تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    تدشين أسبوع المرور العربي في عدد من المحافظات    أنشيلوتي ... سنحقق لقب الليغا عن جدارة    الديوان الملكي السعودي يعلن موعد ومكان الصلاة على الأمير الشاعر "بدر بن عبدالمحسن"    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    آرسنال يفوز على بورنموث.. ويتمسك بصدارة البريميرليج    الرئيس الزبيدي: نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    من يسمع ليس كمن يرى مميز    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    معاداة للإنسانية !    صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية مميز    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    الحرب القادمة في اليمن    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    من هي المصرية "نعمت شفيق" التي أشعلت انتفاضة الغضب في 67 بجامعة أمريكية؟    4 مايو نقطة تحول في مسار القضية الجنوبية!    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    تحديث جديد لأسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    خبير اقتصادي بارز يطالب الحكومة الشرعية " بإعادة النظر في هذا القرار !    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    أبطال المغرب يعلنون التحدي: ألقاب بطولة المقاتلين المحترفين لنا    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    منظمة: الصحافة باليمن تمر بمرحلة حرجة والصحفيون يعملون في ظروف بالغة الخطورة    وفاة فتاة وأمها وإصابة فتيات أخرى في حادث مروري بشع في صنعاء    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    الحوثيون يعتقلون فنان شعبي وأعضاء فرقته في عمران بتهمة تجريم الغناء    مارب تغرق في ظلام دامس.. ومصدر يكشف السبب    ماذا يجرى داخل المراكز الصيفية الحوثية الطائفية - المغلقة ؟ الممولة بالمليارات (الحلقة الأولى)    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    الخميني والتصوف    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصالح أمريكا وإسرائيل من الثورات الشبابية
نشر في نبأ نيوز يوم 21 - 03 - 2011


أولاً: الفوضى الخلاقة و حكايتها
حتى نكون على قدر عال من المسؤولية يجب علينا الاعتراف أن الفوضى الحاصلة في الوطن العربي هي من أهداف المخابرات الأمريكية, سعت لإحداثها طويلاً وعرفتها لنا أجنداتهم بتعريف واحد هو الفوضى الخلاقة, والسؤال هنا ما هي الفوضى الخلاقة؟ وما حجم وجودها في الأحداث التي تجري في الوطن العربي؟
والإجابة الأدبية السياسية تبين أن من أهم تطور في عمل المخابرات الأمريكية هو المفهوم الذي طرحته كونداليزا رايس، حينما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية في عهد بوش الابن وهو مفهوم (الفوضى الخلاقة) هذا المفهوم يبدو اقرب إلى مفهوم "الإدارة بالأزمات" في المجال الاستراتيجي مع اختلاف الآليات والوسائل، ولعل أبسط تعريف للفوضى الخلاقة هو أنها "حالة سياسية أو إنسانية يتوقع أن تكون مريحة للامبريالية بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث" ويذكر أن هذا المصطلح وجد في أدبيات الماسونية القديمة، حيث ورد في أكثر من مرجع، كما أشار إليه الباحث الأمريكي "دان براون".
ويعد "مايكل ليدين" العضو البارز في معهد " أمريكا انتربرايز" أول من صاغ مفهوم "الفوضى الخلاقة" أو "الفوضى البناءة" أو "التدمير البناء" في معناه السياسي الحالي وهو ما عبر عنه في مشروع "التغيير الكامل في الشرق الأوسط" الذي أعد عام2003م حيث كان غزو العراق. ارتكز المشروع على منظومة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة لكل دول المنطقة وفقا لإستراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم ثم إعادة البناء.
وتعتمد نظرية "الفوضى الخلاقة" في الأساس على ما أسماه الأمريكي "صموئيل هنتجتون" ب"فجوة الاستقرار" وهي الفجوة بين الحاكم والمواطن, ذلك أن مشاعر الاحتقان قد تتحول في أي لحظة إلى مطالب ليست سهله للوهلة الأولى، وأحيانا غير متوقعة.
