عندما كان البعض يسألني مستفزاً: أنت من أين؟ أجيب على الفور: أنا من جعار أرض الفهود والنمار، أما اليوم فمكسوف بعد أن تدهورت، ورحل معظمهم، وتحولت النمور إلى قطط أليفة، واستأسد الحمار، وأصبح الانكسار يغني، ويتمشى في كل شارع ودار. هدية مكروهة يزداد همي وألمي حينما تفرض الحاجة التحرك إلى عدن خصوصاً بعد أن أصابني طريق رأس الرجاء الصالح بالبواسير، وأشكر (القاعدة) على هذه الهدية الثمينة. رقص من غير ثعابين طريق الرجاء الصالح .. علمني الرقص، وهز الوسط على الخفيف .. من كثرة المنحنيات والالتواءات والتعرجات، ومشقة وطول المسافة، وعموماً الرقص مظهر من مظاهر الفرح، واكتسب صفة التقديس عند الاغريق والفراعنة، ويكون منعشاً وجميلاً شريطة عدم وجود ثعابين، ولا مراقصي الثعابين، و(نسم القلب دنياه .. تاليتها إلى الطين). لما تلبسه البدوية السفر إلى عدن أصبح عذاباً إلا من شيء واحد هو إمتاع العين بمشاهدة الراعيات الجميلات، وهن يلهثن وراء إغنامهن على جوانب متباعدة أو متقاربة من الطريق، وعلى الفور تتذكر الأغنية الشهيرة التي أدخلت عيدروس الجعدني إلى قلوبنا (محلى الويل والمقرمة لما تلبسه البدوية) .. حسن فاتن، وقوام آسر، وحركات ولفتات غزلان .. جمال طبيعي بلا (بوتر) ولا مكياج، وهذا الشيء المبهج الوحيد في طريق العذاب. أحد الزملاء حذرني بعد قراءته ما خطه يراعي من مشاكل، مستشهداً بغضب أهل (فيوش) لحج من محمد محسن عطروش عندما غنى: (أنا في الرميلة، وخلي في الفيوش)، وأنني سأنضرب كما حصل لمطربنا القدير ورددت عليه: (إذا همينا العصافير .. الدخن ما ذريناه، ويا أخي .. الجمال محبب إلى كل القلوب). دعونا .. نعيش أفزعني كغيري تصريح العميد محمد عبدالله الصوملي قائد لواء 25 ميكا، بأن معركتهم الحاسمة والأخيرة ستكون في جعار، وكانت أجهزة الإعلام وقتها قد هللت وكبرت وجارت (سهيل) قليلاً في التضخيم والمبالغة .. عند احتفال قوات الجيش بطرد مسلحي القاعدة من زنجبار كما تقول وتحريرها تارة، وتارة أخرى إخراجهم من أبين، والحقيقة أن أفراد (القاعدة) مايزالون موجودين في قلب زنجبار، وفي الكود وعمودية، والطرفان يتبادلان يومياً اطلاق النار، وإزهاق الأرواح، وإذا كان الجماعة ناوين جعل جعار مسرح معركتهم الأخيرة أو الحاسمة نقول للطرفين: دعونا نعيش فيما تبقى من أمان خائف، وراحة منزعجة، ونوم منقوص، وهدوء مريب، واستقرار مضروب، وحسرة تأكل نياط القلوب، تحاربوا بعيداً عن مدينتنا جعار، لتسلم البقرة والحمار، ويكفينا الخراب والدمار، والتشرد عن الربع والديار، ومذلة الحاجة ونقص السبار. الصبر .. يا رجِال! الشاب محمد علي الوالي أحد أبرز وجاهات جعار ورئيس مجلسها الاهلي .. عطاء صادق مخلص ولكن ضوعف الحمل عليه بسبب كثرة التنظير وقلة العمل وانعدام الاستجابة من السلطات المسؤولة، فصبر جميل. بسرعة * آخر خبر .. قتل عدد من الحمير والكلاب .. توجيهات صارمة للمسلمين في زنجبار بإطلاق النار على أي هدف متحرك. * جعار .. المدينة الحضرية التجارية المعروفة .. تحولت إلى قرية. * للنازحين .. معاناة تتكلم، وأسوأهم حالاً .. القاطنون في جعار. * المسلحون يقدمون بعض الخدمات مثل الماء .. (وايتات) تنقله مجاناً إلى الأحياء. * اختفى صوت الحراك ومسيراته .. إقصاء أم تكتيك مرحلي .. لاندري؟! * جعار مقطوعة عن العالم لا اتصالات، لا انترنت، لا صحف عدا أخبار اليوم والطريق، لا فاكس، لا مستشفى .. الخ، لا أدري لماذا قفزت في ذهني الآن رواية (مائة عام من العزلة) للروائي الكولمبي (غابريل غارسيا ماركيز) الحائز على نوبل. * مدينتي تموت جوعاً ببطء، وتقترب من حافة الانهيار المريع، وتصرخ بصوت خافت: كفى من هذه الحرب العبثية! وتردد في همس حزين، أما لهذا الليل من آخر؟! * قال أحد الفلاسفة: شق طريقاً، وشيد حضارة. * في جعار .. نضب الخير، واختفى رجال الخير، وكثر أصحاب قلة الخير. * جاء رئيس نادي خنفر إلى محافظ أبين طالباً دعم الفريق المشارك في تجمع الثانية في عدن فرد عليه: (ماهو شي وقت (امكبة) قد معنا مباريات خاصة مع القاعدة في أبين) ولا تعليق. آخر الكلام الحق أبلج، والسيوفُ عوارٍِ فحذارِ من اسدِ العرين حذارِ التوقيع : شاعر قديم