الحراك السياسي غير المسبوق في الساحة الوطنية تجسده الموضوعي يتجلى في ذلك التفاعل والحضور الطوعي للجماهير اليمنية بحشودها الهائلة الى المهرجانات الانتخابية لمرشحي الانتخابات الرئاسية والتي مع اقترابنا من موعد الاستحقاق الانتخابي تكتسب اكثر فأكثر منحى فرائحياً كرنفالياً متصاعداً، متحولة الى اعراس ديمقراطية تعبر عن مدى التأصيل العميق والراسخ في الوعي الحضاري الديمقراطي الجمعي لابناء اليمن مشكلة بذلك إمتداداً تاريخياً، مساراته الزمنية عبر القرون تعد تراكماً في سياق إقامة بنى الصروح الشامخة للدولة اليمنية المؤسسية الحديثة التي هي بمثابة تأكيد الاستمرارية المتصلة وغير القابلة للفصل بين ماضي اليمن الشوروي وحاضره الديمقراطي الذي يعني في صيرورته ان اليمانيين كانوا دوماً المبادرين على امتداد تاريخهم القديم والحديث عبر آلاف السنين والذي تعد منه الملكة السبئية بلقيس في التاريخ القديم والملكة أروى في العصر الاسلامي الوسيط منارات مضيئة ترشدنا أنوارها اليوم لمواصلة السير صوب غدٍ أكثر اشراقاً ونماءً وازدهاراً.. وهذا يعني ان الديمقراطية التي نشهد صورتها الناصعة في مهرجانات الانتخابات الرئاسية والمحلية لم تكن بأي معنى من المعاني نتيجة لعوامل خارجية أملتها المتغيرات الدولية أو التحولات العالمية المنبثقة من مرحلة مابعد الحرب الباردة، كما قد يتبدا للبعض بفعل التزامن بين انجاز اليمن لوحدته ورديفها الديمقراطية مع ان ذلك يعكس حقيقة ان التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الرأي والتعبير واحترام حقوق الانسان خيار وطني... اقتضته الفترة التاريخية التي انتقل إليها اليمن بعد استعادته لوحدته في 22 مايو 1990م والتي معها لم يعد ممكناً بناء الدولة اليمنية الموحدة وممارسة الحكم فيها وفقاً للنظام الشمولي الذي كان ربما له مايبرره في العهود الإمامية الاستعمارية التشطيرية، مستلهماً بذلك صانع هذا الانجاز الوطني العظيم الارتباط الوثيق بين الوحدة والشورى طوال تاريخه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي. ومن هنا فان الديمقراطية ليست جديدة على الشعب اليمني بل هي جزء من تاريخه ومكون رئيسي في البنية التفكيرية السلوكية لتعاطيه مع قضاياه السياسية وفي ممارسته لكل أشكال حياته الاعتبارية اليومية.. ويتبين ذلك واضحاً في مسارات مظاهر الديمقراطية أكان ذلك بمجمل العملية الانتخابية أو على صعيد الممارسة المؤسسية في مستويات هيئات السلطة المنتخبة من الشعب والتي هي تعبير عن إرادته.. وللإنصاف لابد من الاشارة الى ان المعطيات والمتطلبات والتطلعات في وجودها الموضوعي تظل على أهميتها غير كافية، مالم يتوفر لها العامل الذاتي المتمثل في وجود قيادة سياسية قادرة على النفاذ بنظرتها الثاقبة الى جوهر المعطى الوطني بوعي يستوعب الظروف المكانية والزمانية، وكيفية توظيفه لبلوغ الغايات الكبرى والعظيمة مهما كانت التعقيدات والصعوبات والتحديات في هذا الطريق الوعر.. وهي كما يدركها الجميع في اليمن كثيرة متشعبة حتى ان الوحدة والديمقراطية بدت للبعض قبل عقدين من الزمن ضرب مستحيل، وهانحن نعيشها حقيقة مجسدة على أرض الواقع في ظل راية الجمهورية اليمنية ويصبح شعبنا يمتلك ناصية حاضره ومستقبله المتحققة في امتلاكه لارادته الحرة في اختيار قيادته وممثليه في السلطة التشريعية والمحلية من خلال انتخابات تنافسية مباشرة وشفافة عبر صناديق الاقتراع.. ليكون تزامن مباهج افراح احتفالاته بأعياد الثورة اليمنية «26سبتمبر و14اكتوبر» مع العرس الديمقراطي هو التأكيد الحي على العلاقة والترابط الوثيق بين الثورة والوحدة والديمقراطية التي اصبحت مؤطرة بثوابت راسخة يستحيل التراجع عنها والنكوص بها بعد أن اصبحت الديمقراطية في أرقى مضامين معانيها المتمثلة في تجذر مبدأ التداول السلمي للسلطة وعلى ذلك النحو الذي ترسم الجماهير اليمنية لوحاتها المعبرة في المهرجانات الانتخابية على امتداد وطن ال22 من مايو لتصبح عرساً ديمقراطياً يستمد من المعترك الانتخابي ليس انجاز مهام الحاضر فحسب ولكن ايضاً يضع الخطى على طريق الغد الوضاء لأجيال اليمن القادمة.