أسلوب الفوضى الخلاقة يعد من اخطر أجندة ووسائل الماسونية واكثرها ذكاء وخداعا حيث يقوم على فهم العوامل النفسية للنخب خصوصا الشباب, والسؤال التالي يطرح نفسه: كيف تم فهم العوامل النفسية للنخب والشباب؟ وبالعودة لمحور الحديث: نجد أن الفوضى الخلاقة قد تم توظيف مفهومها في التاثير على النخب ودعم توجهات عفوية وفوضوية وثورية غير ناضجة من اجل تفجير احداث لا توصل للثورة او التغيير الحقيقي بل تنتج وتنشر الفوضى واطلاق نزعات الثار والعواطف الجياشة غير الملجومة بعقلانية الثوار في بيئة عدم فيها وجود قوة مركزية وطنية تضبط مسار الحدث او انها عزلت بالقوة، وبشرط ان يكون معظم الشباب غير مدركين انهم يتحركون بتأثير صهيو- امريكي.
ومن البديهي ان الاطار الإستراتيجي لخطة الفوضى الخلاقة هو تقسيم كافة الاقطار العربية وبلا اي استثناء، كما ورد في عدة وثائق امريكية مثل (تقرير القرن الأمريكي) الذي أعده المحافظون الجدد في عام 1998 والذي نجح تقريبا في تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، او ما كتبه عوديد ينون الإسرائيلي في (خطة لاسرائيل في الثمانينيات) والذي أعاد طرح كيفية عمل الصهيونية لتقسيم كافة الأقطار العربية، بما فيها مصر التي اعترفت بالكيان الصهيوني، او ما كرر طرحه الصهيوني البريطاني برنارد لويس وهو مستشرق مخضرم من ضرورة تقسيم الاقطار العربية بصورة اكبر مما خططت له إسرائيل وهو ما يعني أن أمريكا انتقلت لهذه السياسة الجديدة لتقسيم الوطن العربي.
ففي دراسة سابقه عن انسحاب الجيش الأمريكي من العراق كان قد أجراها الكاتب هشام المشرمة- وتم نشرها في صحيفة الدستور اليمنية وموقع "نبأ نيوز" اليمني وتداولتها المنتديات السياسية العراقية – بعنوان حكاية الانسحاب الأمريكي من العراق, أوضح فيها عن التحول الجوهري في قلب السياسة الأمريكية المتمثلة بسياسة أوباما الجديدة في المنطقة, وبين فيها أن أسباب الأنسحاب الأمريكي من العراق لم تكن كما روج لها الإعلام وإنما كانت بداية لخطة إدارة العراق بسياسة الفوضى الخلاقة, بعد أن تم تفتيته وتقسيمه ونشر كافة عوامل الفوضى الخلاقة.
من هنا فان الفوضى الخلاقة تعد منذ تبنيها هي التطبيق العملي لتحول الجهد الرئيس في انجاح غزو العراق وتوسيعه بغزو الاقطار العربية كافة من الجهد العسكري الى الجهد المخابراتي بكل ما تعنيه عبارة مخابراتي من معان تبدأ بالخداع وتنتهي باختراق الصفوف الوطنية مارة بانشاء قوة فاعلة ومؤثرة من الشباب تستطيع خلق العواصف ولكنها يجب ان تكون عواصف هوجاء، كما وصفته هيلاري كلنتون تعليقا على احداث تونس ومصر والجزائر واليمن، وان تكون مسيطر عليها من قبل امريكا توجه ريحها الجهة التي تريد فتدمر كل ما ارتفع عن الأرض وتمسحه في حين ان النظم العربية والجماهير العربية يجب ان تكون قشة او ريشة تتلاعب بها هذه العواصف وفقا للفوضى الخلاقة.
ثانياً : الفوضى الخلاقة لماذا أرادتها أمريكا أن تكون؟
لننظر لهذا الأمر بصورة مباشرة لنرى كم نحن ضحايا تأمر خطير لا يتضح للكثير عامة الشعب والشباب خاصة ويتحمل مسئوليتها الساسة والنخب الوطنية.
لنتساءل أولا: لماذا وصفت بانها فوضى ثم ربطت بصفة الخلاقة في التطبيق العملي؟ الجواب الطبيعي هو لانها لا تستهدف تحقيق تغييرات او انتفاضات شعبية تحررية وثورية تمكن الشعب من السيطرة على الحكم وطرد العملاء والفاسدين بل تستهدف، على العكس تماما، وهو تحقيق احد هدفين جوهريين هما:
1 – إسقاط نظام ما أو إفقاده سيطرته على الدولة والمجتمع من اجل تغيير هذا النظام الذي ينتهج سياسات تحررية رافضة للامبريالية والصهيونية رافضاً حتى للتطبيع التجاري مع إسرائيل وفشلت الأساليب التآمرية التقليدية في إسقاطه فتكون الفوضى الخلاقة المسيطر عليها بنسبة كبيرة هي الوسيلة الأساسية لتحقيق ذلك الهدف لانها فوضى تمزق سلطة النظام وتجعل الدهماء يدمرون المؤسسات والخدمات بمشاركة قد تكون فعالة لقوى سياسية مناهضة للنظام (أحزاب أو مليشيات) لاسباب شتى عندها تتوفر متطلبات اسقاط النظام, وكمثال لدينا ليبيا واليمن حيث عجزت الماسونية العالمية والصهيونية من الإطاحة بهم بالرغم من دعمها للعديد من الحركات المسلحة كتنظيم القاعدة وغيرهم.
