انتهت الضجة الإعلامية اليمنية والإقليمية التي روجت بأن يوم الخميس الماضي كان سيشهد التوقيع في الرياض على المبادرة الخليجية لحل الأزمة السياسية اليمنية بمشاركة إقليمية وعربية ودولية لإنقاذ اليمنيين من طول المعاناة القاسية في كل مجالات حياتهم المتسبب فيها علي صالح والبقية الباقية من نظام حكمه. ومع ذلك يرى المتابعون لاجتماع الرياض لحل الأزمة اليمنية إذا تم فإنه سيكون مجرد حلقة في إطار سلسلة طويلة من المبادرة الخليجية خاصة من قبل علي صالح الذي لعب ولا يزال يمارس لعبته الاونطجية على الوسطاء وخصومه الحقيقيين من معارضة الاعتصامات. اجتماع الرياض بخصوص حل ما يسمى بالأزمة السياسية اليمنية من خلال التوقيع على المبادرة الخليجية غير صحيح وليست لهذا الاجتماع أي صلة بالأزمة الحقيقية اليمنية وإنما هذا الاجتماع هو هروب من مواجهة الأزمة الحقيقية في اليمن والتي تحتاج الى حل أزمة الاعتصامات التي مضى عليها أكثر من 9 أشهر ولا يزال الجميع على المستويين المحلي والخارجي يتجنبها خدمة لبقاء علي صالح في السلطة. المصالح القيادية اليمنية والقيادية الإقليمية تسعى جاهدة للقضاء على ثورة الاعتصامات اليمنية التي جاءت الى اليمن من تونس ومصر ورقعت تلك المصالح بأكثر من خطة أو سيناريو للقضاء على هذه الاعتصامات قبل أن تدوس علي صالح وبشار الأسد كما داست زين العابدين في تونس ومبارك في مصر. الاعتصامات الثورية العربية تواجه مقاومة شديدة من قبل الأنظمة المحلية والدول ذات المصالح في هذه الدول العربية من منطلق ان هذه الاعتصامات أحدث وانجح واشمل الثورات وأقواها شرعية على مستوى العالم ضد الانظمة الفاسدة وخاصة أن توجهات هذه الاعتصامات شق طريقها لصنع مستقبل مشرق جديد في المنطقة العربية اذا ما حظيت بالرعاية النزيهة ودون تحريف أو تشويه. خطورة ثورات الاعتصامات العربية على الأوضاع الراهنة لأنها غير حزبية وغير وصولية وتنادي بالجماهيرالشعبية وقيام انظمة ديمقراطية نزيهة تستند الى العدل بعيدا عن الاستبداد ويرى القائمون عليها بأنها الأمل الكبير للمستقبل العربي لأنها تأتي من خلاصة وصميم الديمقراطيات العالمية التي حظيت بها العديد من دول العالم الغربي وظلت ولا تزال تزرع الامل والتطور وتقاوم بشدة مصادرالفساد والصلف والاستبداد التي لا يزال علي صالح وأمثاله يعيشون في دهاليزها المتهالكة. المحاولات التي تبذل للخلاص من ثورة الاعتصامات اليمنية محليا وخارجيا تعتبر فريدة من نوعها في تاريخ السياسة ولا يستبعد خبراء السياسة أن يكون قد صرف على خطط للقضاء على هذه المشكلة الكثير من ملايين الدولارات بهدف القضاء على ثورة الاعتصامات وعدم تكرارها في المستقبل نظرا لخطورتها على كافة الانظمة إذا ما نالت القبول من الشارع. المهم ان قلة من القوة الموالية لعلي صالح وعياله تقوم بضرب مناطق صغيرة في اليمن وهي الوحيدة التي تقوم بالعدوان وقتل المواطنين في مناطق محدودة في البلاد لمجرد الشك في ولاء مثل هولاء القتلى لنظام صالح المنقرض. والابتكار الذي نحاول إيضاحه فيما يسمى بحل الأزمة السياسية اليمنية منذ إعلان المبادرة الخليجية وحتى الآن هو إيجاد معارضة مصطنعة واعتبار ثورة الاعتصامات التي أطاحت بنظام زين العابدين في تونس ومبارك في مصر غير موجودة وبذلك يمكن تفويت الفرصة على اليمنيين والسوريين رغم التضحيات الهائلة من البشر والمال والأضرار الاقتصادية الفادحة التي تصاحب هذه الاعتصامات لمنعهم من الوصول الى أهدافهم. والنماذج واضحة في اليمن حيث تم التغاضي عن ثورة الاعتصامات في ساحات التغيير والاشتباك شبه المصطنع وشبه المسلح ولو بثمن كبير مثل أبناء الاحمر وعلي محسن الاحمر من