اعتبر باحثون ومهتمون بالتراث أن أسبوع التراث الثقافي اليمني - السوري, الذي نظمته جامعة صنعاء ممثلة بكلية الآداب ومركز "منارات", والمركز الثقافي العربي السوري صنعاء، ومؤسسة بيتنا للتراث والتنمية, خلال الفترة 15 18 يناير الجاري, يجسد مدى اهتمام منظمات المجتمع المدني بالتراث العربي. وأشاروا في تصريحات خاصة ل"السياسية", إلى أن إقامة مثل هذه الفعاليات يعزز الهوية الثقافية العربية ويمد جسور التواصل بين الآباء والأبناء من الشعبين اليمني والسوري وله دور كبير في الحفاظ على الهوية الثقافية العربية المشتركة ضد موجات العولمة الثقافية الجارفة لمورثنا العربي الحضاري العريق. يجب الحفاظ عليها وفي هذا السياق، أكد نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق, عبد الباري طاهر, أن أهم ما تبقى من مقومات الأمة العربية هي الروابط الثقافية واللغوية, وأنها أهم الروابط المتينة بالإضافة إلى الروابط الأدبية والتاريخية والمصير المشترك والتكوين النفسي العام وغيرها, التي تشهد على وجود أمة عربية واحدة, ولا يمكن إلغاؤها أو القفز عليها, خلافا للروابط الاقتصادية المفككة وعدم وجود مصالح اقتصادية كبيرة بين بلدان الوطن العربي. وأشار طاهر إلى أن الروابط القائمة بين اليمن وسورية أو اليمن والعراق وغيرها من الدول العربية, هي روابط متينة ويجب الحفاظ عليها, وإحياؤها بالفعاليات والندوات والمحاضرات المختلفة, منوها بأن الحفاظ على التواصل المستمر بين شعوب الأمة العربية أمر مهم جدا للمستقبل. كنوز عظيمة وفي تقييمه لدور الإعلام في النهوض بواقع التراث الشعبي والثقافي اليمني والعربي بشكل عام, أوضح طاهر أن الإعلام يلعب دورا مهما وعظيما جدا في هذا الجانب وغيره, وله دور رئيسي وأساسي في أحداث هذا العصر, لافتا إلى ضرورة بذل مزيد من الجهود الإعلامية للنهوض بواقع التراث الشعبي والثقافي العربي بشكل عام. وأضاف طاهر: "ينبغي التشديد على بذل جهود أكبر في الحفاظ على هذا التراث, فاليمن وسورية، على سبيل المثال، تملكان كنوزا عظيمة, سورية لديها تراث في التاريخ كتدمر ووادي الرافدين وإرث حضاري عظيم, دليل على ما أنجزته الحضارات المتعاقبة منذ قرون طويلة, واليمن لديه حضارات معين وسبأ وحمير, ويتمتع بإنجازات كبيرة وآثار تعبر عن حضارات ضاربة بجذورها في القدم". مشكلات! وبين طاهر أن الخلافات السياسية التي تشهدها الأنظمة العربية فيما بينها تشكل فرقة وتعد أبرز مشكلات التراث العربي, إلى جانب عدم الاهتمام بالقواسم المشتركة الكبيرة، معتبرا أن تبني المواقف والحفاظ على الروح العامة المشتركة وأن تتصدى البلدان العربية للمخاطر التي تهدد هذا القطر أو ذاك, مسألة مهمة جدا، كونها عوائق حقيقة, بالإضافة إلى السياسات غير الصائبة وغير الصحيحة التي لا تعمل ولا تحافظ على المصالح المشتركة بين أبناء الشعب العربي الواحد. من جانبه, قال الباحث في التراث مدير عام المركز الثقافي بصنعاء, زيد الفقيه: "عدم اهتمام المعنيين سواء الجهات الرسمية