2 – التخلص من نظام اصبح عبئا على الامبريالية (نظام مبارك وبن علي مثالا حياً), وذلك حينما يفقد النظام دوره كخادم بسبب فساده واستبداده وتبعيته وقيامه بادوار قذرة ضد الشعب تنفيذا لاوامر أسياده ينكشف ويعزل فتبرز امكانية إسقاطه واستلام السلطة من قبل القوى الوطنية الحقيقية الامر الذي يجعله عبأ خطيرا على القوى الخارجية التي تدعمه كونه يهدد مصالحها بدل خدمتها وحمايتها فتاتي الفوضى الخلاقة كضربة استباقية من العدو الخارجي لمنع التغيير الوطني الحقيقي من الشعب الراغب في التغيير فعلاً, او لإجهاض هذا التغيير بعد ان اختمرت ظروف الثورة او الانتفاضة الوطنية الحقيقية. من اجل تغييره وايصال بديل غير وطني ويشابه النظام الذي اسقط، او الاكتفاء بتغيير راس النظام مع بقاء النظام كما هو مع اجراء تحسينات من اجل الخداع وابقاء البديل في الحكم لفترة تمكنه من تحقيق الاهداف المرسومة.
وهنا نتساءل مجدداً ألا يذكركم هذا بثورة مصر وتونس؟ وبالعودة لحديثنا نقول أنه وبهذا المعنى فان الفوضى الخلاقة، وفي الحالتين المذكورتين، لا تحدث الا بتوفير بيئة انطلاق عناصر الشغب والغوغاء او قوى سياسية متخلفة وتابعة احيانا لنفس النظام، والتي أطلق عليها في مصر واليمن اسم (البلطجية) وفي ليبيا (المهلوسين) وفي العراق (السرسرية)، واختلاطها بعناصر الانتفاضة الوطنية التي تشكل القوة الرئيسة من اجل جر الانتفاضة الى خلق حالات لم تقصدها كالنهب والقتل واحراق المؤسسات وتشكيل فرق وعصابات مسلحة لتحقيق اهداف لا صلة لها بمصالح الشعب واشعال العراك والقتل ولقد رأينا في مصر انسحاب كامل لقوات الأمن وإنعدام الإتصالات بقرار حكومي.
كل ذلك يتم بتنفيذ ودعم خطة التخريب المنظم وتصعيده والتي وضعتها عناصر المخابرات الخارجية سواء كانت تابعة لدولة واحدة او لعدة دول لها مصلحة في نشر الفوضى وتدمير ذلك القطر، او بقايا أجهزة النظام الذي ينهار(كما هو حاصل لحزب البعث في العراق)، وعندها تتوفر البيئة لتنصيب بديل تابع للعدو ولكنه غير مكشوف وتبعد العناصر الوطنية خصوصا الشابة المنتفضة ضد النظام، تحت ضغط الفوضى التي ضربت الناس وجعلت حياتهم على كف عفريت فيصبح هم الكثيرين هو (من يرى الموت يقبل بالحمى ) كما يقول المثل، وعندها يقام نظام ليس الذي اراده الثوار بل بقايا النظام بإشراف موجهيه الخارجيين.
وعندما تصل الأمور الى هذا الحد يتحقق ، في حالة النظام الوطني، هدف اسقاطه، وفي حالة النظام العميل والفاسد والفاقد لإمكانية استمراره يتحقق هدف التخلص منه بعد ان استنفد دوره من جهة، ومنع القوى الوطنية من استلام الحكم وإقامة نظام جديد لكنه عبارة عن إعادة إنتاج الفساد والتبعية باشكال ووجوه جديدة تستمر لسنوات طويلة، وتلك هي خطة سرقة الوقت من جهة ثانية, وهذا ما حدث ويحدث في مصر وتونس ومن المغالطة والإجحاف إنكار ذلك.
