رايتس رادار تدين حملات الاختطافات الحوثية في إب وتطالب بالإفراج عن المختطفين    خبير في الطقس يتوقع موجة أمطار جديدة تشمل اغلب المحافظات اليمنية    قتلة وجلادي أمن مأرب يزهقون حياة طفل يتيم عمره 13 عاما    المواجهة مع هائل سعيد.. آخر معارك الوحدة اليمنية اللعينة    خبير نفطي يكشف معلومات جديدة عن ظهور الغاز في بني حشيش ويحذر    أما الدولة وسلطتها.. أو هائل سعيد وبلاطجته هم الدولة    مافيا "هائل سعيد".. ليسوا تجار بل هم لوبي سياسي قذر    ذا كرديل تكشف عن الحرب الإلكترونية الأميركية الإسرائيلية على اليمن    غزة: 20 شهيداً إثر انقلاب شاحنة محملة بالغذاء تعرضت لقصف صهيوني    مصرع 4 ركاب في تحطم طائرة نقل طبية بولاية أريزونا    زيدان يقترب من العودة للتدريب    اجتماع طارئ وقرارات مهمة لاتحاد السلة    تخرج 374 مستفيدًا ومستفيدة من مشروع التمكين الاقتصادي بمحافظتي تعز ولحج    رئيس هيئة مستشفى ذمار يعلن تجهيز 11 غرفة عمليات وعناية مركزة    الأبجدية الحضرمية.. ديمومة الهوية    رسميّا.. حرمان الهلال من سوبر 2026    كأس آسيا.. الأردن تكسب الهند والعراق يخسر أمام نيوزيلندا    لاعب برشلونة يوافق على تجديد عقده    اعتراف صهيوني: اليمن بدّد هيبة أمريكا في البحر    طيران اليمنية لا تعترف بالريال اليمني كعملة رسمية    هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنتج نكاتا مضحكة؟    سفير إسرائيلي سابق يطالب ماكرون بفرض عقوبات فورية على إسرائيل وعزلها جغرافيًا    لا قضاء ولا قدر في اليمن    من ضمّني لن أتركه وحده.. وكلمة السامعي بلاغ رسمي قبل السقوط!    عدن.. البنك المركزي يعلن سحب تراخيص منشأتين جديدتين للصرافة ويغلق فروعهما    حجة.. وفاة امرأة وإصابة طفلة بصاعقة رعدية    أسبانيا تُفكك شبكة تهريب مهاجرين يمنيين إلى بريطانيا وكندا باستخدام جوازات مزوّرة    فريق شباب الحزم يتوج ببطولة العدين الكروية بنسختها الرابعة    انتشال جثث 86 مهاجرًا وإنقاذ 42 في حادثة غرق قبالة سواحل أبين    اجتماع أمني بالعاصمة عدن يبحث تنظيم العمل وضبط السوق السوداء    ستبقى "سلطان" الحقيقة وفارسها..    مقتل مرتكب المجزرة الاسرية بإب    أياكس الهولندي يتعاقد مع المغربي عبدالله وزان حتى 2028    لا تليق بها الفاصلة    محافظ عدن يقر رفع حافز المعلمين إلى 50 ألف    البنك المركزي يسحب تراخيص منشأتين للصرافة ويغلق فروعهما    الوزير باجعاله يؤكد أهمية حصول ذوي الإعاقة على كامل حقوقهم    النفط يتراجع وسط تصاعد المخاوف من فائض المعروض    اتهامات لمليشيا الحوثي بخطف نجل نائب رئيس مجلس النواب السابق في صنعاء    تعز.. اختتام دورة الرخصة الآسيوية (C) لمدربي كرة القدم    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    وزارة الزراعة تناقش استعدادات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف    فعالية احتفالية بذكرى المولد النبوي بذمار    إصابات إثر تصادم باصين للنقل الجماعي بمحافظة حضرموت    عدن.. البنك المركزي يحدّد سقف الحوالات الخارجية للأغراض الشخصية المُرسَلة عبر شركات الصرافة    أيادي العسكر القذرة تطال سينما بلقيس بالهدم ليلا (صور)    النائحات المستأجرات    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى البردوني الدائمة
نشر في رأي يوم 20 - 10 - 2009

الشعر كالحب ليس له تعريف دقيق، ولا توصيف عميق، لكنه أقرب ما يكون للشجر، متشابه، وغير متشابه، له تربته المعرفية، وله جذوره الضاربة في التاريخ، وله بوصلة الاستدلال على الينابيع، وله القدرة على شق الأرض والحجارة، كما له القدرة على التشبث بها، والشعر كالشجر يسمو دائما نحو الشمس والأفق، يزهرُ ويثمرُ، وتغني من خشبه أعواد الدهشة، وتردد خلفه أصوات المنشدين. يقاوم الريح، ويتثنى مع النسيم، ويمزج الأضداد، فهو على سفرٍ.. ومقيم، ظلالُه خاصة ومشاعة، وفاكهتهُ مُحللة، محرّمة!!
