إن السينما هي الأداة التنويرية الثقافية وتعتبر من أهم الفنون في الفن السابع التي تتناول العديد من القضايا والأفكار الإنسانية المهمة منها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية وغيرها من المجالات الأخرى التي تتمحور في جوهر القضية الفكرية ولكنها في الحقيقة ليست مجرد صناعة، بل هي في الأساس من أحد أخطر الأسلحة الفكرية التي تعبر تعبيراً صادقاً ومباشراً عن ثقافة المجتمع الإنساني وعليه أن يكون مقياساً صحيحاً لطموحاته الذاتية وحسب حجم حريته الإنسانية من حيث النهوض الثقافي الذي يكاد في عصرنا الحاضر أن يفوق الكلمة وما تحمله من معان سامية، وقد قدم الفنان والمخرج العملاق الكبير الراحل صلاح أبو سيف الذي يعتبر الرائد الأول في الحركة الفنية السينمائية المندفعة نحو التجديد ونوعية المعاصرة في ترجمة مختلف الصور التعبيرية الموضوعية من حيث بلورتها وتحليلها وتجسيدها من خلال الشاشة الكبيرة مثل أروع الأفلام الجادة في فترة الثلاثينات منها القاهرة ثلاثون وبداية ونهاية وحمام الملاطيلي واللص والكلاب والسمان والخريف والسقامات والكرنل. لذلك لعبت السينما الواقعية الجديدة الجادة دوراً حقيقياً مهماً وتصريفياً في ترسيخ القيم المادية والمبادئ الإنسانية والأخلاقية في نفوس المشاهدين الذين يتذوقون الأفلام الهادفة ذات الجودة والقيمة الفنية الرائعة في الشكل والمضمون التي تناولها المخرجون الجادون أمثال صلاح أبو سيف، حيث تدين النظام السياسي المصري الفاسد وتعددت الأحزاب السياسية والثقافات البرجوازية التقليدية السائدة التي تخدم في سياستها النظام الرأسمالي العفن والتعصب الفكري والتشدد الديني المتطرف الذي يقف عائقاً في مواجهة النهوض الثقافي، حيث يواجه الشعب المصري في ظل الظروف الراهنة المتردية الفساد الإداري القائم على الرشوة والاختلاسات والمحسوبية واحتكار الارستقراطية في المناصب العليا التي تحمي المصالح الفردية في السلطة وعدم توفير فرص العمل للعمالة الفائضة وهذا ما يؤدي إلى انحراف الشباب العاطل عن العمل إلى تعاطي المخدرات والخمور وجرائم الاغتصاب والسرقة والقتل وغيرها من الأعمال الإجرامية المحرمة قانونياً. كل هذه الظواهر السلبية الناتجة من الهموم والمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية عكست نفسها على المخرجين الجادين في تناولهم الموضوعات الجادة لذلك اعتبر أن من أهم أعمال المخرج هو معرفة كيف يفوت من الرقابة ويعرف كيف يعرض الموضوع بحيث يقنع الرقابة بوجهة نظر البداية مثلاً فيلم سياسي يتحدث عن الديمقراطية والانتخابات وهي فعلاً مواضيع خطيرة وشائكة حيث يتحدث المخرج الكبير صلاح أبو سيف قائلاً: لا أريد أن أضع الرقابة (وهي هم من هموم المخرج) شماعة يتعلق عليها كل شيء وسبباً في عدم تقديم موضوعات فكرية جادة ولذلك أهم مشكلة في الإنتاج الفني هي إيجاد المنتج المستعد لعمل الأفلام ولا أقول عنها أفلاماً ضخمة التكاليف أو إنتاجاً متميزاً وهو في الحقيقة لا يقدم هذه النوعية من الأفلام ولكنه يقدم أفلاماً عادية فيها نوع من الجودة والكيف يظهر فيها اختياري للموضوع وأداء الممثل الذي اخترته والفن الذي يتعاون معك. للأسف هذه النوعية من المنتجين غير موجودة حالياً وأيضاً سرقة الأفلام السينمائية تعتبر ظاهرة سلبية يسرق الفلم من أول خطوة التوزيع وهذه عملية قرصنة، الفيلم المصري في أمريكا تبلغ إيراداته حوالي ثلاثمائة وخمسين ألف دولار ويشترى من مصر بثلاثة آلاف دولار وهذه عملية حسابية غير