صديقي المرحوم وزميلي في سلك التدريس في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في الحقبة الماركسية في عدن.. قال لي أيامها إنه بينما كان يتفسح في شوارع مصر عبد الناصر وقف أمام مكتبة يطالع عناوين الكتب وراء واجهتها الزجاجية.. فوقع بصره على كتاب لكاتب سوداني عنوانه (ملعون أبوكي بلد).. ويقول لا أدري لماذا أسرعت بالدخول إلى المكتبة أسأل عن الكتاب وأدفع قيمته فوراً.. ويضيف صديقي: اشتريت الكتاب فقط من أجل عنوانه .. فما كان إلا أن استغرقنا أنا وصديقي في الضحك فكلانا كان يعرف السبب .. وكلانا كان أصلاً يبكي على حال البلد .. الذي ما زلت أبكي عليه إلى اليوم .. وبعد رحيل صديقي ! وبقي عنوان الكتاب في الذاكرة .. جعلته مع تغيير بسيط عنواناً لمقال كتبته في صحيفة ( الزمان) -المتوقفة حالياً- في عددها الصادر في 11 / 10 / 2009م .. هكذا (ملعون أبوها سياسة) .. قلت فيه ( نصف قرن من الزمان عشناه في ضوضاء وصخب السياسة.. وصلنا بعده إلى ما نحن فيه اليوم من ضياع وتخبط وانعدم الرؤية .. يا لها من نهاية .. انقضى العمر ولم يتحقق شيء من الأحلام الوردية التي وعدتنا بها الثورة .. أين المبادئ أين الشعارات أين ( شرف الثورة) الذي كنا نقسم به أم ترى أنها كانت ثورة على الشرف ؟! ملعون أبوها سياسة عندما تكون بلا مبدأ .. ملعون أبوها ثورة عندما تكون بلا أخلاق .. ملعون أبوها حياة لاتعرف الله!). حقاً.. ملعون أبوها ثورة بلا أخلاق.. وأنا هنا لا أخص بها ما أطلق عليه ثورة الشباب عندنا فقط ..تلك التي كانت بمثابة قطعة السكر التي التفت حولها جحافل النمل الأبيض والأسود والأحمر فتلتهمها في لحظات ثم تنطلق بعد ذلك لتهاجم سكان المدينة وتشل حركة الناس وتبث الرعب في كل مكان .. أشبه بما شاهدناه في أفلام هتشكوك .. أفلام الرعب الأمريكية .. حيث رأينا كيف تتحول بعض الحشرات والطيور إلى وحوش مفترسة تهاجم الإنسان في المنزل والحقل والشارع !. ملعون أبوها ثورة .. كل الثورات العربية .. منذ ما أطلق عليها ( الثورة العربية الكبرى) في عام 1923م ... مروراً بثورة 23 يوليو الناصرية في عام 1952م .. وانتهاءً بالثورة الطوفان التي تبشرنا اليوم من تحت عباءة الإسلام بعودة الخلافة الإسلامية! كل الثورات العربية .. تحت كل اليافطات .. قومية ماركسية إسلامية .. كلها طوفانات.. طوفان من بعد طوفان .. حملت لنا أعلام الحرية والعزة والكرامة والديمقراطية و ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .. ثم ما يلبث أن ينحسر الطوفان.. فلا يترك وراءه إلا الحسرة والخراب والخواء والفراغ الذي ينعق فيه اليوم الغراب! نعم.. لقد أضعنا الطريق.. ونحن ندعي ونظن أننا على الطريق.. الطريق المستقيم.. رغم أننا قد تفرقنا على أكثر من طريق.. منذ أكثر من ألف عام ونحن من الضالين.. المغضوب عليهما بالثورات والسياسة والدس والدسيسة.. والغدر والخيانة والاغتيالات الخسيسة . والملك العضوض بالسيف والحق الإلهي.. ورؤوس قد أينعت وحان قطافها .. وقلوب مع الله وسيوفها مع الشيطان! يا سادة .. ليس منا فرقة واحدة ناجية .. كلنا إلى النار .. نجاتنا فقط في أن نمضي جميعاً معاً على طريق واحد .. الطريق المستقيم .. الذي ضيعناه! E-mail:facidsobi@ yahoo.com*