والشعر ليس له زمن، فهو متداخلٌ من ناحيتي التاريخ والقيمة: قديمٌ حديث، وحديثٌ حديث، وحديثٌ قديم.
وهو كالماء والأواني المستطرقة، يتشكل كيف يشاء، لكنه في النهاية ماء.
وهناك شعراء يختصرون لنا معنى الشعر وإشكالاته عبر قصيدهم، ومنهم الشاعر الحديث بمعنى الجدة، القديم بمعنى الجودة، الراحل الكبير، البعيد القريب، البصير الرائي، عبد الله البردوني 1929- 1999، لكم من بساتينه هذا الرحيق:
في قصيدته الشهيرة أبو تمام وعرب اليوم، يشكو البردوني، نكسة العرب وحالهم إثرها، كما فعل معظم من عاشها، وقد اختار البوح لأبي تمام، بينما اختار أمل دنقل البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، ويوسف الصائغ مالك بن الريب، وغيرهم، كتحول في استعادة واستعارة الرموز العربية الإسلامية بدلاً من الرموز الإغريقية في بداية الشعر الحديث:
ماذا جرى يا أبا تمام تسألني
عفواً سأروي ولا تسأل.. وما السببُ
اليوم عادت علوج الروم فاتحةً
وموطنُ الَعَرَبِ المسلوبُ والسّلَبُ
ولم يكن الوضع متدهوراً في الجبهة فحسب، فالعلة في كل الجهات:
ماذا أحدّثُ عن صنعاء يا أبتي
مليحةٌ عاشقاها السلّ والجرَبُ
ماتت بصندوقِ وضّاحٍ بلا ثمنٍ
ولم يمتْ في حشاها العشقُ والطربُ
وينابيعُ البردوني عديدة ومتنوعة تصبّ في نهر واحد، هو نهر الإنسان العربي المبدع الأسير، ذو الأجنحة ولا يستطيع الطيران، العالم بالحال، الناطق بلسانه، كما في قصيدة مصطفى من ديوانه الرائع المكتمل حيث بلغ الذروة " كائنات الشوق الآخر":
فليقصفوا لست مقصف وليعنفوا أنت أعنَفْ
لهم حديدٌ ونارٌ وهم من القشّ أضعفْ
وهو يرى أن الخلل كامن في التكرار، والتقليد، والدوران الفارغ:
لأنهم لهواهم وأنت بالناس أكلف
يجزّئون المجزّا.. يُصنّفون المُصَنّف
لذا تلاقي جيوشاً من الخواء المزخرَف
والحل هو فيك ومنك أنت أيها الواعي العارف، والسرّ - وإن كنت على فقر- تحت قميصك المنَتّفْ، فلا يأس، حين تشع النظرة بالأمل والغد وشمس الحياة، مهما ادلهم الواقع:
يا مصطفى يا كتاباً من كلّ قلبٍ تألّفْ
ويا زمانا سيأتي يمحو الزمان المزيّفْ
أما المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فيخصه شاعرنا بقصائد منها " يقظة الصحراء" و" طه"، و" بشرى النبوءة "، وفيها هذا الوصف الجديد الجميل للرسول:
رأى اليتيم أبو الأيتام غايته
قصوى فشق إليها كل مضمارِ
وامتدت الملة السمحا يرفّ على
جبينِها تاجُ إعظامٍ وإكبارِ
انظروا إضافة إلى أبي الأيتام، إلى الحنان والتطهير الذي يقترن بالفتح، إنه دين رحمة وعدل، لا قسوة وحقد وظلم، فالظلم احتواه القبر:
مضى إلى الفتحِ لا بغياً ولا طمعاً
لكن حناناً وتطهيراً لأوزار
فأنزلَ الجورَ قبراً وابتنى زمناً
عدلاً... تدبره أفكارُ أحرارِ
والبردوني قريب من أبي العلاء المعري في عماه وتأمله وفلسفته وأسئلته الكاشفة:
لماذا المقطف الداني بعيدٌ عن يدِ العاني؟1
لماذا الزهر آنيٌّ وليس الشوك بالآني؟!
