فيما اعتبر "عنفا ضد الفتاة " بدت أعمال المؤتمر الإقليمي لمكافحة ظاهرة ختان الإناث اليوم أشبه بصرخة احتجاج على ممارسات " جاهلية" لعنف أسري بحق الفتاة اليمنية في واحدة من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تؤكد المسوحات الميدانية تناميها على نحو واسع في مناطق الريف الساحلي اليمني وحتى مناطق الوسط والشمال وسط تأييد اجتماعي كبير . فظاهرة "ختان الإناث" أو ما يعرف شعبيا ب " الطهارة " تستحوذ اليوم على اهتمام العديد من المنظمات النسوية والحقوقية و الهيئات والدولية المهتمة بصحة المرأة والطفل وثمة محاولات تبذل للحد من انتشارها والتقليل من تأثيراتها التي تطاول أكثر من 20 بالمئة من إجمالي النساء في اليمن . وطبقا للدراسة التي نفذها مشروع "تنمية الطفل" المنفذ من قبل الحكومة بالتنسيق مع منظمة "اليونيسيف" و "البنك الدولي" فأن الظاهرة تتفشى بصورة كبيرة حاليا في 10 محافظات تتصدرها الحديدة ، حضرموت ، المهرة ،عدن ، إبين ثم إب ، حجه ، لحج ، صعدة وتعز بنسب متفاوته على التوالي. ومن بين 30 مديرية جرى مسح الظاهرة فيها ميدانيا في 5 آلاف و80 أسرة تبين أن الكثير من الأسر تخضع أطفالها الإناث بعد الولادة إلى عملية ختان بتم فيها استئصال جزء لحمي من العضو التناسلي للفتاة بدعوى الطهارة والعفة !. وتؤكد الباحثة الاجتماعية فاطمة العبسي أن ظاهرة ختان الإناث تنتشر في المناطق الساحلية بكثافة في عادة اجتماعية يعتقد أنها وصلت إلى اليمن من دول إفريقيا المشاطئة للساحل اليمني .. "في هذه المناطق تستقبل الأسرة اليمنية طفلتها بمقص أو موس حلاقة لختانها بعد أيام من ولادتها لتؤسس للفتاة أول مشكلة صحية ونفسية تظل تأثيراتها عالقة حتى آخر العمر ". وتصف العبسي ما تتعرض له الأنثى بعد أيام من ولادتها بواحد من أكثر مظاهر العنف ضد المرأة قساوة.."فالأسرة واعتقادا منها أن ذلك من تعاليم الدين الإسلامي تقوم باستئصال جزء من العضو التناسلي للفتاة ويتم تشويهه بسبب الطريقة البدائية التي يجري فيها ختان الطفلة الضحية . وليلى التي تعمل حاليا أخصائية اجتماعية في إحدى المدارس الثانوية شاركت أخيرا في دراسة ميدانية حول الظاهرة وتقول " إن ما تتعرض له الأنثى بعد أيام من ولادتها يعد من أكثر مظاهر العنف ضد المرأة قساوة.."فالأسرة واعتقادا منها أن ذلك من تعاليم الدين الإسلامي تقوم باستئصال جزء من العضو التناسلي للفتاة ويتم تشويهه بسبب الطريقة المتخلفة التي يجري فيها ختان الطفلة الضحية" . وتشير العبسي في حديثها عن إحدى الحالات إلى الفتاة زينب. ع التي كانت محرجة عندما بدأت كتابة استمارة البحث وتقول " زينب تعاني من مشكلات نفسية وتنظر لنفسها بانتقاص وهذه تمثل نموذجا لحالة عامة فرغم بلوغها ال 19 عاما لا تزال تعتقد أن العملية التي أجراها حلاق قريتها في أحدى قرى المحافظة الساحلية تؤثر عليها نفسيا لكنها بالمقابل تحاول كغيرها إخفاء مشكلاتها". وتضيف " هناك صورا متعددة لمعاناة الأنثى وأكثرها في الحياة الزوجية ومشكلة البرود الجنسي .. وهناك مشكلة أخرى هي الإحساس بالنقص والخزي الذي تشعر به الفتاة المختونة عند التقائها بأقرانها غير المختونات في المدرسة أو الجامعة وحتى في مرفق العمل" . * ممارسات بشعة : والممارسات البشعة التي غالبا ما تجري اثناء عمليات الختان للفتيات تبدو أكثر أيلاما ومصدرا اساسيا للمشاكل الصحية والنفسية لدى الفتاة . ويوضح تقرير نشرته إحدى المنظمات النسائية مؤخرا أن من بين 4 عمليات ختان هناك 3 عمليات أجريت باستخدام أمواس الحلاقة كما وجد أن من بين 5 عمليات حالة واحدة استخدم فيها المقص ، ومعظمها كانت تحدث في المنازل في غياب كل شروط الحماية الصحية. وحسب الدراسة نفسها فان ثلثي عمليات الختان التي تجري للنساء ،تتم عن طريق الدايات الشعبيات وأقل من الربع عن طريق الجدات ( الأقارب ) في حين لا تتعد نسبة العلميات التي يجريها اخصائيون ( ممرضات أو قابلات ) 8بالمئة ، فيما يتولى الحلاق إجراء 5بالمئة من العمليات فيما نسبة 97بالمئة من عمليات الختان للفتيات تتم في المنازل .. في طقوس ختان تختلف من منطقة إلى أخرى . ولا يزال الحديث عن الظاهرة وأسبابها في عداد المحرمات خاصة لدى الأوساط الإجتماعية