* باحث أكاديمي - باريس (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم)- صدق الله العظيم. الكل يحلم بالأمن والسلم والطمأنينة والوئام, فالسلام هو ثقافة الشعوب المتقدمة ودليل العقول الناضجة التي تسعى لنشر الحب والتسامح بين الناس. والحرب هي ثقافة الشعوب المتخلفة ودليل العقول المتحجرة التي تقوم بنشر الكراهية والحقد بين أبناء المجتمع الواحد. وهناك كما يعلم الجميع, العديد من المنظمات الإنسانية الرسمية منها والغير رسمية من محلية وإقليمية ودولية تسعي لفض النزاعات المسلحة والاقتتال وتحسين العلاقات بين بيني البشر, وخلق مجتمع إنساني راقي يسوده السلم والإخاء والحب, لاقتناع تلك المنظمات والهيئات بان الحروب لا تبني وإنما تهدم و لا تنبت شجراً أو ثمراً وإنما وتنبت الشر والفقر والقتل والدمار والخراب وتخلف الضحايا واليتامى والثكلى وألارامل. إذاً من منا لا يُحب السلم؟ من منا لا يُحب الخير لوطنه وأبناء بلده؟ من منا لا يتمنى أن يكون بلده من بين بلدان العالم الأكثر أمناً واستقراراً وازدهاراً؟ في المقابل من منا يرغب بان يُلدغ من جحره ولأكثر من مرة؟؟؟ إن المبادرة التي سمعناها من جانب الحوثيين خبر جميل, وشيء يدعو للتفاؤل "الحذر" كون ظاهرها فيه الرحمة وباطنها "الله المطلع به". وفي الواقع, المبادرة تأخرت كثيراً, ووقتها قد مضى عليه ما فيه الكفاية. وحينما أقول أن المبادرة تأخرت هذه لا يعني بأنني لست متفائل, بل أقول ذلك لاقتناعي التام بان الحرب قد قتلت أُناس أبرياء, وشباب في مقتبل العمر, وأطفال كالزهور. حرب أحرقت الأرض والنسل وأكلت الأخضر واليابس. أتت على كل شيء جميل, وأنهكت ميزانية البلد وضاعفت من معاناته وزادت أعباءه على أعباءه لاسيما الاقتصادية منها. وكلفته خلال الأسابيع القليلة الماضية مئات الملايين من الدولارات, التي يحتاج إليها الوطن أمس الاحتياج للبناء والعمران ودفع مسيرة التنمية والتقدم. فبدلاً من أن يستفيد الوطن والمواطن من ذلك المؤتمر المعروف "بمؤتمر المانحين" الذي خصص لليمن ما يربو عن أربعة مليار دولار واستثمارها في مجالات النهضة البشرية والعمرانية, ستكرس هذه الأموال ومع الأسف لإعادة إعمار ما كان معموراً, وسيذهب الجزء الأكبر من هذه المبالغ لتغطية تكاليف ونفقات حرب جائرة, وكأنك يا أبو زيد ما غزيت. لن استطرد كثيراً في هذا الجانب لأنه مثقل بالهموم والأحزان, وإنما سنقوم بإلقاء نظرة سريعة على مبادرة الحوثيين الأخيرة لوقف إطلاق النار, وأتمنى منكم كباحثين ونقاد وأكاديميين ومهتمين ومعلقين إثراء هذا الجانب لما فيه خير الآراء وسداد الأمور لإعطاء قراءة واقعية ومنطقية للحدث. إذاً وقبل أن ندلوا بدلونا ونخوض الحديث عن هذه المبادرة علينا أن نطرح ثلاثة أسئلة جوهرية وهامة وهي: على أي أساس أُطلقت المبادرة؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ وهل هناك إرادة حقيقية أم قوى محلية وإقليمية أو حتى دولية تسعى لإيقاف الحرب بحسن نية أو غير ذلك؟ سنبدأ الإجابة على هذه الأسئلة وبطريقة عكسية, أي أننا سنبدأ الإجابة بالجزء الأخير من السؤال ونقول أن إطلاق المبادرة لم يكن تلبية لرغبة الشارع اليمني أو نزولاً عند إرادة القوى السياسية بالداخل أو تلبية لندات المعارضة, لماذا؟ لأنه كان بإمكان الحوثيين القيام بذلك منذ وقت طويل وتوفير الكثير والكثير أن كانوا فعلاً يردون الخير للشعب والوطن وحقن دماء الأبرياء. ولا أرى بان هناك إرادة إقليمية جادة للتدخل والمساعدة في إيقاف الحرب, فقد تكن هناك إرادة إعلامية ليس أكثر, فالساحة الإقليمية تعد احد العوامل الهامة والمغذي الرئيس لهذا الصراع. أما بالنسبة للرغبة الدولية, فلا أظنها متوفرة في الوقت الراهن, كون الكثير من البلدان تحارب الإرهاب وتعلن بأنها لا تحب التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان الأخرى, فضلا عن ذلك تقول الولاياتالمتحدةالأمريكية بان