لماذا يقدر الأعتى ويعيا المرهفُ الحاني؟!
وكذلك قريب منه في ارتهانه، وكان ذلك في عهد الإمامة، فسجن، وعمى، وقيد، وجرح:
هدّني السجن وأدمى القيد ساقي
فتعاييت بجرحي ووثاقي
وأضعتُ الخطوَ في شوك الدجى
والعمى والقيد والجرح رفاقي
في سبيل الفجر ما لاقيت في
رحلة التيه وما سوف ألاقي
سوف يفنى كلّ قيدٍ وقوى
كلّ سفاحٍ وعطر الجرح باقي
وهو مشغولٌ دائماً بالأضداد: الخير والشر، الحق والباطل، العدل والظلم، الورد والشوك، والسعادة والحزن... أو ليس كذلك الشعراء؟! وها هو في وقفة تأمل بارعة:
كلما غنت جرى من فمها
جدولٌ من أغنياتٍ وشكايا
أهي تبكي أمْ تغني أم لها
نغمُ الطّيرِ وآهاتُ البرايا
وهو يحتار في سر ذلك الصوت الجميل النقي، البهيج الحزين:
هل لها قلبٌ سعيدٌ ولها
غيرُهُ قلبٌ شقيٌّ في الرّزايا
أمْ لها روحان روحٌ سابحٌ
في الفضا الأعلى وروحٌ في الدنايا
وكما تَميز البردوني بموسوعيته، وغزارة شعره ونثره، وذاكرته المتقدة، تميز بسخريته اللاذعة حتى من نفسه ومحبوبته صنعاء، ومن ذلك أنه سئل عن صنعاء التي يحب فأجاب بأنه من أراد أن يعرف أحوالها فلينظر في وجهي، أما عندما شكوه مرة على القاضي قال للجميع: ليس على الأعمى حرج!! ويكثر ذلك في شعره الناقد النافذ، وها هو يساءل اللص في قصيدة " لص في بيت شاعر":
ماذا وجدت سوى الفراغ ، وهرّة تَشْتَمّ فاره
ولهاث صعلوك الحروف يصوغ من دمه العباره
يُطفي التوقّدَ باللظى ، ينسى المرارةَ بالمراره
لم يبقَ في كُوبِ الأسى شيئاً ، حَسَاهُ إلى القراره
وهو يسخر من فقره، ومن اللص عديم الحظ، سيء الاختيار:
ماذا؟ أتلقى عند صعلوكِ البيوت غِنى الإمارة
يا لصُّ عفواً إن رجعتَ بدون ربحٍ أو خسارة
لم تلقَ إلاّ خيبة ، ونسيت صندوقَ السجاره
شكراً، أتنوي أن تُشرفنا ، بتكرارِ الزياره
وللفن لديه فلسفة، كما للجراح فلسفة:
بي ما علمت من الأسى الدامي وبي
من حرقة الأعماق ما لا أعلمُ
بي من جراح الروح ما أدري وبي
أضعاف ما أدري وما أتوهمُ
ورغم سوداوية بعض قصائد البردوني:
وكأن روحي شعلةٌ مجنونةٌ
تطغى فتضرمني بما تتضرّمُ
وكأن قلبي في الضلوع جنازةٌ
أمشي بها وحدي وكلّي مأتمُ
إلا أنه يجد مساحة للفال ولو في الحلم:
حرماني الحرمان إلا أنني
أهذي بعاطفة الحياة وأحلمُ
والمرء إن أشقاه واقعُ شؤمهِ
بالغبنِ أسعَدهُ الخيال المنعمُ
وفي النهاية فإن حداثة البردوني لا تتجلى في فكره، شعره، ومضامينه، بل هي بينة حتى في عناوين دواوينه، فأترككم مع بعض أسمائها العميقة الشاعرة: وجوه دخانية في مرايا الليل، ترجمة رملية لأعراس الغبار، رواغ المصابيح، والسفر إلى الأيام الخضر، لتطلقوا لأخيلتكم العنان!!
* شاعر من السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.