذه العملية الجبانة من عدمه خاصة وأن منفذيها - الذين يرتبطون ارتباطا مباشرا بالموساد الإسرائيلي لسبب بسيط هو أن إسرائيل هي المستفيد الوحيد من ذلك الاغتيال الجبان- استطاعوا أخفاء خيوط الجريمة وهو ما يمكن أن نسميه بالجريمة الاستخبارية المنظمة. فتحول الموضوع برمته إلى ذريعة تستخدمها بعض الأطراف داخل لبنان لتصفية حساباتها القديمة مع سوريا عبر التلويح الدائم من قبل هذه الأطراف بأن المحكمة الدولية التي أنشئت للكشف عن الجناة وتقديمهم " للعدالة "الدولية سوف تنال من سوريا ومن النظام السوري وكأن المسألة قد حسمت واصدر هؤلاء الحكم بدون محاكمة أو حتى معرفة الجناة الحقيقيين!! رفيق الحريري منذ عودته إلى لبنان وممارسته للعمل السياسي شكلّ حسب المراقبين للمشهد اللبناني السياسي رقما صعبا في المعادلة السياسية اللبنانية خاصة وهو يمثل طائفة من أكبر الطوائف في لبنان هي طائفة السنة لذلك ارتبط مع المملكة السعودية بعلاقات متينة لا يمكن تجاهلها، فبعد التوقيع على اتفاقية الطائف التي بموجبها انتهت الحرب الأهلية اللبنانية دخلت السعودية بثقلها السياسي المشهد اللبناني وهو ما شكل نوعا من تقاسم النفوذ بين سوريا والسعودية في لبنان ولا يزال هذا "التقاسم" في اعتقادي قائما حتى اليوم ممثلا بدعم سعودي مشهود وغير محدود لقوى 14 آذار خاصة تيار المستقبل الذي يمثل الطائفة السنية وبالمقابل هناك دعما كبيرا لقوى 8آذار تقدمة سوريا إلى جانب إيران كنوع من بناء علاقات سورية قوية مع تحالفات لبنانية جديدة. وهذا النهج السياسي السوري الجديد على الساحة اللبنانية اتبعته سوريا بعد حادثة اغتيال الحريري وما تبعها من خروج جيشها وعناصرها الأمنية من لبنان بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر بعد هذه الحادثة والذي بموجبه شكلت المحكمة الدولية سالفة الذكر. ويتجلى الدعم السوري لهذه القوى بالدعم الكبير لحزب الله الذي يمثل بتوجهه السياسي وتمسكه الصلب بمقاومته وبجناحه المقاوم حليفا استراتيجيا لسوريا خاصة وان سوريا لم تصل بعد إلى حل نهائي مع إسرائيل في مسألة الجولان والانسحاب الكلي من الأراضي السورية المحتلة دون قيد أو شرط كما يطالب به السوريون دائما من المجتمع الدولي كلما فتح هذا الملف دوليا. بالإضافة إلى ذلك استطاعت سوريا بناء علاقة مميزه وجديدة مع زعيم الطائفة المسيحية في لبنان الجنرال ميشيل عون وهو ما رفع من رصيدها السياسي في لبنان مما ساعد في استمرار الفتور والقطيعة في العلاقة السورية السعودية ودخول مصر في الخط خاصة أثناء وبعد حرب تموز 2006 التي دارت بين إسرائيل وحزب الله وسجل فيها حزب الله انتصارا عسكريا وسياسيا كبيرا وهي نفس الحرب التي سمعنا فيها ولأول مرة وبوضوح مباشر من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "رايس" أن هناك ولادة جديدة لشرق أوسط جديد. وبالتالي عادت الإدارة الأمريكية اليمينية المتطرفة السابقة برئاسة سيئ الذكر "جورج بوش" لتوصيف العرب حينها إلى تيارين تيار يمثله ما عرف بالدول المعتدلة وتيار آخر حسب التصنيف الأمريكي تمثله الدول العربية التي تقف إلى جانب " التطرف" وكان يقصد حينها قوى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق. وظل هذا التصنيف إلى أن بدأت دول الاعتدال تضيق منه ومن تبعاته السياسية والشعبية، و الإشارة اللافتة للملك السعودي والرئيس المصري في كلمتهما أمام الزعماء العرب وأمام الإعلام العربي في الجلسة الافتتاحية لقمة الكويت الاقتصادية إلى هذه المسألة وانتقادهما المباشر لهذا التصنيف الذي فتح مجالا جديدا وهيئ أجواء ايجابية للحوار بين هذه الدول "المنقسمة". بدأ باللقاء الذي جمع الرئيس السوري والملك السعودي والرئيس المصري وأمير دولة قطر على هامش قمة الكويت الذي لازالت تفاعلاته تتصاعد بخطوات ايجابية وزيارات متبادلة تسعى لتكريس هذه المصالحة التي نرجو أن تزيل التباين في المواقف العربية خاصة في الأحداث الجسام كأحداث غزة الأخيرة وما أحدثته من انقسام وتباين حقيقي في المواقف. المصالحة العربية إن تمت بالفعل وصدقت النوايا وسارت هذه المصالحة على الطريق الصحيح لتتوسع فتشمل كل الأقطار العربية التي تعاني من خصومة معلنة أو خفية فيما بينها عندها فقط سنبدأ بتحقيق المصالح القومية للأمة العربية خاصة إذا لم يلتفت أي طرف إلى قوى الهيمنة و التأثير العالمي كالولايات المتحدةالأمريكية التي لا يسرها اجتماع العرب أو تضامنهم على أي مسألة. المنطق يقول إن العرب كانوا ومازالوا وسيظلون امة واحدة مهما باعدت بينهم السياسة والخلافات السياسية لان الدين واحد واللغة واحدة والحضارة واحدة والجغرافيا مترابطة والتاريخ مشترك وبالتالي المصير واحد وسيظل واحد لان نظرة الأعداء للأمة العربية ولجميع الدول العربية نظرة واحدة حتى وان بدت في الظاهر غير ذلك. والتحديات التي تواجه الأمة العربية من المحيط إلى الخليج تحديات جمة على كافة المستويات وأعتقد أن الكل يدرك ذلك و قمة الدوحة التي ستعقد خلال غدا ستكون في اعتقادي المحك والاختبار الحقيقي لصدق النوايا وجدية التوجهات خاصة وقد مرت الأمة العربية بمتغيرات وأحداث في العقدين الأخيرين بالذات ما يستوجب معهما التغيير الحتمي في المواقف والسياسات فالمسألة أصبحت تتعلق بالسيادة والوجود والكرامة التي تهدر والأخطار التي تتعاظم كل يوم وهي فرصة حقيقية للتغيير فهل يصدق حكام العرب مع شعوبهم بل حتى مع أنفسهم؟