منذ عام 2003 تولي الحكومة اهتماما بالغا لحل الاختناق المروري الذي تعاني منه أمانة العاصمة بتنفيذ عدد من الجسور والأنفاق عند بعض التقاطعات الأكثر ازدحاما بالحركة المرورية، بتكلفة بلغت 62 مليون دولار يساهم الصندوق العربي للإنماء منها بخمسين مليون دولار والحكومة اليمنية بمبلغ 12 مليون دولار. وفي أثناء تنفيذ هذه المشروعات كان يبرز أمام الحكومة عدد من القضايا، من أبرزها مطالبة تجار بتعويضات مالية عما يسمونه إلحاق الضرر التجاري بهم بسبب الإغلاق أثناء تنفيذ تلك المشروعات وتوقف حركة البيع والشراء. يقول الحاج عبده سعيد الحميدي (محلات سعد الخير للتجارة) أحد المتضررين من بناء جسر جولة كنتاكي "لا طائر يطير ولا سائر يسير، مثلما النساء يتلثمين بالبراقع السوداء لثمونا بالزنك، لا صاحب نظافة يمسح الشوارع ولا زبون يشتري، فقط نفتح ونجلس من غير بيع و شراء". وأضاف: "نسبة المبيعات ضعيفة جدا ولا نعرف كيف ستكون حركة البيع بعد الانتهاء من الجسر، نعاني الكثير فالمحل يقع وسط موقع البناء، المداخل والمخارج بعيدة عنا لم يفتحوا لنا مخارج قريبة والمحل بضاعته من الثقل الكبير: ثلاجات، غسالات، مكيفات، إذا أردنا إدخال بضاعة يأخذ الحمالون أضعاف ما كان في السابق والزبائن لا يأتون إلى هنا لشراء بضاعة من هذا الحجم خوفا من المكان الضيق والأحجار والأوساخ التي تحيط بالمكان لربما يحدث أي شيء وتسقط وتتبهذل البضاعة. ويتابع: "الآن بضاعتنا في المخازن لم نأت بها الى المحل، لأن البضاعة الأولى لم تبع". ** خفض إيجار المحل الى النصف صالح القيلي يمتلك أربعة محلات تجارية في "جولة الساعة"، قال: "قبل بناء الجسر وإقفال المكان كانت المحلات دائمة الطلب للإيجار وتأكل أسرتي لقمة العيش ولم يتوقف من قبل أي محل أو أغلق لأي سبب إلى حين بناء الجسر و إغلاق الجولة، خرج المستأجرون وأغلقت كل المحلات وأنا لدي ثلاثة عشرة أخا، أنا الوحيد الموظف في الدولة وبقية إخوتي عاطلون عن العمل وخريجو جامعات من دون وظائف دائمة، وهذه المحلات خلفها والدنا رحمة الله عليه لتعيننا على معيشتنا". ويؤكد: "منذ بداية بناء الجسر توقف البيع لدى المستأجرين، وأذهب آخر الشهر لأطالب بالإيجار وأنا على خجل واستحياء منهم كيف أطلب منهم مالا وأنا على علم بتوقف حركة البيع لديهم وجميعنا في حاجة للمال؟ فلم يعد لهم خيار سوى الخروج والانتقال من هذا المكان غير الجيد للتجارة". ويضيف: "حاليا محل واحد مؤجر، لكن بعد تخفيض إيجاره الى النصف، وهو خسارة أيضا، حالنا يعلم به الله. مر علينا رمضان هذا العام في ظروف صعبة، لم نستطع إخراج فطرة مثل كل عام، خرب البيت، لسنا قادرين على دفع فواتير المنزل، لدينا سيارة في الحوش لم نقدر على الخروج بها بسبب وجود الزنك، إذا احتجنا مالا لصرفيات البيت نأخذ قطعا من السيارة ونبيعها في محلات قطع تشليح السيارات لسد حاجة البيت". تلك بعض الانعكاسات الاقتصادية التي يعاني منها التجار في أماكن أعمال بناء الجسور والأنفاق. وبحسب د. نصر الفرزعي، رئيس لجنة متضرري جسر "جولة كنتاكي"، فإن أضرار وخسائر التجار تكون مباشرة نتيجة الإغلاق الكامل فترة التنفيذ في المبيعات والإيجارات وتقدر تلك الخسائر بمبلغ ثلاثة مليارات وستمائة وعشرين مليون ريال ل108 محلات ومراكز تجارية وطبية. ويلفت إلى أن هناك خسائر لفترة ما بعد الجسر، كون الشارع ضيقا، ولن يتبقى سوى شارع بعرض مترين بدون توقف في كل اتجاه، ما يخلق