أو غير الرسمية (القطاع الخاص) بالتراث, أبرز مشكلات التراث الشعبي الثقافي اليمني, برغم أنهما طرفان معنيان بذلك, والذي يعتبر الهوية الوطنية والهوية اليمنية الأصيلة, سواء كان التراث المادي كالآثار والحرف اليدوية, أو التراث المعنوي كالمخطوطات والقضايا الفكرية والأغاني والألحان وغيرها". ويسترسل الفقيه: "في المقابل جميع بلدان العالم لا تتولى الدولة بمفردها حماية التراث والاهتمام به, بل تتعاضد كافة الجهود بدءا بالمواطن وانتهاء بالدولة, كون التراث ليس ملكا للدولة فحسب، بل ملك الشعب (كل فئات المجتمع), وبالتالي بدلا من أن يعبث المواطن البسيط سواء في مأرب أم الجوف أم إب, ممن يداهمون ويدمرون المناطق الأثرية, هم معنيين أولا بالحفاظ على الآثار والتراث, فالمواطن اليمني عندما يفقد تراثه فقد فقد هويته أولا". وأكد الفقيه أن اليمن قطع شوطا ومجهودا لا بأس به في حماية التراث, وأن وزارة الثقافة اليمنية تبذل جهدا كبيرا في مسألة حماية الآثار والتراث والحفاظ عليها, مثمنا دور الصندوق الاجتماعي للتنمية في هذا الجانب, والذي قام بعمل مشاريع كبيرة جدا, وإحياء أشياء كانت قد اندثرت منها, كإعادة مصانع الياجور (الطوب الأحمر), وإحياء كثير من الحرف اليدوية بتشجيع الأسر العاملة من خلال الجمعيات والمشاريع الصغيرة وغيرها. واعتبر الفقيه فيما يتعلق بتقييمه لتجربة بلادنا في جمع الموروثات وحمايتها, أن الإشكالية القائمة في هذا الخصوص شحة إمكانيات البلد, وعدم تفاعل وتجاوب رأس المال الوطني, برغم أنه معني به اولا قبل الدولة كونه يستطيع أن يساهم ويدعم من خلال شرائه للمنتجات والحرف التي تعبر عن التراث اليمني خاصة تلك التي تصنعها الأسر اليمنية, والتي لا تجد في الغالب من يقتنيها, معيبا دوره وعدم إسهامه في النهوض بالواقع, ودوره السلبي المتمثل في طمس الهوية الوطنية. كارثة! وكشف الفقيه أن الزي الشعبي اليمني تم تشويهه ولم يحافظ عليه ونسب لغيرنا, كغيره من مكونات التراث اليمني, وأنهم في هذا الجانب أوصوا ضمن مسح يتعلق بتوثيق الحرف القديمة ومنها الزي اليمني النسائي, بضرورة أن يتم كعرف قبلي أو اجتماعي, اشتراط شراء قطعة قماش على الأقل من الزي اليمني, ضمن ملابس كل عروس في كل أسرة يمنية, بدلا من اقتناء كافة الملابس مما يتم استيراده من الخارج, بهدف الحفاظ على هويتنا وتراثنا وزينا, وأن ذلك لم يلق القبول لدى الغالبية العظمى من اليمنيين, وهو ما يعد كارثة في حق تراثنا. أكثر اتصالا من جهته أشاد رئيس مجلس عام تنسيق منظمات المجتمع المدني أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الأستاذ الدكتور حمود العودي, بفعاليات الأسبوع معتبرا أن ذلك يجسد مدى اهتمام منظمات المجتمع المدني بالتراث العربي, موضحا أهمية منظمات المجتمع المدني, هذا البعد الشعبي والإنساني والحضاري الذي يجب أن يتعزز في مجتمعنا ويقوم بدوره التنموي والإنساني بكل المقاييس. وأشار العودي إلى أن منظمات المجتمع المدني هي القاسم المشترك ومؤسسات