جهة وعلي صالح وأقاربه من جهة وهذا ما تتعامل به مبادرة الخليج وغيرها بهدف بقاء علي صالح في السلطة وترك ثورة الاعتصامات وكأنها لم تكن حتى تنتهي تلقائيا رغم أنها الهدف الرئيسي لهذه الحيلة. ومن حركات وألاعيب علي صالح الجديدة التي أعلنها مع عيد الاضحى المبارك بأنه عازم على ترك منصبه في اطار خطة نقل السلطة التي اقترحها مجلس التعاون الخليجي الى معارضيه الذين وصفهم علي صالح بأنهم " واهمون وحاقدون" ولست أعلم كيف لزعيم عظيم مثل علي صالح ان يبيع تصريحاته وسلطته الى مثل هؤلاء الحاقدين حسب وصفه لهم؟. ويرى المراقبون الاقتصاديون والسياسيون ان اليمن قد أصيب بالشلل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي واضطراب الامن وعدم الاستقرار ولمدة تسعة اشهر كلها احتجاجات مناهضة مما أدى الى إشعال حرب أهلية في الكثير من مناطق اليمن ولكنها فشلت في الإطاحة بعلي صالح الذي يحكم البلاد منذ 33 عاما. وفشل الشعب اليمني منذ قيام الوحدة عام 1990 في إقامة نظام حديث كما هو حال العالم المتحضر يسجل ضده مع اللوم الشديد لهذا الشعب الذي يشهد له التاريخ بالإنجازات الحضارية الكبرى ومع ذلك ظل لفترة 33 عاما يخضع لجاهل صغير مستبد غير جدير على الإطلاق بأن يحكم مثل هذا الشعب لفترة طويلة جدا. لقد استطاع علي صالح خلال 33 عاما ان يبيع لليمنيين "كلام فارغ مليان كلام فارغ" كما يقول المصريون وظل هذا الرجل يتحدث مع هذا الشعب عن أنه أقام نظاما جديدا يتمتع بالمصداقية والثقة من ابناء اليمن وهذه علة العلل التي تعاني منها كل الدول العربية المريضة بالثقة العمياء حتى بعد اكتشافها دجل الزعيم وكذبه على حساب مصالح الأمة ومنذ أزمنة طويلة.
ومن كثرة الكذب في جيوب القادة العرب ظل علي صالح طيلة هذه الازمة السياسية اليمنية الطويلة يوافق ولثلاث مرات على التوقيع على المبادرة الخليجية لكنه كان يتراجع في كل مرة وفي اللحظات الاخيرة عن التوقيع تحت ذرائع وهمية جديدة بعد كل تخزينة قات ناجحة مع مجموعة من حكاوى سياسته المنهارة. ورغم ان المطلوب من علي صالح محليا وخليجيا وعالميا ترك السلطة والذهاب الى غير رجعة إلا انه في خطابه بمناسبة العيد يؤكد عزمه على مواصلة دعم الجهود البناءة التي يقوم بها الفريق عبد ربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية في ضوء التفويض الممنوح له لاستكمال الحوار مع المعارضة والتوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لتحقيق المشاركة السياسية العاجلة والفاعلة بين كافة الأطراف وتحقيق الانتقال الشرعي والديمقراطي والسلمي للسلطة وفقا للدستور حسب زعمه.. وإجراء الانتخابات العامة الحرة والمباشرة والمبكرة لمنصب رئيس الجمهورية. الذي يسمع علي صالح أو يتابع تصريحاته يعتقد بنزاهته وإيمانه بالديمقراطية ولكن مع الأسف علي صالح أثبت شطارة جيدة في حفظ ما يقوله الآخرون من القادة أصحاب النزاهة الحقيقية ويقوم صالح بجهود كبيرة بحفظ مثل هذه الكلمات وخاصة عن الديمقراطية واستخدامها في الدفاع عن نفسه الجاهلة بأمور الحكم والسلطة. ورغم ان صالح منح نائبه صلاحيات لإدارة الحوار مع المعارضة وتوقيع المبادرة الخليجية نيابة عنه والتي تتضمن هذه المبادرة تنحي صالح واجراء انتخابات رئاسية مفبركة ..