أضرارا دائمة تقدر ب50 بالمائة من الأضرار السنوية، وأضرارا على العقارات تتمثل بانخفاض قيمتها بنحو 40 بالمائة، وكذا انخفاض الإيجار وإخلاء المستأجرين لتبلغ نحو 14 مليار ريال لأربعين عقارا في شارع الزبيري "جولة كنتاكي". ** عدم قانونية جسر "جولة كنتاكي" عبد السلام السماوي، مدير الشؤون القانونية في الغرفة التجارية الصناعية، يقول: "لدينا عدة شكاوى من المتضررين بحسب حجم الاضرار التي يواجهها أصحاب النشاط التجاري سواء كانوا ملاك للمحلات أو ملاك للعقارات الاستثمارية". ويتابع: "مثلا جسر جولة كنتاكي كانت المناقصة أرسيت على حفر نفق، ومن مزايا النفق حفاظه على المظهر الطبيعي للشوارع ولن تتأثر حركة البيع بعد الانتهاء من البناء؛ لكن تغير النفق إلى جسر دون إشعار المواطنين بهذا التغيير، فجسر جولة كنتاكي يعتبر غير قانوني، لأنه ما كان ينبغي أن يتحول إلى جسر إلا بالعودة إلى اللجنة العليا للمناقصات وطرح مناقصة جديدة ويتقدم المقاولون مرة أخرى ويتنافسون عليها ويؤخذ في الحسبان حجم الأضرار الناتجة عن التعديل ومسائل التعويضات". ويؤكد: "كان من المفترض استدعاء أصحاب العقارات وتوضيح ما هي الإشكالية ولماذا سيتحول إلى نفق وما هي المضار والمحاذير... الآن ضرب القطاع التجاري في هذه الأماكن بنسبة 80 بالمائة وانخفضت أسعار العقارات بما يقارب ذات النسبة". ** خطة عمل غير مدروسة ويضيف: "خطة العمل التي تقوم بها إدارة مشروع التقاطعات في أمانة العاصمة غير مدروسة من كافة الجوانب، دراستهم تركز على قضية واحدة فقط هي الخسائر التي ستلحق وكيف أنفذ المشروع بأقل كلفة ممكنة". ** آفاق مستقبلية أوسع لبناء الانفاق والجسور في المقابل يشرح د. صادق سنان، مهندس المشروع في إدارة التقاطعات، ما ستحققه الأنفاق والجسور من فوائد عملية لحل أزمة المرور الراهنة، فضلا عن الفوائد الاقتصادية الناجمة عن تقليل استهلاك الوقود، الحوادث المرورية في الجولات... مشيرا إلى أن انسياب السير والتنقل سينعش المدينة اقتصاديا. وأوضح أن أمانة العاصمة تعمل الآن بأخذ محور وتبني بكل تقاطع نفقا أو جسرا بحسب الدراسة المرورية المتبعة في تقاطعات أمانة العاصمة وبذلك تكون الحركة المرورية أسهل ولا يوجد معيق. وأضاف: "الأضرار ستكون كبيرة إذا أبقيت الشوارع كما هي عليه ولم تحل أزمة الاختناقات المرورية، فخلال خمس سنوات لن يستطيع الطالب أن يذهب إلى مدرسته ولا الموظف إلى عمله، بسبب النمو السكاني والهجرة الداخلية والانتقال الى صنعاء، كونها مركز النشاط في اليمن". وأعرب عن استغرابه "من ذهاب البعض إلى القول بعدم وجود خطة مدروسة لمشروع التقاطعات وأن عملنا يسبب ازدحاما أكثر وأننا لا نشعر بالمتضررين، فهذا الكلام غير صحيح، فنحن لا نتلذذ بمعاناة أي مواطن بل إننا أيضا نعاني"، لافتا إلى أن "الشوارع نفذت في الماضي بطريقة عشوائية وبدون تخطيط سليم، ولذا نحن نعاني اليوم من ضيقها"، مبينا أن كثرة التقاطعات في الأمانة هي أحد أسباب الازدحام "وهي معوقات لا نستطيع حلها بالشكل الكامل". ويضيف: "بعد الانتهاء من بناء الأنفاق والجسور سيشعر كل مواطن بفائدتها. الناس متخوفون لأنها تجربة جديدة؛ لكن عند الانتهاء سيلمسون نتائجها الإيجابية بوضوح، وسيكون لهم أيضا مواقف للسيارات تحت الجسور وهذا أيضا فائدة جميلة وجديدة للناس. وقد لمسنا هذا الأمر في الأماكن التي تم إنجاز بناء جسور فيها، فعندما أسير بجانب تلك المشروعات يشكرنا