لم يكن يعلم وهو مازال في المدرسة الابتدائية أن طيفا داخليا يميد بأحلامه ومشاعره ويضعه على عتبة هذه التجربة اللذيذة الصعبة .. ففي عصر ذلك اليوم البعيد من زمن الفراشات الملونة والجراد الأخضر التقى زميلة المدرسة عند عتبة الباب الأمامي للمدخل الكبير . لاحظت أشياء تفاصيله المظهرية بحس الأنثى الصغيرة وقوة الاختيار العفوي . في اليوم التالي جاءت إلى المدرسة وبيدها هدية ملفوفة على ورق الجرائد .. قالت له : لا تفتحها الآن !! . في المنزل اكتشف الرسالة .. وجد شنطة مدرسية زرقاء اللون كالسماء الصافية .. وفي القلب من مشهد السماء الناصع ارتسمت صورة العصافير البيضاء المحلقة بأجنحة النوارس . في المساء قام بترتيب الدفاتر والكتب .. كان حريصا على تسكينها في قلب الدفء الطارئ لهدية المدى والرحابة .. لم ينقصه الوقت ولا العناية بهذا الترتيب النسقي الذي تحول في تضاعيف دماغه الصغير إلى نشوة غامضة ازدانت بالألوان وأقواس قزح . في الصباح بدت السماء زرقاء بلون الهدية وآمادها .. كما كانت الطيور محلقة بأجنحة البياض الناصع كقلوب خرجت لتوها من سرداب الأبدية .. أما المدرسة فقد استحالت زمنا لفؤاد صغير ينساب في نعومة العاطفة وتفاصيلها المغايرة لمألوف التفاصيل . لم يكن صغيرنا الفتي يدري ما هو الحب.. ولم يكن يعرف تلك الطاقة الاستثناء التي تتناسخ كالاحتياط .. لكنه في مقبل الأيام سيتحول إلى عاشق صغير يرقب خطو ليلاه ويهيم برؤيتها عند كل صباحات الخرافة والبراءة الأولى .