إلا ان صالح شن هجوما عنيفا على خصومه واتهمهم بأنهم يستخدمون النساء والأطفال كدروع بشرية ويتسببون في "صنع حمامات الدم" على الأرض اليمنية بتقليدهم للانتفاضات الشعبية في دول عربية اخرى. وقال صالح " بلادنا تعيش ظروفا استثنائية بالغة الصعوبة وشديدة الخطورة على كافة الاصعدة الامنية والاقتصادية والاجتماعية بل والمعيشية بشكل عام وذلك بسبب الازمة السياسية الخانقة التي افتعلتها بعض القوى الطامحة الى كرسي الحكم بطريقة غير شرعية وبسبب الاعمال العدائية التي تمارسها تلك القوى وأخذت تتفاقم ضد الدولة والنظام السياسي.. وضد إرادة الشعب اليمني الأبي". هكذا يردد علي صالح أغنيته القديمة الردئة للتعبيرعن عجزه الفاضح لبناء دولة القانون النزيهة والبعيدة عن الفساد والاستبداد نظرا لولعه الشديد في الفساد والذي تمرس عليه طويلا وبعيدا عن النظام والقانون لا يجد في كل أزمة تواجهه غير المعارضة ليوجه لها الاتهامات الباطلة بأنها السبب في كل المعاناة التي يتعرض لها الشعب اليمني المغلوب على أمره. ورغم تقديرنا للشعب اليمني وحضارته العظيمة في كل المجالات منذ آلاف السنين ..إلا اننا هذه الايام نتألم للمعاناة التي يتعرض لها هذا الشعب من أقل الناس علما وأقلها شيمة وشجاعة ولذلك يصاب المتابع بالحيرة كيف يقبل مثل هذا الشعب الحضاري أن يحكمه جاهل يمارس أسوأ انواع الجهل ضده. ليست شماتة أو اتهاما لعلي صالح بالغباء وفي نفس الوقت الصلف المفرط في التشبث بالسلطة ولكنه بنفسه يعلن ويضع كل هذه العيوب على نفسه والتي أصبحت عنوانه البارز في أزمته السياسية الحاضرة خاصة وهو يبحث عن أيادٍ أمينة تستلم منه السلطة. كان الكثير من المواطنين اليمنيين وغير اليمنيين يصفون علي صالح بالشجاعة والإقدام في أيام الأمن والسلام في اليمن ولكن عندما جاءت الايام الجديرة بالاهتمام كشفت للجميع ان معدن علي صالح من النوع الرخيص والذي يتعفف كل نزيه من شرائه أو استخدامه أو الاقتراب منه لانه من النوع الرديء جدا. مأساة علي صالح الراهنة أنه جاهل لاعتقاده ان الرئاسة اليمنية لم تعد كما هو حال العالم في التداول السلمي للسلطة بل يعتقد انه يحق له تولي السلطة الى ما لا نهاية هو وأقاربه وخاصة ابناءه لأنه جاهل والجاهل عدو نفسه كما يقول المثل العربي وذلك هو الخطر الحقيقي الذي يهدد اليمن في وجود علي صالح وأبنائه الأكثر جهلا في التعامل مع الشعب. مع احترامنا للمبادرة الخليجية فإنها لن تحل الازمة اليمنية ولن تزيد الازمة إلا تورما وحقدا بين الفرقاء لأن السموم التي وضعت على هذه الأزمة منذ اشتعالها تجسدت في التناسي والإهمال التام لثورة انتفاضة الاعتصامات لان الهدف الرئيسي للمبادرة الخليجية بالاتفاق مع علي صالح القضاء التام على الاعتصامات ومحاولة طمسها نهائيا وكأنها لم تكن. ولست أعلم كيف تم خلق خصوم لعلي صالح بعد قيام الاعتصامات مباشرة والأكثر تعجبا ان هؤلاء الخصوم من أقرب المقربين لعلي صالح والمعلوم أن علي محسن الأحمر يعتبر الساعد الأيمن لعلي صالح وأبناء المرحوم عبدالله بن حسين الاحمر هو الذي أوصل علي صالح الى الرئاسة ولكنه كان يردعه ويعيده الى صوابه اذا حاول التمرد أحيانا على سيده وراعي قبوله رئيسا لليمن 33 عاما. وعلي صالح يعلم جيدا كيف كانت تتم تصفية الرؤساء السابقين في اليمن.. لقد تمت تصفية كافة الرؤساء اليمنيين بعد نجاح الثورة ضد الملكية من السلال الى العمري الى الحمدي الى الغشمي كل أولئك حاولوا التحرر من هيمنة قبيلة الاحمر وغيرها على الحكم وكان مصيرهم الاغتيالات وعلي صالح من الذين جندوا للاغتيالات نظرا لطاعته وولائه للقبيلة. والمخيف ان استمرار مثل هذه التركيبة القبلية في حكم اليمن ترجح ان تؤدي الى تفكك الوحدة بين الشمال والجنوب ويشهد اليمن عدم استقرار من خلال قيام حروب مناطقية وقبلية تقضي على استقراره اولا وامتداد تأثيرها السلبي على الجزيرة العربية ثانيا خاصة إذا ما ظل علي صالح في الحكم وبطريقته الجاهلة ووجود بعض المرتزقة المتحدثين باسمه وفي ظل وجود إعلام يمني حكومي يحتكر الجهل والغباء لنفسه بالكامل.