تجار كثيرون ويعبرون عن سعادتهم بالمكاسب التي لحقت بهم من فائدة". ** الغاية لم تصل بعد الانتهاء من خلال حديث د. صادق سنان عن فائدة الأنفاق والجسور بعد الانتهاء لدى التجار توجهنا إلى "جسر الصداقة" وسألنا أصحاب محلات محاذية للنفق والجسر لا تزال باقية هناك من فترة ما قبل بناء الجسر وهل فعلا استفادوا أكثر بعد عمل الجسر. سالم احمد العزاني، صاحب محل لبيع قطع السيارات، قال: "تعطل العمل ولم يعد كالسابق، لا يوجد موقف للسيارات، الآن تسير السيارة دون توقف لا يستطيع الزبون النزول ورؤية البضاعة لأن المرور يسجل مخالفة أو يأتي الونش لأخذ السيارة، مبيعاتنا متدنية، لا نستطيع عمل شيء، في السابق توجهنا للأمانة، لكن دون فائدة، يقولون لنا تحملوا هذه مصلحة عامة". من جانبه الحاج محمد محسن احمد صاحب بقالة المستودع العمومي للتمويل يقول: "الشارع ضيق وحتى الآن لا يوجد مواقف للسيارات. مبيعاتنا صارت أقل، والزبون لا يستطيع أن يوقف سيارته، فالرصيف ضيق ولا يستطيع شخصين المرور عليه". ** معوقات التنفيذ في المواقع مهندس مشروع جسر "جولة كنتاكي"، السيد ريدي، عن شركة "هوك" العالمية و"ناجرجونا" الهندية، قال إن المدة المحددة لإنهاء العمل هي عشرة أشهر؛ لكن "واجهتنا صعوبات في البداية مثل إزالة الخدمات لمدة شهرين، الأمر الذي جعل احتمال تأخر التسليم محتمل لأكثر من شهرين عن الموعد المحدد في الاتفاق مع الأمانة". من جهة أخرى قال المهندس ثابت العريقي، مهندس مشروع جسر "جولة سبأ" الذي تنفذه دائرة الأشغال العسكرية: "برنامج العمل مضغوط جدا، لذلك نعمل ليل نهار، فالتأخير احتمال وارد، لأنه واجهتنا عدة معوقات قبل البدء بالعمل، منها الأمطار الغزيرة التي هطلت تلك الأثناء، ما أدى إلى توقف عملنا لمدة أسبوعين وإزالة الخدمات التي أخذت وقتا. وأكثر المعوقات وجدناها من قبل الساكنين، حيث كانت المشاكل معهم كثيرة وأقفلوا المكان لرفضهم بناء الجسر". وأشار إلى عدم وجود مساحة كافية تحت الجسر لتكون مواقف للسيارات، لأن المساحة المخصصة فقط للمشاة وسيارات المارة من الجوانب الأخرى. ** حلول أخرى من الأمانة نائب أمين العاصمة - أمين عام المجلس المحلي، أمين جمعان، قال: "لا توجد تعويضات مالية هذه مصلحة عامة والقروض بتمويلات خارجية، لذا من الصعب أن نضيف حل التعويضات، فنحن لا نعطي التعويض إلا إذا اضطررنا لاستملاك أو قص منزل أثناء التنفيذ". ويتابع: "عملنا على إيجاد حلول أخرى، مثل إعفاء من الخدمات والرسوم وإعفاء ضريبي وقد حللنا المشكلة مع لجنة متضرري جسر جولة كنتاكي كحالة خاصة واستثنائية بمساعدتهم ببعض الخدمات". وفي هذا الصدد شددد رئيس لجنة متضرري جسر "جولة كنتاكي"، د. نصر الفرزعي، على الاتفاق مع الأمانة من خلال محضر توصل من خلاله الطرفان الأسبوع الماضي إلى حل المعضلة بإعفاء ضريبي لمدة سنتين، وهم ينتظرون استكمال بقية الإجراءات في مصلحة الضرائب. ** لا إعفاء ضريبي إلا بقانون لكن الدكتور جمال سرور، وكيل مصلحة الضرائب، أشار إلى أن المصلحة لا تفرض ضريبة معينة إلا إذا وجد مورد لدى التاجر وإذا وجد ربح خلال التجارة، فالضريبة تؤخذ من ربح التاجر، "لكننا لا نستطيع أن نعطي تخفيضا أو إعفاء ضريبيا، فالقاعدة الضريبية تقول: لا إعفاء ضريبي ألا بقانون. وفي مثل هذه المسائل إذا وجد حالات متضررة يأخذ القرار بعد مرور وقت لا بأس به من الجهات العليا". ويؤكد: "الحل ليس بالخفض أو الإعفاء، طالما