معقولة وفي هذه الحالة لماذا ينتج الفيلم وهو مدرك أنه سيسرق ولن يسترد أمواله، حتى في مصر أصحاب دور العرض أصبحوا يتحكمون في عرض الأفلام ويفرضون الإتاوات على أصحاب الأفلام ومن المؤسف أن يحدث هذا في القطاع العام والخاص وهذه كلها هموم ومشاكل وراء توقف الإنتاج الجيد فالفيلم الجيد عندما لا يعرض في الوقت المناسب يعني توقف رأس المال وخسارة فادحة على المنتج والفنان أيضاً وكذلك مسألة النجوم من العيب أن يتحدث الإنسان عن أجور الفنانين ولكن الفنان المبدع له اسمه وشهرته ولولا أن المنتج يعرف أنه يسترد هذا المبلغ لما تعامل مع الفنان أساساً ، المشكلة هي كيف نكتشف وجوهاً جديدة ونعطي فرصاً لهم وهذا يحتاج إلى سياسة وتركيبة معينة ويحتاج إلى شركة إنتاج لها خطة في الإنتاج والتوزيع ولكن هذا المنتج لا يخطط ولا ينتج سوى فيلم أو اثنين فيضطر إلى أن يحشر الكمبارس بجانب النجوم بأمل أن يسترد رأس المال ولذلك كل الأعمال الفنية تمثل هماً كبيراً للمخرج فعندما يتعاون معه مدير التصوير ومدير الإضاءة ثم في النهاية تجد الصورة ليس فيها شيء مما أجهدت نفسك في إبرازه وعندما تسأل نفسك ولماذا كل هذا التعب والمجهود الذي أهدر وما أكثر ما قاسينا في المعامل والنواحي الفنية ويا للأسف مازلنا نتعامل مع آلات انتهى عمرها الافتراضي، وقد لا تكون هناك علاقة بين المخرج ودار العرض في رأي الكثيرين ولكنهم نسوا أن عمل المخرج لا يظهر إلا في دار العرض وعندما يعرض الفيلم في دار عرض سيئة الإضاءة والصوت والتهوية وأيضاً سيئة المظهر فإن هذا ينعكس على المشاهد. ومن هموم ومشاكل المخرج في العمل السينمائي كما يقول الفنان الكبير صلاح أبو سيف لطلبته : طول ما هو حي عينه كاميرا وأذنه جهاز تسجيل، المخرج يفكر ولا يعيش حياة خارج عمله وهو أيضاً أحياناً ينسى نفسه وهو مستغرق في الفيلم الذي يعده لذلك فأنا مندهش جداً من بعض المخرجين الذين يقدمون ثلاثة أو أربعة أفلام في السنة، كيف يحدث هذا؟ فالمخرج عندما يستعد الفلم يستغرقه العمل تماماً وليس لديه تفكير غير الفيلم وشخصياته والتفاصيل التي بعدها لأن الفيلم هو عبارة عن تفاصيل صغيرة لو غفلت عن نقطة منها تجد أن السلسلة كلها انقطعت ولعل هذا هو السبب في أنني لا أخرج إلا فيلماً في كل سنتين أو ثلاث سنين لأن العمل الفني ما هو إلا مجرد جمهور ونقاد، الجمهور هو الهدف الذي أمام المخرج ويريد أن يصل إليه والعمل الفني يقدم أساساً لأجل الجمهور وليس من أجل النقاد أو المهرجان أو الموزع أو المخرج، العمل الفني من الجمهور أولاً وأخيراً لذلك يقول المخرج الفنان والعملاق الكبير صلاح أبو سيف إنه ليس له جمهور معين وأنه لا يعمل لأجل المثقفين أو المتعلمين أو غيرهم من فئات وشرائح المجتمع الإنساني وإذا لم يصل فيلمي لجميع الأوساط والطبقات اعتبر نفسي قد فشلت وربما تكون للفيلم أكثر من قراءة لكن على جميع المستويات القراءة الأولى الواضحة مطلوبة للجميع والنقد مهم وأنا محتاج لمن يرشدني إلى طريق الصواب ويظهر لي محاسني وعيوب العمل الفني الذي أقوم به حيث إن النقد الذاتي ليس مجرد إظهار العيوب فقط ولذلك بعض النقاد يظهر ثقافته ويستخدم الكلمات الفنية التي ليس لها معنى أو علاقة بالنقد وفي الواقع النقاد هم آخر من يتذوقون العمل الفني وكيف استقبلوا الأفلام التي قدمتها ك(شباب امرأة) و (الزوجة الثانية) و (الفتوة) وغيرها من الأفلام التي يمجدها النقاد اليوم ويعتبرونها من أهم الأفلام في السينما المصرية وكيف تم استقبالها من بعض النقاد ولكني