ثالثاً: الحضور الأمريكي في ثورة مصر وتونس.. دليل قاطع!!
ويبقى السؤال المهم: هل تحولت ثورة مصر وتونس إلى فوضى خلاقة تلبي طموح أمريكا؟
إن الانتفاضات العربية وما حصل فيها يرينا حقيقة ما يحصل فأولا الأنظمة التي استهدفت لم تكن اغلبها وطنية فهذه الانتفاضات تحدث ضد نظم فاسدة وتابعة للغرب بغالبيتها، وهي عدت وبحق أداوت امريكا والكيان الصهيوني وتمتعت بحماية امريكا والغرب طوال عقود من الزمن، ولذلك فان توفر فرصة اسقاط هذه الأنظمة دغدغ مشاعر محبطة لدى الشعب واطلق الرغبة في التغيير بلا قيود، فالمظلوم والمستغل والجائع والمهان لا يفكر الا بالانتقام من ظالمه والتخلص منه باي طريقة وباي مساعدة كانت حتى لو كانت من الشيطان ذاته، وهنا نرى الخيط الامريكي واضحا، فلقد استغلت أمريكا عزلة الأنظمة عن الشعب وقررت تغيير الأنظمة العربية كلها سواء كانت تابعة لها فاسدة ومفسدة وتحولت الى عبء على امريكا يضر بمصالحها او وطنية كان هدف اسقاطها قديم ولكن كل الخطط فشلت، فجاء توفر البيئة النفسية للخلط بين كل الانظمة دون تمييز وضرب كل العصافير العربية السود والرمادية والبيض بحجارة واحدة هي حجارة الغضب الشعبي.

لقد انطلق المارد الشعبي مدفوعا باثار مظالم عمرها عقود وضعت كل منطق في الخلف الا منطق التخلص من الظالم بأسرع وقت، وكانت اهم ثغرة في تفجر الوضع هي ثغرة ان من تولى قيادة الشارع شباب يفتقرون للخبرة السياسية والقدرة على تقديم بديل مدروس بالاضافة لامتلاكهم قوة الرفض والاسقاط لكنهم لا يملكون قوة تنصيب البديل، وكان منطقهم يقول ( لنسقط النظام فلن يأتي بديل أسوأ منه).
وفي قلب هذه العملية الحوارية مع الذات ومع بقية المنتفضين رأينا امريكا واوربا تقفان مع الانتفاضات وتحرضان على النظم التي رعتها وإقامتها ودعمتها وضمنت بقاءها عقودا! وهذا الموقف وان لفت نظر القوى الوطنية العربية المجربة والعريقة الا انه لم يلفت نظر الشباب في تونس ومصر الا متأخرا وبعد ان أنتج الوضع عملية إسقاط النظام وتقدم أركانه الباقين للسيطرة على الوضع وتجميل البديل وتحميل آثام النظام لمن اسقط فقط.
بين الرغبة الجامحة في التغيير وهي رغبة مشروعة ومطلوبة وبين الامكانيات لتقديم بديل وفرضه من قبل الشباب وهي امكانيات شبه معدومة برزت ظاهرة حيرة الشباب وضعف قدرتهم على تمييز وتحديد الهدف اللاحق للاسقاط فاستغلت أمريكا ذلك لتقديم بديل من بطن وقلب النظام ذاته وهم قيادات الجيش التي امتدحت بطريقة صوفية في ميدان التحرير, مع ان الكل يعرف ان نظام السادات- مبارك ما كان له ان يستمر عقودا لولا دعم الجيش، الذي تحول منذ غياب او تغييب المرحوم عبد الناصر من جيش وطني مقاتل الى جيش يسيطر عليه جنرالات تم شراء اغلبهم من قبل امريكا والكيان الصهيوني وهو امر معروف تماما. لقد افلت الوضع من يد الشباب وأمسكت به القوات المسلحة التي كانت الحامي الاول للرئيس.
أجواء التفكير الرغائبي بفضل ثقافة الفيس بوك اوصل الشباب الى الاصطدام بواقع مر دفع بعضهم الى حافة انهيار نفسي مدمر من جراء الخوف من الفشل الذي بدأ يتسيد الاحتمالات بتوالي الاحداث الكارثية ومنها ان القوات المسلحة قامت بضرب المتظاهرين في ميدان التحرير وأصرت على تفريقهم وانهاء مظاهراتهم واعتصاماتهم بعد تحقيق هدف اسقاط رئيس النظام وهي تقول لقادة الانتفاضة: الم تتحقق مطالبكم؟ (اتركوا البقية لنا)، والبقية التي يجب ان تترك لقيادة القوات المسلحة المصرية هي (تفاصيل الشيطان الأمريكي وخططه) كلها وهي اللغم الاكبر فيما يحدث.