التجارة متضررة وستضرر دائما، فهذه حلول مؤقتة، وعلى التاجر باقي الحلول المستقبلية، مثلا أن يغير نوعية التجارة أو ينتقل إلى مكان آخر، أما إذا بقي يقول: اوضعوا لي حلولا دائمة فهذا مستحيل". وأضاف: "إذا وجد متضرر في أي مكان يجب أن يشعرنا بضرره ويتوجه إلى المصلحة ويقدم ورقة تظلم وإشعارا ونحن سنتأكد من الواقعة ونعدل له الضريبة ونعيد النظر في حالته كحالة استثنائية، لو كان يخضع للضريبة المقطوعة عليه أن يقدم تظلما معينا، وإذا كان من كبار المكلفين فعليه أن يقدم حسابات فيها محتوى الصرفيات والإيرادات، ومهما كانت النتيجة سيكون هو المستفيد، لأننا نتعامل معه واقعيا". ويتابع: "بابنا مفتوح لكل المتضررين ومستعدون لاستقبال أي تظلمات. أما الإعفاء فلا نستطيع عمل ذلك، لأن القاعدة الضريبية تقول: لا إعفاء ضريبي إلا بقانون". ** قانونية التعويض في الدستور اليمني وحول شرعية المطالبة بالتعويض والاتجاه إلى المحكمة يوضح المحامي فيصل المجيدي: "إن القاعدة العامة التي يتناولها القانون المدني بشكل عام قاعدة تعويض الضرر أو الضرر بحقوق الآخرين (لا ضرر و لا ضرار) هذه القاعدة هي الخطأ ورابطته السببية إذا ثبت أن هناك خطأ وارتكب. الخطأ هنا أدى إلى فعل وضرر مثل منزل تصدعت جدرانه أو إذا الفعل أدى إلى قطع أرزاق الناس وادي إلى أنهم لا يستطيعون المنفعة من تجارتهم بطريقة طبيعية مثلا لا يستطيع إدخال البضائع وعدم قدرته على ممارسة التجارة العادية وكان بسبب ذلك إغلاق محله بالكامل أو مؤقتا، فمن حقه الاتجاه إلى المحكمة والمطالبة بالتعويض وفقا للقانون ودستور الجمهورية اليمنية النافذ في المادة رقم (7/ ج) والتي تقرر عدم المساس بالحقوق الخاصة بالمواطنين إلا لمصلحة عامة وبتعويض عادل. وكذلك إعمالا للقانون المدني اليمني رقم 14 لسنة 2002 والذي يقرر التعويض عن الضرر الذي قد يلحق بالغير والذي يشدد في مادته رقم 309 على أنه من سبب ضررا للغير ليفادي به ضررا أكبر محدقا به أو بغيره لا يكون ملزما إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا شرعا". ويرى أنه ينبغي على الدولة أن تراعي الحالات الصعبة ولا ينبغي أن تراعي كل شخص، فمن واجبها أن تراعي المصالح، فالمصلحة العامة لا تتعدى على المصلحة الخاصة، عليها أن تعد لجنة وترى ما الذي حدث بالضبط، هذه اللجنة يجب أن يكون فيها متخصصون وخبراء وهم يستطيعون أن يميزوا هل هذا الضرر لحق بسبب بناء الجسر أو النفق أم أن التاجر لم يستطع ممارسة عمله بطريقة طبيعية. وفي هذه الحالة يجب على الدولة التعويض بقدر الإمكان، يجب ألا تتأثر التجارة الخاصة. فالقاعدة القانونية هي: كل ضرر ناتج عن خطأ يستحق التعويض". ويشير إلى أن من الحلول الحالية التي يجب أن تسرع الدولة باتخاذها تشكيل لجان والنزول إلى المتضررين والبحث في حلول ومعالجات، سواء تخفيض أو إعفاء ضريبي، أو إيجاد مخارج ومداخل أكثر للمحلات القريبة جدا من الأنفاق والجسور وأيضا إيجاد مواقف للسيارات لأصحاب المحلات. ويختتم: "الدولة ملزمة بمراعاة مصالح الناس والنزول إليهم وإعطاء كل ذي حق حقه. ففي المادة 4 من القانون المدني اليمني: الضرر يجب أن يزال ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التعارض. وتنص المادة 12 على أن الأصل في المعاملات وأنواعها وكيفيتها ما أقره الشرع ثم ما جرى به عرف الناس وتراضوا عليه ما لم يخالف حكم الشرع بتحليل حرام أو تحريم حلال". صحيفة السياسية