ما دون مؤسسات الدولة المدنية والأحزاب السياسية, وهي أكثر اتصالا بالرأي العام والتعبير عنه والتغيير المجتمعي إلى الأفضل في قاع المجتمع, كونها المساحة الأوسع للتماس والتفاعل الإيجابي الخلاق بين مؤسسات الدولة والقطاع الاقتصادي العام والخاص من جهة والسواد الأعظم من الناس من جهة ثانية, منوها بأنه لا ينبغي لها كي تجسد هويتها الاجتماعية الدقيقة ودورها المجتمعي الخلاق أن تكون طرفا في سلطة تدافع عنها، ولا في معارضة حزبية تبحث عن الوصول إليها، ولا في استثمار وتجارة ربحية تنتفع بها. وأضاف: "منظمات المجتمع المدني هي صمام الأمن لإحياء ذي الحق الذي يؤدي دوره كناصح أمين ورقيب صادق من أجل خدمة المجتمع وتطوره, ولذلك ونحن اليوم نشاهد ما الذي يدور في مسار مجتمعنا اليمني والعربي والإسلامي والعالم, من مخاضات كبيرة, علينا بالتالي أن نواجه دورنا على مستوى الوطن العربي وأن نستعد لدور يخرج هذه الأمة من النفق المسدود الذي وصلت إليه, إننا لسنا دعاة عنف ولا دعاة انقلابات ولا دعاة انتماء وانحياز, ولكننا دعاة خير لكل الأمة لوحدة الأمة ورسالتها ورفع رايتها وتعزيز حقوقها وكرامتها". لا تستطيع غيرها وفيما يرى عبد الباري طاهر أن الأمة العربية لو تكاملت وعمل أبناؤها على إرثهم الحضاري, ستكون أهم الأمم في هذا العصر, لتميزها عن غيرها من الأمم بتوفر مقومات حضارية وتاريخية وثقافية وتكوين عام؛ لفت زيد الفقيه إلى أن بلادنا تستطيع أن تفعل وتحقق بما تملكه من تنوع ثقافي وجغرافي وإبداع إنساني, ما لا تستطيع غيرها من البلدان, مشيرا إلى أن الاهتمام بالثقافة والتراث هو اهتمام بالمستقبل لليمن القائم على "ترويج اليمن" وأن بناء رؤية بعيدة المدى للثقافة اليمنية تبقى المنتج اليمني الأهم والدائم الذي يمكن تسويقه عالميا. ودعا العودي إلى لم شعث منظمات المجتمع المدني في نسق وطني وتنموي مشترك, لتسهم معا ومع القيادة السياسية والرأي الآخر بقيادة مسيرة سفينة شعبنا إلى بر الأمان, وأن يتجاوز الجميع كل العوائق والصعاب التي نواجهها اليوم بخيارات الوحدة والثورة ومبادئها والديمقراطية وكافة الثوابت الوطنية, مضيفا: "وهو الأمر الذي بدأت بذرته الأولى في تكوين مجلس عام تنسيق منظمات المجتمع المدني الذي تأسس قبل أكثر من عام ويضم اليوم أكثر من 70 منظمة عضوا فاعلا في هذا المجلس, وندعو الجميع للإسهام والمشاركة في عضويته". الجدير بالذكر أن أسبوع التراث الثقافي (اليمني السوري) الذي اختتم فعالياته مساء الثلاثاء الماضي بمحاضرة في مركز "منارات" بعنوان "الوضعية الحالية للآثار اليمنية والمصادر الجديدة للتاريخ", شهد عددا من الندوات والحاضرات الفكرية والثقافية وأقيم معرض فلكلوري يمني - سوري عرضت فيه الأزياء الشعبية اليمنية والسورية, تحف وصناعات تقليدية تعبر عن أصالة الشعبين اليمني والسوري, صور للآثار والمراكز الحضارية اليمنية والسورية تعبر عن قدم الحضارتين وتطورهما عبر العصور القديمة, وتقديم بعض المأكولات اليمنية والسورية. السياسية