لست مع من يرفض الاعتراف بأولئك الذين اعترفت بهم الدول الغنية بديمقراطيتها وأحزابها وحكوماتها كمعارضين خوارج معتمدين لديها ومفوضين فوق أو تحت العادة لتمثيل قراهم ومناطقهم وحواريهم وأسرهم وأقربائهم والحديث في المحافل الدولية نيابة عنهم والمطالبة بحقوقهم المنهوبة وغير المنهوبة بمناسبة وغير مناسبة. فكاتب هذا مع معارضة الخوارج وطريقتهم الفريدة في التعبير بكل الجمل الاعتراضية عما في أنفسهم وأنفس غيرهم حتى ولو كان ذلك على حساب هذه البلاد وشعبها ووحدتها , لسبب بسيط أقنعني بحجتهم وطريقة انتشارهم في الأرض وهو أنهم بما يفعلونه وما يدعون له تشطيرا حينا وشطائر أحايين أثبتوا للعالم أن ديمقراطيتنا واسعة الصدر لا حدود لمداها ولا لسعتها وليست مثل بعض الديمقراطيات التي تحصر نفسها داخل البلد نفسه ولا تنفتح على العالم الخارجي , كما أن دعوتهم المتكررة إلى جنوب مستقل وشمال منفصل وشرق معتدل وغرب حار صيفا ممطرا شتاء إنما هم بذلك يعكسون طبيعة وحقيقة تقلب الأحوال الجوية في اليمن بين الساعة والأخرى وحين يتحدثون باسم أحيائهم القديمة ومساقط رؤوس آبائهم أو أعمامهم إنما هم يفعلون ذلك بدافع وطني لإقناع الآخرين بأن منطقة ك" بني بهلول " في محافظة صنعاء أو خنفر في محافظة أبين تمثل وطنا كبيرا وبلدا بشعب كامل له خصوصياته المستقلة عن شعب قرية القابل ومواطني بيت أبو محنقه وما أدراك ما بيت أبو محنقه ؟ وان له بروليتاريا تختلف كلية عن بروليتاريا بني مطر مثلا وأن العقيدة السياسية لمملكة سعوان العظمى أقل شمولية من العقيدة السياحية السائدة في إمارة الحتارش , وهم بذلك لا يسيئون إلى هذه البلاد بل يخدمونها من حيث لاتدري لأنهم يجعلون لها ثقلا دوليا ويطبقون مبدأ التعددية في كل شيء حتى في مسألة متعلقة بوحدة بلاد والأهم من ذلك أن معارضة الخوارج عندما انتشر قادتها في بقاع الأرض لم نجد واحدا منهم في أية دولة ديكتاتورية فقيرة من دول العالم الثالث كأن نجد أحدهم منفيا أو ساكنا في بلد أفريقي يموت أبناؤه يوميا بالمئات من قلة الزاد الديمقراطي والرغيف الحزبي بل تخيروا دولا غربية ثرية بتجاربها المصرفية وعريقة بخزائنها الديمقراطية وهاجروا إليها طوعا أو كرها منذ عقود وما إن وصل بهم الحنين حين سمعوا في حكايات جداتهم وهم صغار عن شيء اسمه وطن ذروة تعذيب الفراق ولوعة الاشتياق أخذ كل واحد منهم يعبر عن حنينه له بطريقته حتى وان كان أغلبهم يجهل تضاريسه وشكله ولونه وطعمه ورائحته ولن يكون بمقدوره لو عاد إليه العيش فيه لأنه تربى واعتاد على حياة وعيش البيكادلي ومانهاتن المترف وهذا الوطن مسكين لن يكون بمقدوره توفير ذلك النوع الراقي من الحياة إلا لو خصص عائدات النفط والسليط وربما قد لاتكفي مقابل كرافتات وبدلات أنيقة تليق بهم كمعارضين مخلصين لله والوطن والثورة ولذا ما ضرنا لو تركنا أولئك الخوارج في البلدان التي هم فيها يعارضوننا ويعترضوا على كل ما نقول ونفعل حتى يرى العالم ويسمع عن عروق ديمقراطيتنا وجذورها الممتدة حتى أقاصي الشرق والغرب ويتم انتدابهم مبشرين بها فلعل الله يهدي على أيديهم شعوب أمريكا وأوروبا فيدخلون بإذن الله فيها سالمين غانمين , أما لوعادوا إلى اليمن بعد هذا العمر الطويل من الكفاح والنضال الدولي القديم والجديد وإدمانهم على حياة مشبعة بشعارات الهمبرجر ومبادئ الجينز الاعتراضية فلا أظنهم إلا سيصطدمون بجماهير الكدم وعشاق لعبة السوطي وهم ينظرون إليهم كسياح أجانب أو دبلوماسيين يتبعون إحدى السفارات الأجنبية في صنعاء أو القنصليات في عدن وربما قد ينظر إليهم كعارضي أزياء مستخدمة أو معارض متنقلة لبيع بضاعة فاسدة دخلت عن طريق التهريب كغيرها من البضائع التي تضبط مهربة وقد مر على انتهاء صلاحيتها زمن حولها من مواد غذائية معلبة إلى مواد عدائية معقربه .. والله أعلم