اختتمت القمة العربية ال20 أعمالها أمس في دمشق وعبّر البيان الصادر عنها عن محددات للعمل العربي المشترك وعن رؤى عربية لمجابهة التحديات الراهنة التي تواجه الأمة على أكثر من صعيد.. وما من شك أن جدول أعمال القمة قد تصدرته القضية الفلسطينية وما يجري في الأراضي الفلسطينية من تطورات سواء تلك المتصلة باستمرار العدوان الاسرائيلي وفرض الحصار الجائر على قطاع غزة أو ما تشهده الساحة الفلسطينية من انقسام نتيجة الخلافات الراهنة السائدة بين حركتي فتح وحماس والتي تعمقت بعد تلك الأحداث التي جرت في قطاع غزة في شهر يونيو 2007م وما تلاها من تداعيات مؤسفة عكست نفسها على صعيد مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. واحتلت الجهود اليمنية المبذولة من أجل رأب الصدع في الصف الوطني الفلسطيني جزءاً مهماً من كلمات العديد من رؤساء الوفود المشاركة في القمة أو في النقاشات التي دارت في كواليسها والتي باركت تلك الجهود وأيدتها انطلاقا مما مثلته المبادرة اليمنية والتوقيع على إعلان صنعاء من قبل حركتي فتح وحماس من خطوة مهمة نحو تجاوز تلك الخلافات بين الحركتين ومحاولات ترميم جسور الثقة بينهما حيث جاءت المبادرة اليمنية والتي أصبحت مبادرة عربية مستوعبة لحقائق الواقع الفلسطيني ورؤى كل الأطراف وحريصة على تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ومتواصلة ومكملة للجهود العربية المبذولة في هذا المجال سواء ما تم التوصل إليه في اتفاق القاهرة أو اتفاق مكةالمكرمة حيث أكدت المبادرة اليمنية على وحدة الصف الوطني الفلسطيني أرضاً وشعباً وسلطة واحدة. وإذا كانت قد برزت وبعد التوقيع على (إعلان صنعاء) بعض الرؤى المتباينة بين قيادتي حركتي فتح وحماس في تفسير ما تم التوقيع عليه، حيث ظل كل منهما ينظر إلى ما تم من زاويته ويتمترس وراء وجهة نظره سواء تلك النظرة التي ترى في المبادرة أنها للتنفيذ أو الأخرى التي تراها إطاراً للحوار، فإن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن المبادرة قد اشتملت على شقين أحدهما للتنفيذ وآخر للحوار من أجل تحقيق تلك الغاية إذ أن التنفيذ يتطلب حواراً حول بعض التفاصيل كما أن الحوار لا يمكن أن يكون مفتوحاً ولمجرد الحوار في حد ذاته ولكنه مقترن بالاتفاق على آليات التنفيذ المؤدية إلى الخروج من المأزق الراهن في الوضع الفلسطيني ولما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.. وهذا ما يمكن أن يتحقق من خلال جلوس الطرفين مع بعضهما في صنعاء في الأسبوع الأول من شهر أبريل القادم طبقاً لما تم الاتفاق عليه بينهما والمهم في ذلك كله هو توفر الإرادة والنوايا المخلصة والرغبة الصادقة في الخروج من واقع الخلاف ومراعاة مصالح الشعب الفلسطيني بالنظر إلى أن المستفيد الأول من الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني هو اسرائيل التي تسعى من أجل تكريسه لكي تستمر في عدوانها وحصارها وسلب الفلسطينيين حقوقهم المشروعة. والجدل الدائر حول أيهما يسبق الآخر العربة أم الحصان وما الذي يتم البدء به التنفيذ أم الحوار فإن هذا الجدل وفي ظل غياب الإرادة والنوايا الصادقة في التقارب وتجاوز حالة الخلاف لن يؤدي إلاّ إلى التمترس في المواقف وبالتالي إلى التعطيل لكل ما تحقق والهادف أساساً إلى خلق التفاهم وتوحيد الصف الفلسطيني المنقسم على بعضه ولا نعتقد بأن الوضع الراهن وما يعانيه أبناء الشعب الفلسطيني نتيجة الخلاف يحتمل المزيد من التأخير لإيجاد التفسير للنصوص وعلى النحو الذي يريده كل طرف، فالمهم أن هناك مبادئ وأسساً تضمنتها المبادرة لا خلاف عليها تتطلب القناعة من الجميع بأهمية الالتزام بها والجلوس معاً لاستئناف الحوار حول الآليات الكفيلة بترجمتها عملياً والاتفاق على معالجة ما يمكن أن يشكل عقبة في طريق التنفيذ وبما يكفل إعادة اللحمة وتعزيز وحدة الصف الوطني الفلسطيني أرضاً وشعباً وسلطة واحدة وهذه هي الغاية النبيلة التي سعت إليها المبادرة اليمنية وكل الجهود الخيرة التي بذلت في هذا الشأن. والكرة الآن في مرمى الفريقين الموقعين على (إعلان صنعاء) بالموافقة على المبادرة لاتخاذ ما يرونه مناسباً من أجل تحقيق ذلك الهدف ولما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني وخدمة قضيته العادلة.