عندما يقف المرء امام محطات حياتية وتاريخية كان لها أن تغير من مسار وحراك احداث التاريخ.. ويكون لها صدى محوري حول اتجاهات مستقبلية تتحدد وتصنع متغيرات ايجابية من هنا يتأكد لك بأن يوم 7 يوليو التي نعيش اليوم ذكراها الثانية عشرة لم يكن يوماً عادياً وإنما انبنت على أحداثه الكبيرة ونتائجه البارزة انطلاقة جديدة ليمن الخير والعطاء.. يمن الوحدة فقد ترسخت خلاله دعائم دولة نعيش الآن أبرز تجلياتها الخيَّرة.. من نهوض تنموي وجهود بناءه وأمَّنت اليمن وحدتها ورواسي قناعاتها الوطنية في ان تبقى الخارطة السياسية لليمن التي ظهرت للعالم في 22 مايو90م. ولذا فإن متغيرات الحياة التي عاشتها اليمن.. وأصول الديمقراطية التي تجذرت والأسس الذي تجري عليها بناء مؤسسات المجتمع المدني.. وانشطة الاحزاب وتنامي دورها في إطارٍ من التعددية والمؤسسات الدستورية.. والمجالس المحلية كل هذه الفعاليات المثمرة.. وبروز الاهتمام الرسمي والاهلي في تغليب اتجاه التنمية كان متطلعها 7 يوليو.. لأن الناس والمحيط العربي والدولي كان في اعتبارهم ان انتصار 7 يوليو سوف يغري الحكم والسلطة في ان تبتعد عن التوجه الديمقراطي أو تتنصل من المسؤوليات الادبية والسياسية التي قامت عليها الجمهورية اليمنية في عام 1990م.. ولكن الذي حدث ان الحكم وفي لحظة تاريخية قال كلمته التاريخية وجدد الالتزام بالخط والخيار الذي اختاره الشعب وسار عليه واجمعت عليه فاعلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهنا ضرب الحكم المثل في ان الانتصار لا يمكن ان يغري السلطة في ان تنحرف عن الاختيار الاستراتيجي لاسلوب الحكم وادارته القائمة على تسيير التوجه نحو مزيد من المعطيات المرسخة للديمقراطية والحريات كمفهوم.. وكعمل معاش وممارس.. وقدم7 يوليو نموذجاً في تعامل جديد وفي رقي الرؤية وقال بأن لا عودة ولا قبول بالمحاسبة القاسية أو الاتكاء الكامل نحو إرث« الانتصار على الخصوم» وهذه وسيلة كان معمول بها في سلف ولكن مرحلة ما بعد 7يوليو تجاوزت هذا المفهوم وانتقلت بمسؤولية بالتدرج الى ترميم نتائج حرب صيف 94م.. ولا مناص من الرؤية بدون تحيز.. بدون تراكمات واحتقانات مسبقة في التحليل بهذه المرحلة وهي كما تشير الدلائل هي مرحلة نضج سياسي حتى وإن بدت بعض الهفوات من وجهي الحكم سلطة ومعارضة،ولكنها مرحلة مهمة نشأ فيها جيل جديد أكثر قدرة على التعامل برؤى عصرية جديدة واكثر تحرراً من تبعات سنوات الجمر التي سبقت العام 90م واعتقد جازماً انه هو الرهان على المستقبل الجميل لليمن بإذن الله. حتى الساسة المخضرمين المعتقين والذين ورثوا اعباء الماضي.. فإن كثيراً منهم تعلموا من تجربة المخاض واعوام العقد المنصرم.. كانت لهم بصمات جلية على المشهد السياسي العام وعلى إدارة الحوار مع الحكم ومع الغير خارج نطاق اليمن.. عشرات الندوات وعشرات الحوارات.. وآلاف الكتابات والمشروعات التي جرى بحثها أو النقاش حولها، أو الاتفاق حولها كل هذه كانت وقوداً نقياً للحراك السياسي والاجتماعي الذي شهدته الساحة اليمنية.. وزاد في أهمية مرحلة ما بعد 7 يوليو ان الحكم ارتقى كثيراً في تعاطيه مع السياسة ومع التعددية السياسية والحزبية.. ومع مؤسسات المجتمع المدني.. بل ان الحكم ديمقراطي واقتراب من انتهاج خط الحريات كان سباقاً الى ارساء هذا النهج والى العمل به في معظم مفصلياته بل ان التفكير الجمعي للحكم جهد في ان يجتاز التبعات النفسية والاجتماعية والسياسية لحرب صيف 1994م وظهر في خطابه الرسمي وفي الاجراءات والاعمال وفي كل القرارات المنظمة لسير الحياة اليومية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وكان الظن أن مرحلة 7 يوليو وما يليها سوف تعمد الى الاقصاء والى التنكيل بالخصوم حتى اولئك الذين بلغوا حد التطرف في الخصومة والعدائية لم يروا غير التعامل السليم وبقدر أكبر من الحيادية وضمان قدر معقول من تسييد وتغليب روح المواطنة المتساوية.. على الرغم ان مخالب بعض القوى السياسية استطالت اكثر ووجدت مساحة اهم وأوسع من هامش الحريات الى درجة ان بعض المتابعين علق على هذا المسألة بأن تلك الصحف والاحزاب قد أرادت ان ترى مدى تقبل الحكم لخطابها الاعلامي الناري بل والشرس في بعض الاحيان.. كل هذا التفاعل السياسي ورواج مساحة الديمقراطية.. واتساع هامش الحريات وتبني رؤى الاصلاحات السياسية جاء على ارضية مرحلة ما بعد7 يوليو وعلى النقيض كما يشير محللون سياسيون بأن القوى السياسية البعيدة عن الحكم لم تتحرر من تركة مرحلة ما قبل 7 يوليو وبدت بعضها تمارس اقصاءً فكرياً ضد الآخر وسعت إلى أن ترى ذاتها هي محور المتغير الايجابي في الحقل السياسي.. ورغماً عن نارية الخطاب السياسي لتلك القوى إلاَّ أنها تمثل في و جهها الايجابي اتجاهاً مميزاً لملامح الهامش الديمقراطي القائم. بقي أن تشير هذه التطورات الملحوظة في علاقة العمل السياسي هو نتاج لمشروعية مرحلة 7 يوليو.. وهي مرحلة مهمة وتاريخية ومن خلالها شهدت اليمن نقلة مهمة وحيوية في مجالات عدة.. تواكبت مع خطط التخطيط- أي ما حددته الخطط- من أرقام جسدت اعمالاً ملموسة وأنشطة حية على واقع الحياة في مناحيها العديدة.. ولمسها المواطن ولمستها الفعاليات الوطنية وبدا أن اليمن قد تغلبت على جوانب الاخلال.. ومجالات التعثر في مؤسساتها وهذا النجاح هو مبدأ الشراكة القائمة بين طرفي الحكم من سلطة ومعارضة.. ولو عمدت قوى سياسية للتنصل من السلبيات وراكمته في اتجاه مسؤولية الحكم. إذاً إن 7 يوليو ليس رقماً دونه التاريخ في (روزنامة) الحياة السياسية اليمنية كرقم عابر وانما هو مرحلة نعيش اليوم عقداً كاملاً مرّ منها.. وفيها من الثمار والايجابية والمحددات الملموسة لحياة متجددة من الانجازات وهي انجازات بعضها يصل الى سمة الاستراتيجية ومكسب لأجيال قادمة من اليمنيين.