لا أريد أن أقول لهم إنني سبقتهم في التفكير ولكن اعتبر نفسي ابن زمني وبيئتي وبصراحة الفيلم المصري وصل إلى مستوى العالمية واستقبل في أسابيع الأفلام والمهرجانات. ومن هموم المخرج السينمائي الفنان والعملاق الكبير الراحل يوسف شاهين الذي يعتبر رائد الواقعية الجديدة، حيث قدم الكثير من الأفلام الجادة منها العصفور والأرض وعودة الابن الضال وحدوتة مصرية والإسكندرية ليه والمصير، حيث يقول ليس لدينا مؤسسات إنتاجية لها سياسة واضحة والطريق لدخول السوق العالمية شيء من المستحيل وفي الحقيقة أول هذه الهموم الإنتاج في مصر هو إنتاج أفراد والفيلم عندما ينتج من خلال شخص معين هدفه تجميع المال من خلال الموزع وبعض المساعدات وبهذه الطريقة يولد الإنتاج هزيلاً وفقيراً بعكس الأمر إذا كان الذي يتولى الإنتاج مؤسسة إنتاجية كبيرة كما هو حادث في جميع العالم ومن هموم المخرج كيف يمكن اختيار الموضوع حيث العمل لا يقوم إلا إذا كان فيه حماس وتعاطف بين الموضوع الذي يقدمه المخرج. وعند اختيار الموضوع تبدأ المشكلة الأساسية وهي كتابة السيناريو وهي تأخذ الجهد الأكبر وتعد مرحلة مضنية. وقد يشارك المخرج في السيناريو مساهمة كلية وأحياناً يعاد السيناريو أكثر من ست مرات حتى يطمئن المخرج من عمله وقد يقرأ المخرج موضوعات بعضها جيدة ولكنها بالنسبة له مكررة ومن ضمن تكوينه النفسي أن الشيء المكرر لا ينسجم معه وأيضاً كلفة الإنتاج من هموم المخرج حيث يحاول بقدر المستطاع تنفيذ العمل الفني بأقل التكاليف الممكنة لأنه يعرف مدى ضيق السوق المحصور فيه الفيلم المصري ويحاول أن يقدم أفضل ما يمكن بأقل كلفة وهذا يكون أحياناً على حساب العمل الفني الذي يقوم به المخرج. ومن هموم المخرج أيضاً القيم الضائعة وهي تعني المناخ الذي يحيط بتنفيذ الفيلم الفريق المتجانس والانضباط واحترام المواعيد والتفاني في العمل والاشتراك في عمل واحد فقط غير موجود فالممثل أحياناً يرتبط بالعمل في أكثر من قناة (السينما والتلفزيون والإذاعة والمسرح) وغيرها من الفنون الأخرى ومن هموم المخرج أيضاً المعدات الفنية، حيث معمل الصوت شيء مخجل جداً أن نلاحظ بعض الأفلام المصرية ترفض في العروض الخارجية لأن النسخة غير صالحة للعرض صوتاً وصورة وهذا أسوأ شيء ممكن أن توصم به صناعة تجاوز عمرها ستين عاماً ومن أكبر الهموم والمشاكل عند المخرجين الجادين كيفية اختيار الموضوعات الهادفة والمهمة التي يتصور من خلالها المخرج أنها موجهة لطلبة الجامعة والأكثر تذوقاً من الجمهور العادي وليس بالضرورة أن يصل الفيلم بالكامل إلى جميع المشاهدين وحيث لا يعتقد أن نوعية هذه الأفلام الجادة يقبلها غير المتعلمين الذين لهم مطالب بدائية وهؤلاء يستجيبون لأفلام الميلودراما وأفلام الحركة فالصراع عند المخرج الجاد ذهني وليس عضلياً والطريق إلى العالمية هو العقبة الرئيسية لكي تعرض الأفلام المصرية في أوروبا وأمريكا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية التي لديها شركات عالمية ضخمة من الإنتاج السينمائي لابد أن ندخل من خلالها إلى هذه الأسواق لذلك أتصور أن اليهود لهم سيطرة كاملة على هذه الشركات وصناعة السينما عموماً وأنهم بشكل تلقائي يعادون الأفلام العربية المصرية ولكن الصعوبة هي كيف ندخل سوق التوزيع؟ وأما عرض فيلم في أمريكا فنراه من الصعب جداً نتيجة الشركات الاحتكارية الأمريكية السينمائية المسيطرة على سوق التوزيع والإنتاج السينمائي لذلك لم يكن الشباك هو مقياس القيمة الفنية للفيلم السينمائي.