جسد الموقف المسؤول الذي تعاملت به القيادة السياسية بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح - مع متطلبات الاستحقاق الديمقراطي القادم والمتمثل في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد - تأكيداً صريحاً وواضحاً على الالتزام بخيار الديمقراطية وجوانب ممارستها في إطار منهجي ومؤسسي يفي بمتطلبات استحقاقاتها في أزمنتها الدستورية والقانونية، بعد أن صارت هذه القواعد من الأمور الملزمة وواجبة التنفيذ ولا يجوز لأحد تعطيلها تحت أي من المبررات أو الذرائع أو الحجج. وفي نطاق ما تفرضه المسؤولية الوطنية والحرص على إنضاج التجربة الديمقراطية والرقي بمساراتها كخيار وطني لا تراجع عنه مهما كانت التحديات، جاء قرار تشكيل اللجنة العليا للانتخابات منسجما مع ما تقتضيه موجبات الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها ودون أي تأخير. وليس في ذلك القرار انفراد أو إقصاء لأحد خاصة أنه بني على الأساس القانوني الذي يخول لمجلس النواب تقديم قائمة بالمرشحين الذين يتم من بينهم اختيار أعضاء اللجنة العليا للانتخابات، وتسقط دعاوى الانفراد والإقصاء في التشكيلة التي ضمها القرار والتي روعي فيها المعيار الوطني والجغرافي والكفاءة، وحتى التمثيل الحزبي لم يتم إغفاله على الرغم من أن اللجنة العليا للانتخابات هي لجنة محايدة ولا ينبغي أن تتبع حزباً أو تنظيماً أو يغلب الطابع الحزبي على أعضائها. وكان من المؤمل أن يستشعر الجميع هذه الدلالات والأبعاد الموضوعية بعيداً عن السجالات والحسابات السياسية والحزبية الضيقة، باعتبار أن هذه القضايا لا تحتمل مثل ذلك التوظيف القاصر، كون الاستحقاقات الديمقراطية ليست موضوعا للمزايدة أو المساومة أو المناكفة السياسية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن السلطة والمعارضة في المفهوم الديمقراطي يمثلان وجهين لعملة واحدة. ولذلك فإن من المهم أن يتعامل الجميع مع الأحداث والقضايا المرتبطة بالشأن الوطني بموقف عقلاني رصين، وليس من خلال الفعل ورد الفعل والمكابرة والعناد، كأن يضع كل طرف رأسه في رأس الطرف الآخر، إذ ليس من الحصافة أن يطغى طابع التشنج والانفعالات والحسابات الخاطئة على التعامل مع المسائل والقضايا الوطنية التي هي بحاجة من كافة القوى السياسية إلى التعامل معها برؤية عقلانية واعية وناضجة ومترفعة عن ردود الأفعال التي لا يتولد عنها سوى الأخطاء القاتلة التي تضر بأصحابها وبالوطن ومسيرته الديمقراطية والتنموية. وهنا يتجلى مضمون الشراكة الوطنية التي تستدعي من الجميع تسخير طاقاتهم بما يعود على الوطن بالنفع والخير والتقدم وتحقيق الغايات المنشودة لأبنائه، حيث أن التحلي بهذا السلوك كفيل بتعزيز الوعي بالمضمون القيمي للتجربة الديمقراطية والتفاعل معها عبر الممارسة المسؤولة والتنافس الشريف في البرامج لنيل ثقة الجماهير في صناديق الاقتراع وبما يجعل من الديمقراطية وسيلة للبناء والتطور لا معولا للهدم وعرقلة جهود التنمية وإقلاق الأمن والسكينة العامة والسلم الاجتماعي. وقطعاً فإن التلكؤ في اتخاذ الموقف الصائب واللجوء إلى البحث عن الحلول خارج حدود المنطق والدستور والقوانين لا يمكن أن يؤدي إلى أي مكسب، بل إنه يفرض على أصحابه استنزاف طاقاتهم في تكرار الأخطاء وحصد نتائجها السلبية وإلحاق المزيد من الضرر بالوطن. والعاقل من يتعظ بالأحداث ويستفيد من التجارب ويتجنب الوقوع في ذات الأخطاء التي ارتكبها ذات يوم. والعاقل أيضاً من يدرك أن الرهان الحقيقي هو على الوطن لا غيره، وأن البحث عن الحلول خارج نطاق هذا الوطن ومصالحه ومصالح شعبه لا يؤدي سوى إلى الخسارة. كما أن العاقل من يستوعب أن إرادة الشعب هي التي ينبغي الاحتكام إليها واستلهامها في العمل الحزبي وفي كل المواقف التي يتعين أن تستمد أسسها ومنطلقاتها من الخضوع لتلك الإرادة وعدم تجاوزها تحت أي دافع كان. ومن الحكمة أن يتحلى أولئك الذين ظلوا يضعون على عيونهم نظارات سوداء بتلك الدلالات، ليس من منظورها الظاهري المجرد ولكن لفهم معناها المتصل بعمى البصائر والقلوب الذي يفقدهم القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب والحق والباطل إلى درجة تجعلهم في كل الأحوال ساخطين وناقمين تملأ قلوبهم الأحقاد على كل شيء بما في ذلك أنفسهم. وحين نتحزب فإن من الموضوعية ألا نجعل الحزبية تفسد مجريات التفاهم أو تحولنا إلى أضداد أو أقطاب متنافرة باعتبار أن الحزبية وسيلة وبناء الوطن هو الغاية. وحتى يمكن البناء على هذا الفهم لا بد أن يعي الجميع حقيقة أننا شركاء في هذا الوطن، والشراكة هنا لا تعني الانغماس واللهث وراء المصالح الذاتية والأنانية وإنما تعني تحمل المسؤولية والإيثار من أجل بناء ورفعة هذا الوطن وتحقيق مصالحه العليا.