عندما تمر الأوطان بظروف عصيبة، وحين تتعرض لأمواج الخطر الداهم الذي لا يرحم ولايستثني احدا..يصبح الاندفاع الشعوري والحب الغريزي المحكوم بالعقل باعثا للحركة ومولدا لطاقة هائلة تختزنها الشعوب في مواجهة الاخطار المحدقة بأوطانها، الهادفة إلي إغراقها في أنهار الدماء، ومستنقعات الفوضي. والشعب اليمني ليس بدعا من هذه الشعوب، بل هو الشعب الضارب جذوره في أعماق التاريخ، الممتد عمره في أحقاب الحضارات الإنسانية الأولي يختزن من التجارب الإنسانية الكثير، ويستفيد من تقلبات الزمان وحركة الأيام العبر والعظات..ويستمد من الإيمان بالله قوة وأملا وعملا. فيستعلي علي نوائب الدهر بذخر الخبرة والتجربة. فيمضي فيها بفهم وبصيرة وبلا خوف أو جهالة. فالأيام دول، والحضارة نقل، والحياة أمل..والشدائد والمحن رفيقة درب أولي العزم، و قدر أهل المجد. والصعاب ظل الأشداء، والأخطار مركب الأقوياء، والرزايا سبايا الأعداء وعدة حرابها تستسلم للأقوياء فتروض بأيديهم حتي تغدو ذليلة صاغرة لأولي البأس الشديد قاهري الزمن.. فإذا ما داهمته الأخطار وتجددت لم يكن الشعب اليمني إلا ذلكم الشعب الذي يواجهها بروح الفارس الشجاع الذي يهب لنجدة غيره، ويأبي إلا أن ينصر مظلوما أو يغيث ملهوفا يستنجد به من نوائب الدهر وما أكثرها حتي من يظن نفسه بعيدا عنها...... هذا موقفه مع غيره...فكيف يكون موقفه لحماية الديار والذود عنها. نعم هذا هو الشعب اليمني الأصيل معدنه، القوي موقفه، النبيل مقصده، المتحد هدفه. نختلف لكننا وقت الشدائد نأتلف، يجمعنا الهم والدم، ومهما تبارينا في المواقف البينية أو تباينا فيها فإننا نثوب إلي الرشد..وهذه سمة الشعوب الحية....نعم نرفض الظلم من بعضنا علي بعضنا ونأبي أن نكون تحت سقفه، أو نسبح بحمده، ونقف في وجه الظلم كلنا إن وقع من أعدائنا علي أي منا..هذا هو قدرنا ومصيرنا. نفهم أننا في أزمة اقتصادية، ندري أننا نعيش صراعات سياسية، نعي حجم التناقضات الداخلية، وفوق ذلك ندرك وجهة المواقف لإقليمية والدولية، نثمن حسنها، نتغابي عن سيئها....إنما السيد من يتغابي. ورغم ذلك كله فلن نتواني عن حماية الديار، ولن يرهبنا صوت انفجار، فنحن أحفاد فاتحي الأمصار، ونحن إكليل الغار....ولن ننحني أبدا لعار. وطننا عزتنا وكرامتنا، لن يكون حقلا لتجارب، ولا ميدان سباق، ولا ساحة حرب إلا لمن رامنا الموت. ولن يكون متنفسا لمزاج فاسد قريب كان أو بعيد يبعث فيه ما يحب..ولو كان فيما لا نحب..ويئد فيه ما يكره ولو كنا مكرهين..كلا كلا. لسنا من يعطي الدنية في ديننا..أو في أوطاننا. إن كان منا من يفعل ذلك، فعيون الشعب له راصدة ووثبته ساحقة ماحقة...ودم أبنائه الحارة تغتلي فداء لتربته، وانتقاما لشهدائه، وأبريائه، ممن قتلوا ويقتلون بفعل ألاعيب الخصوم غير الشرفاء،واللعب الصماء التي سلمت مصيرها للإيدي العابثة، ومآلها سكون لا حركة فيه أو لعبة بإيدي الرجال الأطفال لا الأطفال الرجال. هاهو الشعب اليمني احتبست الدموع في عينيه ولم تكتحل بنوم، وملأت الغصة حلقه فصعب الكلام عليه.. من شدة ما رأي من بشاعة المنظر وهول الموقف ودناءة المخطط، وخسة الممول، وحيوانية المنفذ....وحقارة الشامت والصامت. الشعب اليمني لم يتكلم بعد ليسمع كلماته من به صمم. هاهو يخطو بهدوء ليعرف الحقيقة كاملة..التي لن يرضى بغيرها بديلا.ولن يقر له قرار حتي يكشف مستورها وخفاياها وخباياها..نعم سيعاقب المجرم ولن يفلت من العقاب..وسيعاقبه الشعب وعقاب الشعوب أدهي وأمر. ووسط ذلك كله الشعب اليمني يمضي نحو إنجاز أهدافه كاملة غير منقوصة خلف قيادة منه وإليه تقف في خندقه دوما سلما أو حربا. الشعب اليمني يقف في خندق الدفاع عن دمه المهدور ظلما، وحياته المقتولة غدرا، وذاته المقهورة بلا سبب. هاهنا نفس الرحمن ياعباد الشيطان..إن كان هناك من يظن أنه بسبب الفاقة يشتري بطونا خاوية..فإن لنا نفوسا عزيزة ...تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، ولعله جدير بنا أن نذكر أرباب النعم بأن الجوع لم يفل سيفا بيد عنترة وإخوانه..كما لم يهزم من كان يضع الحجر علي بطنه مادامت النفوس كبارا...كبارا. ومن أسكرته خمرة السياسة وألاعيبها...فإن ما حدث فينا من قتل ووحشية سيبعث فيه الرجولة والغيرة.وحتما سيغار...ويعلن أنه ابن أبيه وأمه وابن وطنه المكلوم المغدور...من علم الدنيا السلام وأعطاها الأمان...سيتوب إن كان قصر في حق وطنه ويقولها: أضعته صغيرا...وسأحمل دمه كبيرا...لا سكر اليوم..ولا صمت الغد..اليوم بر..وغد أمر..وإننا لنصرك ياوطن عاملون...ولمن غدرك قاهرون....فلا نامت أعين الجبناء.