تعتبر الفوضى الخلاقة هي البديل المخابراتي عن العمل العسكري الأمريكي المباشر وهي وان طبقت اولا في العراق الا انها كانت مصممة لازاحة العقبات من طريق امريكا في اي قطر عربي تريد احداث تغيير فيه لصالحها، اما بتوجيه ضربة استباقية اجهاضية لمشروع ثورة وطنية جذرية حقيقية تختمر وتوفرت عواملها الرئيسة كما هي حالة مصر، او انها عملية توجيه وتدخل اعتراضيين لحدث غير متوقع ووقع ويهدد بنسف الترتيبات الامريكية كما حدث في تونس.
ففي تونس تفجرت انتفاضة وطنية عفوية لم تكن محسوبة او متوقعة من احد على الارجح، بما في ذلك امريكا وفرنسا والقوى الوطنية التونسية، واشعلها عمل احتجاجي مأساوي لشخص واحد هو الشهيد محمد بوعزيزي بسبب الفقر والفساد وإتساع الفجوة بين الحاكم والمحكوم والاضطهاد والخيانة الوطنية للشعب التي كانت قد جعلت من البوعزيزي كاللغم, وهذا اللغم يحتاج لمن يضع قدمه عليه فقط لينفجر بمن فيه.
وفي أدبيات الماسونية وجد أن من ضمن أجندتهم هو إستغلال أي إنتفاضة أو إنقلاب في أي بلد, فكان ما حصل أن وضعت الأجهزة الحكومية الفاسدة على اللغم قدمها, فأنفجر إنفجاراً مأساوي فجر معه الإنتفاضة، فاجبرت امريكا على احداث تغيير في راس النظام التونسي من اجل احتواء الانتفاضة وتحويلها الى جزء من عملية كبرى لاعادة ترتيب الاوضاع العربية من خلال تغيير الوجوه، التي اصبحت معزولة جماهيريا نتيجة فسادها وديكتاتوريتها وتبعيتها للخارج، وتنصيب وجوه جديدة لم تحرق ولم تمارس الفساد او القمع بدل وصول قوى وطنية، وفي مصر تفجرت الانتفاضة عمدا وبقرار وطني لكن من قام بها يفتقر للخبرة والوعي الإستراتيجي من جهة، كما انه بقي اسير اداة التنظيم الرئيسة وهي تسهيلات الانترنيت(الفيس بوك) في ادارة الصراع بينما الثورة تحتاج لتنظيم شعبي (وسيكون اكثر حسما لو كان لديه جناح عسكري) واسع وله خبرات وامكانيات طرح البديل واقامة البديل وقيامه بدوره بفعالية لسد الفراغ او منع حدوثه اصلا، من جهة ثانية.
وحصل تدخل مخابراتي واضح أستغل نواقص الثوار الستراتيجية والتنظيمية والفكرية، فتدفقت عناصر مصرية اما كانت جزء من النظام او كانت معارضة له لكنها ليست سليمة الاتجاه، او انها عناصر قدمت من الخارج قبل الانتفاضة بقليل لتساهم في التاثير عليها مستغلة حاجة الثوار للرأي والخبرة، وانا رايت شخصين قدما من الغرب احدهما من الولايات المتحدة الأمريكية والآخر من بريطانيا قبل الانتفاضة المصرية وكانا كلاهما من المدافعين عن النظام في الغرب، وشرعا بالتنظير للانتفاضة ومحاولة اختراق صفوف الثوار عبر ما سمي ب(لجنة الحكماء) وغيرها، واتخذ هؤلاء موقف رفض مبارك لكنهما ركزا على امرار المشروع الأمريكي وهو تحقيق انتقال للسلطة الى رجالات مبارك وليس للثوار! مع ان الكل يعرف ان نظام السادات- مبارك ما كان له ان يستمر عقودا لولا دعم الجيش، الذي تحول منذ غياب او تغييب المرحوم عبد الناصر من جيش وطني مقاتل الى جيش يسيطر عليه جنرالات تم شراء اغلبهم من قبل أمريكا والكيان الصهيوني وهو امر معروف تماما.
