في وطن يتربع الالم على كل شبر من ترابة ...قد تحتاج الى عمر كامل لتحصي تلك اللوحات المؤلمة التي تقرؤها في وجوه الناس وتصرفاتهم ، او تقرؤها من خلال عبرة حبيسة في عيون سرق منها الأمل ليعاد ترتيب حروفها تحت وطأة الجراح ولعنة السياسة وزندقة الدين . الا ان ما يحيرني هو التسمية المناسبة لهذه البقعة من الفوضى الجغرافية والبشرية ..كيف يمكن ان نسميها وطن ...لا سيادة وطنية ولا حقوق ، فساد في البر والبحر ، ضمير غائب ولعنة القات والسلاح ، وانعدام وسائل الامن الغذائي والصحي ..وكل الاهوال ...ومع ذلك فهذا امر ليس بجديد في حياة المواطن اليمني فهو حصيلة تراكمية لعدد من السنيين شارك في سلبياتها الجميع . لكننا امام امر هام وهو انهيار منظومة المجتمع بكل ركائزها الدينية والاجتماعية والتعليمية والسياسية وهي ركائز لطالما استند اليها المجتمع اليمني في كل عاصفة سياسية او نذير حرب . ولعل التداخل في التاثير لهذه الركائز شكل سلبا او عامل مهم في تدمير الاخرى ، فعلى مر السنيين ...واليمن رغم التخلف والجهل الا انها شكلت لوحة من التألف والتسامح المذهبي استند الى كل الروابط المتينة واواصر القربى بين كل اطياف المجتمع ، لكن من المؤسف اليوم السباق الحاصل في الساحة اليمنية لتأجيج الخلاف المذهبي لتطغى عليه الطائفية الممقوته . فهناك سباق معلن بين تيارات سيودينية لتأجيج هذه الخلاف المذهبي ممايوحي بنذير سوء قادم ...ومن المؤسف انها تعمل تحت رغبة اطراف دولية تشرعن من انتهاك سيادتنا وقرارتنا وتجعل من العمالة الخارجية منسك من مناسك الحياة اليومية وفي ظل الغياب الكامل للدولة فإن انتعاش هذه التيارات يشكل خطرا على منظومات المجتمع ويهدد السلام والتعايش في البلد . واستطيع القول بأن الاصلاح والحوثي والجماعات السلفية يعملون ليل نهار على التجييش المذهبي والطائفي والتعبئة الخاطئة القائمة على زرع الحقد والعداء بين مكونات المجتمع وفي غياب التوعية وروح الانتماء الوطني فإن مؤشر الصراع يزداد يوما بعد يوم في بيئة تغيب عنها مضامين الدولة ويترعرع فيها الحقد السياسي الدفين . وما ضاعف ذلك غياب الرقابة الاعلامية من قبل الدولة والشلل التام لوزارة الاعلام مما خلق فضاءات اعلامية شكلت ابواق تنهش كل يوم من مكونات المجتمع وتدمر ركائزة . واعتقد ان وزارة الاعلام حريا بها ايجاد قانون ينظم مهنة الاعلام والصحافة ومجلس اعلى للاعلام يتولى الاشراف على توجهات الاعلام اليمني وبما يخدم قضاياه الوطنية بعيدا عن خلق الصراعات والتجييش لزرع الفتن بين ابناء الشعب الواحد . ولا اخفيكم امرا ان الصدمة رافقتني عندما ارىء ان هذا الوباء استطاع ان يدمر اواصر القربى في الريف اليمني ، حيث كان اليمني فخورا بتماسك المجتمع ومكانته ...بل وصل الامر الى ان تفرز مساجد خاصة بالتنظيمات السياسية ليخرج الجامع عن اداء رسالته ويتحول الى بوق سياسي لا اكثر ، فجامع للاصلاح واخر للمؤتمر وهكذا تحولت العبادة ايضا الى وسيلة تصنيف سياسي سهلة . اذا ...اي انحراف ديني وانهيار اجتماعي اكثر من هذا ، والادباء والكتاب ورواد الفكر وفارسي الاقلام مشغولون بقضايا العالم ووطنهم يدمر بفزلكات السياسة وترهات قساوسة الدين .