بعد ان تقلع الطائرة في اتجاه الشمال - من مطارصنعاء الدولي - ثم تنحرف قليلاً نحو الشرق مواصلة رحلتها نحو دولة الامارات العربية المتحدة حتى تجد نفسك فوق صحراء الربع الخالي ، وكلما القيت نظرة من النافذة الصغيرة للطائرة ، لاتجد اولا ترى سوى ظمأ الرمال وجفاف الصحراء وقيض الشمس المحرقة . وقائمة طويلة من شواهد استحالة الحياة إلا لما شاء الله من زواحف وحشرات خلقت من ذلكم الجحيم .. صحراء عدمية لا صديق لها سوى نيران وهج الشمس الاستوائية، اما القمر فاعتقد ان اشعته تتضايق اذا مالامست حبيبات تلكم الرمال العطشى.. ولكم كان الاجداد محقين حين اسموها بصحراء الربع الخالي يستمر طيرانك فوق تلك الصحراء .. ولاتغيير في المشهد الى ان تقترب من البحر فتجد ان الرمال قد تصلبت شيئاً ما لتأذن بدق وثبات اوتاد الخيام وحبال شدها من الجوانب أو ببناء كوخ او بيت صغير من الطين .وفي سماء تلك البيئة اوالصحراء التي تشكل امتداداً لصحراء الشمال الشرقي لجزيرة العرب تحس بإنخفاض الطائرة رويداً رويداً الى ان تهبط لتسلمك لجنان بناها أو اوجدها اخوة لنا في دول الخليج العربي .. بقيادة وزعامة رمز وحدوي عربي اسمه زايد بن سلطان آل نهيان من تلكم الجنات اخترت جنة آل مكتوم المحددة بإمارة دبي، ولم أكن في مهمة او دعوة رسمية بل في رحلة سياحية لثلاثة ايام فقط كان رفيقي بها الصديق العزيز يحيى علي الحباري .. الحديث عن دبي يحتاج إلى كثير من الوقت سواء من حيث نهضتها الاقتصادية أو العمرانية أو السياحية أو التسويقية ... الخ .. خاصة بعد موجة الازمة الاقتصادية والانهيار المالي التي تجتاح العالم، ولهذا احصر حديثي في نقطة معينة هي أن اخوتنا هناك قد البسوا الصحراء ثوب الحياة .. ولم يعتمدوا على ثروة النفط والغاز فقط بل اشركوا العقل في تحديد الهدف أولاً وفي التخطيط والتنفيذ ثانياً .. بعد ايجاد مقومات المناخ المناسب وأولها الأمن والقضاء، ولم يترددوا في استقدام الخبرات والكفاءات العربية والاجنبية وإن في مجال القضاء ، كأن تجد قضاة انجليز في دبي الامارة، التي لا تمتلك من الثروة النفطية ما لإمارة ابو ظبي أو غيرها من الامارات الغنية بنفطها، فحددت هدفها في مجالات اخرى تتصدرها التجارة والسياحة .. وهما المجالان اللذان يعوضان خسائر الامارة جراء الأزمة المالية في البورصة والعقار، وانا على ساق العزم الى دبي حاولت قراءة ماتيسر عن تلكم الامارة .. فلفتت نظري ارقام خيالية كثيرة لم استطع تصديقها بسهولة كالرقم القائل ان لطيران الامارات فقط من الرحلات اليومية من مطار دبي مائتين وتسعة وتسعين رحلة.. نعم لطيران الامارات وحده مائتين وتسعة وتسعون رحلة يومية من مطار دبي ولاتنسى ان معظم ان لم نقل جميع الخطوط العالمية لها رحلاتها الى امارة دبي . لم أصدق هذا الرقم إلا بالتأكد على أرض الواقع ابتداءً من المطار مروراً بالاسواق الكبيرة والمطاعم العالمية والفنادق، وانتهاء بزيارة القرية العالمية (تسويقية) ومناطق الجُميرا ومارنيا بأبراجها وفنادقها الخرافية ومشروع النخلة المدهش . وجدت العالم بأسره هناك بل اينما ذهبت تجد امامك نماذج من جميع الجنسيات على وجه الأرض .. مابين عامل ، ومتسوق ومستثمر وسائح. وجدت أن دبي ستظل مركزاً لتوزيع البضائع مهما حدثت من تقلبات اقتصادية وأن السياحة ستظل مصدر دخل لا يستهان به ابداً.. ويخطئ من يعتقد ان السياحة الى دبي هي للمتعة فقط .. بل هناك سياحة ثقافية وصحية فنسبة اربعين بالمائة من السياح الذين وجدتهم هم من الشيوخ والمسنين .. وهؤلاء لاعلاقة لهم بسياحة المتعة الصرفة كما في اذهان البعض. لا انسى ان اشير الى ان القرية العالمية تحوي ضمن اجنحتها العالمية جناحاً يمنياً يعرض عسلاً وبهارات ومشغولات اليمن الحرفية وهو من اكثر الأجنحة استقبالاً للرواد الذين قدر عددهم بمئات الآلاف يومياً ، برسم قدره عشرة دراهم اوثلاثة دولارات على كل زائر، وفي ذلك احدى مصادر الايرادات الذكية.. أما اعجابي الشديد فمبعثه اقدام الأخوة من امارة دبي على تحديد الهدف والسير نحوه بمنهجية وعلمية ..وهذا خالص الشكر للأخوة في سفارة الامارات العربية المتحدة على تسهيل رحلتي المفاجئة ولذلكم الضابط الأمني في مطار دبي الذي استوقفني ليحدثني عن أبريت (خيلت براقاً لمع).