والملاحظ الجيد والمتابع الممتاز للأحداث سيسأل نفسه: ألم يكن رئيس هيئة الأركان للجيش المصري في أمريكا, وبعد عودته تم نزول الجيش مباشرة للميدان بحجة الدفاع عن الشعب من جهاز الأمن, بالفعل كم هي خدعة ساذجة ومع الأسف مرت على الكثير, لأنها لم تكن تعني إلا أن الجيش قام بالسطو على الثورة الحقيقية الراغبة في التغيير الوطني, وهو ما أكده بعد ذلك مبارك منفذاً لتوجيهات الجهة التي صنعت الفوضى الخلاقة, حينما كلف الجيش بالقيادة, فمنع الشباب من فرض البديل واقتلاع النظام بالكامل كما أرادوا, ما يعني عدم تحقيق الانتفاضة مطلبها وبالتالي فإنها تحولت عن مسارها.
وقد ساهم في تحقيق هذا السطو الجهاز المخابراتي الأجنبي والشباب العفوي في ميدان التحرير الذي صنع من الجيش البديل لمبارك منذ اليوم الثاني للانتفاضة وكذلك الجهاز المخابراتي الإعلامي والذي كان يتمثل بقناة الجزيرة الذي ظلل ذلك وشغل أفكار الناس المنتفضة بأموال مبارك وقصة موته ومرضه وهروبه وما الى ذلك بعد أن لمع صورة الجيش وجعل من قصة سطوه على الثورة أمر طبيعياً, وذلك بعد إستنزاف الجماهير لغضبها وصبرها, وإدخالها في حالة نفسية صعبة, وما كان الذي يجري سوى لعبة قذرة بحق الشعب المصري الذي لم يفكر بامتلاك شروط النجاح لثورته بعكس ما فكر للتغير وإسقاط مبارك فقط.
إن مايجري حالياً في مصر بعد مبارك (مهما تبدلت الوجوه) لن يختلف عن نظام مبارك, وهذا هو الهدف المخفي الذي نكشفه في دراستنا منذ أول سطر فيها, فالإنتفاضة لم تصنع التغيير الحقيقي, وإنما إستبدلت الوجوه، وكدليل قاطع فإن وقوف الشعب العربي ضد مبارك كان من أجل إتفاقية كامب ديفيد وهي إتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر, ففي اليوم التالي لتولي الجنرالات المديمين لنظام مبارك والسادات قام مجلسهم بإصدار بيان عن إلتزامهم بهذة الإتفاقية , فماذا يعني هذا إلا أن الجوهر لنظام مبارك والسادات لايزال قائم بفضل الفوضى التي ضربت الدنيا بدون قيادة قادرة على إقتلاع النظام بالكامل وفرض بديل.
إن مسألة تعيين الجيش لرئيس وزراء من ميدان التحرير لا يجب الوثوق بها لأن النظام لم يتغير ولأن من يعين ويختار هو نفس النظام, مهما بدا لنا شكل الوجوه الجديدة, وكل ما يجري الأن وسيجري في مصر من تفجيرات للكنائس وإحراق ومحاصرة لمقرات الأمن كله يصب في الفوضى الخلاقة.
فمن غير المعقول أن يحتفظ أي مدير لقسم شرطة سجلات تحوي فضائحه فما يجري هو لسرقة الوقت وتبديل اتجاه تفكير الناس في ما يحصل من تطورات, وإدخال إنتفاضتهم في نفق مظلم, وذلك باللعب في أعصابهم, وجر الشعب للإحباط النفسي والعزلة من ممارسة السياسة والكثير مما هو متوقع سنوضحه لاحقاُ, في حالة لم تقصد الفوضى الخلاقة تدمير البلد فقط بل وتدمير الشباب والشعب نفسياً ومعنوياً وأخلاقياً.
والسبب هو إفتقار الثورة المصرية لكل مقومات الثورة ولأنها لم تكن إلا فوضى متعمدة الأحداث إستغلت حالات الغضب والكرة لنظام مستبد لتقنعه بأنه سيحقق التغيير فيما التغيير عبارة عن لعبة أمريكية مخادعة بل ومن أحدث وأخطر أساليبها, ونحن نرى في تونس العديد من الحكومات والأحداث المأسوية وهي تشابه تداعيات مصر وثورة شبابها, إن من يقنع نفسة إن هذا الكلام غير منطقي فهو يغامر بتاريخ النضال العربي لوضعه بأسوأ حالاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.