التي تنتشر فيها الظاهرة فيما يشبه الحاجز الاجتماعي الذي يمنع أي خرق للظاهرة ويكبح أية محاولات لمعالجتها فيما التأييد للظاهرة لا يزال هو الأكثر سيادية . وتقول الدكتورة عبد الغني إن المناطق الساحلية ذات الطقس الحار إن المستوى المرتفع لممارسة الظاهرة وتأييدها يبدو أكثر وضوحا في مناطق الساحل التهامي المطل على البحر الأحمر(حجه ، الحديدة ، تعز) هي الأولى من حيث الانتشار ، تليها مناطق الساحل الشرقي المطل على بحر العرب(حضرموت ، المهرة ،)ثم مناطق الساحل الجنوبي (عدن ،تعز) وتقل معدلات الانتشار كلما اقتربنا إلى الداخل في مناطق المرتفعات والمناطق الصحراوية. وتشير الدكتورة عبد الغني في دراسة تناولت موضوع التأييد الاجتماعي للظاهرة إن تحليل إجابات النساء والرجال المبحوثين بشأن موقفهم من الظاهرة يتبين أن نسبة عالية منهم ( 9 نساء من كل 10 أجريت لهن عمليات و 7 رجال أباء من كل 10 ) يؤيدون مسألة استمرار ختان بناتهم لأسباب مختلفة. ووجد أن نسبة النساء المؤيدات لظاهرة ختان الفتيات في محافظتي المهرة وحضرموت مثلا تصل إلى 98بالمئة و 90بالمئة على التوالي وتصل إلى 80 بالمئة في محافظة الحديدة ، و 28بالمئة ، 24بالمئة في محافظتي عدنوتعز على التوالي. ويؤيد 46بالمئة من سكان هذه المناطق الظاهرة بمبرر الرغبة في تطهير الأنثى و10بالمئة يؤيدونها بدعوى المحافظة على التقاليد المتوارثة فيما يؤيد 30 بالمئة الظاهرة بسبب الاعتقاد بأن ذلك من الدين وحوالي 12بالمئة بدعوى المحافظة على بكارة الأنثى وضمان العلاقة الزوجية الحسنة . وتؤكد الدكتورة عبدالغني أن نسبة عالية من المؤيدين لاستمرار ظاهرة ختان البنات هم من الأميين القاطنين في المناطق الريفية الساحلية 66بالمئة فيما تقل نسبة التأييد في المناطق الجبلية إلى حدود 42 بالمئة . * معتقدات شعبية : يؤكد الباحثون الإجتماعيون أن التأييد الإجتماعي لظاهرة ختان الإناث إلى المعتقدات الخاطئة لدة الناس من أن ذلك من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف فيما يعتقد البعض أن ذلك نوعا من التمسك بالتقاليد المتوارثة من أجل المحافظة على بكارة الأنثى وضمان العلاقة الزوجية الحسنة. لكن الباحثون الإجتماعيون يفسرون ذلك بالإشارة إلى أن نمط الحياة المعيشية لدى معظم التجمعات السكانية في المناطق الساحلية فرض على الناس اتباع أساليب معينة في الحفاظ على مسائل الشرف .. ومعروف أن نمط السكن في المناطق الساحلية ذو طبيعة خاصة ،ويمكن القول أنه مجمتع متداخل بطبيعة المناخ الحار والتجمعات السكانية المختلطة أو التي تتيح الاختلاط إلى حد ما . وفي ظل مجتمعات كهذه تسعى الأسر إلى اتخاذ ما يكمن تسميته بالإجراءات الاحترازية لحماية الفتاة فيما يعرف شعبيا ب"الطهار" ولذلك يعتقد أن ختان الأنثى وسيلة مضمونة لعدم وقوع الفتاة في دائرة الخطيئة.. وهي على كل حال معادل موضوعي لغياب نمط الحياة السكانية الذي يمكن من خلاله الحفاظ على الأنثى من غير إتباع وسائل كهذه . ويرى آخرون أن العملية تؤسس لمسائل المحافظة على بكارة الأنثى في ظل نمط السكن العشوائي المفتوح نسبيا، وتضمن علاقة زوجية سليمة في ظل الظروف الاقتصادية التي تفرض على الزوج الغياب عن منزل الزوجية لفترات طويلة فيما يؤيد آخرون الظاهرةً لكونها تنفيذاً لتعاليم الإسلام . ولا يكترث الكثير من مؤيدوا الظاهرة للتأثيرات الصحية الناتجة عن عمليات الختان التي تجري عادة بصورة بدائية رغم إعترافهم بانها تسبب في أحيان كثيرة مشكلات كثيرة للأسرة . ومن ذلك بحسب الدكتورة نجيبة عبد الغني الألم الشديد الناتج عن إجراء العمليات بدون تخدير والإصابة بنزيف الأوعية الدموية وتضييق أو انسداد لفتحة البول وكذا تسمم الدم وتعفنه أحيانا ما يؤدي إلى الموت ، علاوة على الإصابة بالحمى والصديد المستمر ما يؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة . وتضيف الدكتورة عبد الغني أن التأثيرات النفسية الناتجة عن هذه العمليات لا تقل خطورة عما سبق سيما وأنها تظل ترافق الأنثى طوال حياتها ومن ذلك الإحساس الذي ينتاب الإناث بسبب التشويه الحاصل في أعضائهن التناسلية والمشاكل طويلة المدى التي يسببها الختان للمرأة عند معاشرة زوجها . سبا نت