للحكومة اليمنية الحفاظ على أمنها واستقرارها, وقد يكون ذلك بمثابة ضوء اخضر جديد لاستخدام ما هو مناسب لاستئصال أفات الإرهاب والتمرد الاختطافات,,,الخ. من وجهة نظري الشخصية أرى أن المبادرة هي استخدام لبعض الكروت المحروقة والحصول من خلالها على المزيد من الوقت لإعادة ترتيب بعض الأوراق السياسية للجبهات الداخلية للمتمردين, ويتزامن ذلك مع تزايد الدعم الداخلي والخارجي لمواقف الدولة ومساندتها في محاصرة التمرد في منطقة الحدث وعدم اتساع رقعته. وأما بالنسبة لوقت المبادرة الراهن, فهو الوقت بدل الضائع حيث أن وقت المبادرة الأصلي قد انتهى, فالسقوط على أرضية الملعب والاستجداء لا يطيل من زمن المبادرة كثيراً, فالكل ألان بات ينتظر صافرة الحكم. أن الحكم اليوم هو جيش جرار مدافعاً عن أرضه وعن شرف شعبه وأمته. أن إطلاق المبادرة أتى فقط كرد فعل لسير المعارك الضارية على أرضية الميدان, والحد من التقدم الكاسح لأبناء القوات المسلحة التي استطاعت تغير مسار الحرب لصالحها وخاصة بعد إشراك قوات الجيش من العمالقة والقوات الخاصة ووحدات قتالية أخرى. وهناك أكثر من قراءة وسبب لاطلاق مثل تلك المبادرة, ومن هذه الأسباب نورد ما يلي: 1- تزعزع الجبهة الداخلية للمتمردين والشعور بالخطر. 2- تكبد الخسائر البشرية والمادية الجسيمة في وقت زمني قصير لم يتكبدوه خلال خمس حروب سابقة. 3- استمالة الرأي العام وإرسال رسالة للعالم مفادها بأننا أهل سلام ومبادرات. 4- استباق اجتماع وزراء خارجية دول الخليج العربية المنعقد الثلاثاء وإحداث اختلاف في وجهات النظر بين الوزراء أنفسهم بين مؤيد للحكومة وأخر مؤيد لقرار وقف إطلاق النار, وبذلك تكون فاعلية دعم القرار السياسي لليمن ليس بالمستوى المطلوب. 5- تنفيذ تعليمات وتوجيهات خارجية. 6- تخطيط استراتيجي وتكتيكي جديد. 7- العب على الوتر الإعلامي الحساس. إن القيادة السياسية هي المتمتعة اليوم بالموقف الأقوى, فالشعب والجيش يساندها, والإطار الإقليمي والدولي يدعم قراراتها بطرق مباشرة وغير مباشرة. القوي اذاً, وبحسب منطق المتمردين, هو من يفرض شروطه ويمليها. والوطن قد قال كلمته وأعلن مسبقاً عن شروطه لما فيها مصلحة البلاد. على أي أساس اذاً سيتم وقف إطلاق النار؟ وهل الدولة ملتزمة بهذا الوقف أم لا؟ أي انه إذا أطلق الحوثيين النار أطلقت الدولة, وإذا أطلق الحوثيين السلم وافقت الدولة؟؟؟ هذه حرب ولست لعبة, هذه أرواح زهقت وليست مياه أسنه جرفت, هذه اسر شُردت ولست أسراب حمام هُجرت. فعلى أي أساس يوقف الجانب الحكومي النار؟؟؟ قد يتساءل البعض ويقول لماذا كل هذا التناقض ولماذا تكلمت في بداية الحديث عن السلم والتفاؤل, وألان صرت أتكلم عن إيقاف الحرب من عدمه.. وأقول بان هذا التناقض فرض علينا من الطرف الأخر. ذلك الطرف المتناقض في كل شيء. فتارة يحاربون وتارة يُهادنون, ومرة يقتلون الأبرياء وأخرى ينادون بحقن الدماء, يختطفون ويقتلون وفي الوقت ذاته ينادون بحقوق الإنسان, أليس ذلك هو التناقض بأم عينه؟؟؟ بل وقادهم تماديهم إلى أن جعلوا من أنفسهم نداً للدولة. بشكل مختصر وموجز, إن المبادرة المعلنة هي مبادرة خجولة ومحدودة, لكني أعود وأقول لنعتبرها بوادر طيبة ولننظر إليها بالنية الحسنة ولنتفاءل وبحدود المعقول. ويمكننا القول أن الدولة باتت أمام خياران اثنان لا ثالث لهما على الإطلاق : القبول بالمبادرة الحوثية على أساس تنفيذ كافة البنود الستة دون قيد أو شرط, أو رفضها جملةً وتفصيلاً كونها لم تأتي بجديد ولم تلبي القرار السياسي ومطالب عامة الشعب الهادفة إلى استئصال الخطر الذي يهدد امن البلد واستقراره. أرى أن النصر بات وشيك للجيش وهناك رسائل ستُرسل لكل من يحاول المساس با أمن الوطن, وسيكون يوم إل 26 من سبتمبر 2009 هو يوم الحرية كما كان يوم ال 26 من سبتمبر 1962 يوم الجمهورية. (رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات)، انك مجيب الدعاء.