هناك الكثير من الدول التي تتخوف من التقارب المصري الإيراني، وفي الخصوص تلك التي كانت تربطها علاقات إستراتيجية مع النظام المصري السابق. ففتح سفارة إيرانية في القاهرة هي جولة كسبتها إيران وخسرها حلفاء النظام المصري السابق، لاسيما الولاياتالمتحدةالأمريكية. السؤال المهم هو، هل ستؤثر هذه العلاقة الجديدة، منذ القطيعة قبل أكثر من ثلاثين عاما بين البلدين، سلبا على مصر؟ أم ستجلب النفع لمصر التي تحاول أن تعيد ترتيب أوراقها من جديد بعد الثورة؟. لابد من الذكر أن هناك ثلاثة مواقف للدول العربية وبعض الأحزاب والمنظمات تجاه إيران. الموقف الأول هو اللعب لصالح إيران من خلال الانسجام التام مع الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة. ،وهناك عدة أسباب لهذا الموقف، أولها التوافق في العقيدة والايدولوجيا، ثانيا إلتقاء المصالح من خلال الانسجام مع الموقف الإيراني تجاه إسرائيل وأمريكا، ثالثا الشعور بالخيبة من مواقف الدول العربية تجاه إسرائيل وصداقتها للولايات المتحدة على حساب القضايا العربية الكبرى، فكانت إيران هي المنقذ والساند لتلك القوى لتأخذ الدور العربي الغائب. نعم، ربما تكون بعض هذه الأسباب مبررة، كاتقاء المصالح الإستراتيجية مع إيران، لكن بصورة عامة إن اللعب لصالح إيران هو ليس بمصلحة هذه الدول ولشعوبها. أما الموقف الثاني فهو موقف الرافض للسياسة الإيرانية وطموحاتها بالمنطقة. وهناك عدة أسباب لهذا الموقف أولها هو العداء الطائفي، باعتبار إيران تمثل التيار السياسي الشيعي في المنطقة، الذي يحرك طموحات الأقليات الشيعية المكبوتة في الكثير من الدول العربية. ثانيا الانسجام مع موقف الحليف الأمريكي في عدائه لإيران واللعب هذه المرة لصالح الولاياتالمتحدة بدل اللعب لإيران من خلال تنفيذ أجندات أمريكية. ثالثا ربما يكون السببان الأول والثاني معا . إن موقف الرافض لدور إيران في المنطقة هو موقف رومانسي يحلم به من ينام وأرجله تحت الشمس. فمن يريد أن يبني سياجا ليعزل نفسه عن إيران إتقاء لشرها كما يدعي فهو يجلب الشر لنفسه من حيث يدري أولايدري. فإيران جارة للعرب منذ ألفي سنة، وستبقى جارة للعرب بعد ألفي سنة. أما المبالغة في الرفض لأسباب طائفية من خلال تغليفها بأسباب سياسية أو بالعكس فإنها تدخل المنطقة إلا أتون صراع لاينتهي أبدا ، يبدأ من شراء الأسلحة على حساب شعوب تلك الدول الفقيرة ولاينتهي إلى بحرب يكون ضحاياها الأبرياء من غير نتيجة، كما الحرب العراقية الإيرانية. أما الموقف الثالث فهو الموقف الأكثر توازنا ، والذي يحافظ على علاقات جيدة بإيران من أجل مصلحة المنطقة بأسرها. فاتقاء المصالح مع إيران لايدل بالضرورة على اللعب لصالح إيران. فهناك الكثير من يبالغ في خطر إيران وهناك من يقلل من خطرها. المهم هو وضع إيران في مكانها الصحيح وبناء علاقات جيدة معها من أجل استقرار المنطقة بعيدا عنً الاحتقان السياسي والاستقطاب المذهبي الذي يغذيه المتطرفون من جميع الاتجاهات من أجل دفع المنطقة لمواجهة وصدام لا تعرف عواقبه، فقط لعيون دول كبرى وأجندات خارجية. وهنا أعود للموقف المصري. فبعد القطيعة مع الماضي بعد التغيير لابد لمصر أن تعود لدورها الريادي في المنطقة. فبناء علاقات جيدة مع الجميع سيكون بالتأكيد في صالح مصر والمنطقة برمتها. فيمكن لمصر أن تكون صمام الأمان الذي يمتص الاحتقان الطائفي والسياسي الذي تشهده المنطقة. ويمكن أن تكون لاعبا أساسيا في الضغط على إيران من أجل الكثير من القضايا، أولها الجزر الإماراتية وآخرها القضية البحرينية. وحتى يمكن أن تكون داعما لقضية العرب الأحوازيين في إيران. أما الذين يتخوفون من علاقات مصر مع إيران فهم لاينظرون إلى الأمور إلا بعين واحدة، أو قل يستهينون بالعقل السياسي المصري. فمصر ليست بالدولة الصغيرة التي يمكن أن يخاف عليها من سياسات دولة أخرى. فمصر مشهود من خلال تاريخها الطويل بأنها بلد مستقل بعيد عن التأثيرات الخارجية إلى حد كبير. والشاهد على ذلك هو دور الشعب المصري في الثورة الأخيرة والذي عبر عن رفضه لسياسة التبعية للولايات المتحدةالأمريكية في مشروعها بالمنطقة. إن فتح سفارة إيرانية في القاهرة يمكن أن يضع مصر في الموقف الثالث وهو الموقف المتوازن في العلاقة مع إيران. فلابد لمصر أن تأخذ الدور الذي تلعبه الدبلوماسية التركية هذه الأيام في حلحلة الكثير من القضايا. فمصر لاعب أساسي لايمكن تجاهله في المنطقة بأي شكل من الأشكال، وبالخصوص بعد التغييرات الأخيرة. فالسؤال لابد أن يكون، ماذا ستفعل القاهرة مع السفير الإيراني، وليس ماذا يفعل السفير الإيراني في القاهرة!